المئوية الأولى لنقابة محامي طرابلس: القضاء ليس ساحة للكيد
اطلق نقيب المحامين في طرابلس محمد المراد، لمناسبة مرور مئة عام على إنشاء النقابة ويوم المحامي العالمي، فعاليات المئوية الأولى للنقابة، في حفل تكريم مجموعة من القضاة المتقاعدين ابناء الشمال والذين عملوا في الشمال، والنقباء والمحامين المنتمين الذين مارسوا المهنة خمسين عاما، في القاعة الكبرى في دار النقابة .
حضر الإحتفال وزير الثقافة محمد مرتضى، رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، الرئيس الأول لمحاكم الإستئناف في الشمال القاضي رضا رعد ممثلا وزير العدل القاضي هنري خوري، نقيب المحامين في بيروت ملحم خلف، رئيس رابطة القضاة المتقاعدين القاضي أنطوني عيسى الخوري، نقباء سابقون، قضاة ومحامون مكرمون، أعضاء مجلسي نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس، قضاة الشمال، أعضاء مجالس النقابة السابقون،اضافة الى مدراء المراكز والمعهد وأعضاء الهيئات الإدارية ومحامين بالإستئناف وحقوقيين.
ساسين
بداية تحدث المحامي شوقي ساسين وقال:”في سفر تكوين الوطن أنها بضعة لبنان الكبير، ولدت في موضع القلب منه عام واحد وعشرين للقرن الماضي، كأنما برئت من ضلعه على شبه حواء، يوم كان كجدنا آدم في أولى سنوات الكيان، وفي كتاب العدالة أنها تكلمت في المهد صبية، رافعة صوتها بالدفاع عن أمها طرابلس وعن شرف المهنة ومهابة القضاء وحقوق الشمال، في مواقف كثيرة التهم وثائقها اللهيب، وحفظت لنا بعضها ذاكرة كبارنا وصحافة الوطن. وفي معجم الأزمنة ان مرادف عمرها القرن الذي عده مئة من السنين، وأنها ستحل عما قليل في جذر مئة أخرى، وهي ما برحت غضة البيان في أوج ريعان الأوان، وفي لغة الأماكن أنها جمعتنا اليها من كل حضن وصوب، ودربتنا جيلا بعد جيل على مقارعة الباطل بالرأي والفعل الصواب، فكانت على صورة طرابلس التي استدعت النهر من جيرة الأرز إلى ملح بحرها، وفتلت لمائه الضفتين ساعدين، فإذا به بين حاراتها أبو علي. ألا إنما هكذا يفعل المحامون، يمتشقون من اللين قسوة مهذبة، ومن الدعة قوة ناعمة، فهم حينئذ أقلام دفاع عن الحقوق والكرامات، مغموسة الريشات في محابر السيرة الموحية بالثقة والاحترام”.
وتابع:”نقابة على مد العدالة وعمق المعرفة ورفعة الخلق الحسن، كتبت لها الحدثان أن يذهب ميراث خمسينها الأولى طعما لألسنة نار أحرقت السراي عام ستة وسبعين وتسعمائة وألف، وأن تكتوي خمسونها الثانية بلهيب حروب متنقلة على وسع رقعة سلطانها، وأن تظل على الرغم من هذا كله راضية مرضية، بالحق حفية، وعلى الوحدة الوطنية وصية، فسلام عليها يوم أنشئت ويوم أحرقت ويوم تطفىء شمعة المئوية، وعهدا يا نقابتي لا ينقض له ميثاق: أن نقمش أصول تاريخك الرحيب، باحثين في مطاوي الصحف والمكتبات الخاصة والعامة، وحيث يتاح لنا مصدر أو مرجع، كي نستنقذ ما أمكن من تراثك المفقود الذي نفخر به، ولو ظل قيد الألسنة. كل هذا برعاية كبارنا شيوخ الشباب وبإشراف من يلهث أمامنا عملا فنلهث خلفه تعبا، الأخ العزيز النقيب محمد المراد الذي أدعوه إلى اعتلاء المنبر ليتلو علينا كلمة في فحوى هذه المناسبة المتعددة المعاني”.
المراد
ثم تحدث المراد وقال:”مئة عام على تأسيس نقابتنا التي هي توأم لبنان الكبير، وإعلان انتماء طرابلس بمحاكمها ومحاميها وأهلها إلى دولة نشأت لكي تكون شرفة للعروبة وموئلا للحرية ورسالة للعيش المشترك كما قال عنها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني. وفي هذه المناسبة، التي تتضمن يوم المحامي بكل معانيه السامية، نفتخر أن نستقبل في أولى فعاليات المئوية كبارنا، وأن نكرم قضاة أخيارا سلخوا من عمرهم وعلمهم ما يذكرنا بهم وإن طال الزمن. فمناسبة اليوم يجتمع فيها قضاة خدموا في محافظة الشمال فأصبحوا جزءا منها، وسكنوا في طرابلس فأصبحت مدينتهم وإن طال فراقهم لها، الآن يعودون إلينا كأنهم لم يغادرونا أبدا. فنرحب بهم بوسامتهم وشبابهم، فلا أثر للسنين على رونق أعمالهم وأحكامهم ووجوههم، ولكن يمضنا أن الذكرى قد جاءت بغياب من لم ينتظرها، من غادرونا وتركوا في نفوسنا حزنا كبيرا”.
وتابع:” في هذه المناسبة نستذكر رؤساء أولين تداولوا هذا المنصب: أديب ناصيف، يوسف جبران، ألفرد الحاج، نديم عبود الذي أقسمت اليمين أمامه، ميشال تركية، فهم في نفوسنا باقون، ونستذكر هاني المولى، عبد الرزاق أديب، هاشم الحسن، وليد عيدو، ريمون عويدات، مصطفى المرعبي، نائل أديب، حسن أبو مرعي، سعيد عدره، توفيق جريج، جورج حيدر، منير عبد الله الذي أعطى معنى عمليا لأنسنة القوانين أثناء توليه رئاسة محكمة جنايات الشمال، وطارق زيادة ابن النقابة الذي كان في مرحلة ما، المتدرج الوحيد فيها، وأول من دخل معهد الدروس القضائية، وهو لم يترك محاضرة أو مناسبة نقابية إلا شاركنا فيها، ويواسينا أننا كرمناه قبل الغياب”.
واضاف:” فلنحول الحزن فرحا، ولنشترك أيضا مع زملائنا الذين قضوا أكثر من خمسين عاما في خدمة هذه المهنة، ومنهم نقباء أجلاء لم يتوانوا يوما عن أن يكونوا جزءا لا يتجزأ من النشاط النقابي، وما دعوتهم مرة أثناء ولايتي الا كانوا نعم المرشد ونعم الأخ ونعم الناصح، أحييهم وأحيي ذكرى النقباء المرحومين الذين توفاهم الله في السنوات الأخيرة عبدالله الشامي، حسن مرعبي، وجان حرب الذين نفتقدهم جدا كما نفتقد سائر النقباء الراحلين في هذه المناسبة”.
وأشار الى ان “هذا الاحتفال ليس مناسبة لتبادل المجاملات، بل لأخذ العبرة والاستفادة من الذكرى. ونحن في هذه المناسبة نقول: إن مئة عام على إنشاء نقابة محامي طرابلس، ومئة وعامين على إنشاء نقابة محامي بيروت، لدليل كاف على أن العدالة لا تقبل أن تنتهك وأن الميزان لا يقبل أن يخسر، لذلك نقول إن الانتظام القضائي هو أول شرط من شروط استعادة الدولة، وعليه فليكف السياسيون وغير السياسيين عن التدخل فيه، فإننا نرفض رفضا مطلقا كل محاولة للاستباحة، فالقضاء ليس ساحة للكيد ولا لتصفية الحساب وليس وسيلة من وسائل السلطة، وهذا يقودني إلى التأكيد على إيمان النقابة التاريخي بأن العلاقة بين القضاء والمحاماة مبنية على مبدأ الشراكة في تحقيق العدالة، وقد تجلت صورتها بهية في الاعوام الثلاث الأخيرة، على الرغم من صعوبة تلك المرحلة على مختلف الصعد، وذلك من خلال التفاهم والتفهم، بين النقابة ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود ومجلسه والرئيس الأول لمحاكم استئناف الشمال القاضي رضا رعد والسادة قضاة الشمال، الذين وبالمناسبة يعتزون معي بأن يكون بيننا قاض بدأ حياته القضائية في طرابلس وهو الآن وزير الثقافة، فهنيئا للثقافة به وهنيئا لنا بحضوره وأهلا وسهلا بمعالي الوزير محمد وسام مرتضى”.
وختم قائلا:”مئة عام عبرت،أوجبت علينا أن نضع لنقابتنا نشيدا، أمر لم يفعله السالفون لكنهم لفتونا في هذه الفترة إلى أنه من غير المقبول أن يمر احتفال المئوية من دونه، فتولى الصديق العزيز والزميل الشاعر شوقي ساسين كتابة نشيد جميل عن نقابة المحامين وعن طرابلس والمئوية، فوضع له لحنه الأب نقولا مالك الكاهن الورع والموسيقي الرقيق، وتولى كورال الفيحاء توزيعه وإنشاده بطريقته الخاصة التي يحل فيها الصوت البشري محل الآلات الموسيقية وترية كانت أم إيقاعية، هذا النشيد سنستمع إليه لأول مرة إليه معلنين عن افتتاح الفعالية الأولى من احتفالات المئوية الأولى لنقابتنا، وذلك بدءا بالنشيد وصولا إلى الاحتفال المركزي الذي سنقيمه بتاريخ 11/11/2021 الساعة 11، كل يوم محام وأنتم بألف خير وعاشت العدالة ونقابة المحامين وعاش لبنان”.
خلف
بدوره قال خلف:”أن تتأسس نقابة المحامين في بيروت عام 1919، ونقابة المحامين في طرابلس عام 1921، وأن يتوسطهما إعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920، فهذا لم يكن بالتأكيد صدفة إنما موعدا مع صناعة التاريخ، فنقابتا المحامين في بيروت وطرابلس كانتا الرافد الأول لرجالات الدولة آنذاك، وأول الذين آمنوا بهذه الدولة وساهموا في بناء مداميكها الأولى وما فتؤوا يعلون في البناء على مدار مئة سنة. وأن أقف اليوم خطيبا في مئوية نقابة المحامين في طرابلس، الشقيقة التوأم لنقابة المحامين في بيروت، فهذا مصدر فخر واعتزاز وفرح، هذه النقابة التي تعاقب على سدة المسؤولية فيها تلية الرجال الأبرار آباء المهنة، الذين على سواعدهم وسواعد أشقائهم في بيروت بني مجد المحاماة في لبنان”.
وتابع:”ليست أشد رهبة من الكلمة الا حين تكون في حضرة أربابها، وكم نتهيب الوقوف في حظوة التاريخ الممتد لمئة سنة، ضاربا في اعماق الفكر والتضحية والجرأة والاندفاع، وما الشيب الذي يعلو هامة النقابة التوأم من كبر. وإنما من كبر وعلو قامة، فتحية من العين الى العين في وجه واحد، بل من الذات الى الذات في مسيرة لا انفصام فيها، فجميع العائلات تضم الكبار والصغار، إلا عائلة المحامين فليس فيها سوى الكبار. ومخاض الكبار استلزم لولادة التوأمين سنتين، ومذاك فالطريق والسعي والهدف واحد، وليس صدفة ان يولد العاشق قبل المعشوق، فتأسيس النقابتين قبل تأسيس لبنان الكبير، كان كمن يجهز الشيف قبل الفارس ويعد القلم قبل القصيدة. وها إننا في خدمة لبنان سيف قاطع في كلمة الحق، وقلم ما بريناه باسناننا إلا لنتشبث بأجمل خلق الرحمن، بوطننا لبنان، وليس ما آل اليه في هذا الزمن الرديء من صنع خالق او قدر، وانما بسبب بعض من تولى زمامه، وساس أموره، ممن كانوا كالتوتياء البحرية: شوك كثير ومح قليل”.
وأضاف:”بين النقيب محمد المراد وبيني ، المراد واحد : لبنان في البدء، لبنان الآن، لبنان حتى إنقضاء الدهر، عصي على التقسيم والتفتيت ، متمرد على التحجيم والتصغير ، صلب على المضغ ولو بأضراس من صوان، فمحمد المراد، العكاري المنبت، الطرابلسي الهوى، النقابي الإنتماء، الواقف كل ولائك لزملائك والناس، العديدة مآثرك الطيبة، المتفاني في العطاء،المندفع في صنع الحسنات. أنتهز هذا المناسبة لأحي الإنسان الذي هو أنت، وكنته خلال السنتين التي ترافقنا بها في السراء والضراء، الإنسان الودود اللطيف المحب المثابر، الوطني بإمتياز، فخلال السنتين التي مضت ، لم نهدر دقيقة من الوقت، ولم يمر حدث على الصعيد المهني أو النقابي أو الوطني إلا وكنا على تواصل دائم وتشاور بناء، وتعاون مستمر، وعلى أهبة اتخاذ كل القرارات المناسبة والدقيقة منها أحيانا، العديد من الظروف المشتركة جمعت بين النقابتين ومنها تفجير بيروت في مرفئها وهي جريمة العصر، وكارثة التليل العكارية وهي غير مسبوقة، وهما صفحتان سوداوان في تاريخ وطننا، نسعى بأكف المحامين البيضاء، وسواهم من الذين نذروا أنفسهم في خدمة الوطن والانسان، الى مسح الغبار الاسود عن التاريخ الأبيض. ففي النقابتين عودنا أنفسنا على التضحية، حتى اعتاد العطاء علينا، بعد أن أيقنا أن المستحيل لا يقيم إلا في مخيلة العاجزين، وقد اعتاد المحامون اليقظون، ألا ينتظروا السفينة عند الميناء، بل هم يسبحون اليها مهما كان هياج البحر، ولا ننسى مقاربة قانون استقلالية القضاء، حين انخرطت النقابتان في خضم العمل الدؤوب وعلى كل الصعد، لنيل المتبقي – ولو تباعا – في تحقيق استقلالية سلطة إن تلاشت أو ضعفت فقد لبنان ركيزة عدالته ، وهي مبرر وجود الأوطان التي تلتفت الى الأمام لتستمر في التقدم ، رغم ان استقلالية اي فرد أو مجموعة إنما هي كالايمان والسعادة لا تنبع إلا من الداخل، وسوى ذلك هو أطر للتنظيم ليس إلا”.
وقال:”نحن لا نتخلف عن شد العدالة الى رأس الجبل ، لأننا نقترب معها من القمة، ويد بيد تابعت النقابتان قانون تقاعد المحامين ، يد تزرع ويد تسقي ولسوف تكون ايادي المتقاعدين في عرس أيام القطاف، فيا سعادة النقيب محمد، فاعل الخير خير منه ، وانتم فعلة أبراز في حقول الخير، فلا تهتموا بما يقال فيكم أو في حقول الخير، فالحساد والاحقاد لا تخلق من العدم بل من عظمة عقولكم ، وإن الوحيد الذي سوف ينصفكم هو التاريخ وأنتم أسياده ونحن من أهل الصبر، وبعد الاهداف لا تنتظر الثناء أواخر الشهر فهو معقود لنا اواخر العمل. فافعلوا الخير ولا تحقروا منه شيئا، فإن صغيره كبير، وقليله كثير، وتذكروا دائما ان المحامين هم كأشعة الشمس تخترق القذارة دون أن تتسخ، فمبرورة هي أعمالكم في كل زمان ومكان ، وإني متيقن من تصميمكم على استمرار نضالكم من أجل المحاماة ولبنان، في أي موقع تستقرون به”.
وتابع:”يصادف هذا الحفل بدء السنة القضائية، فيطيب لي في هذه المناسبة أن أخاطب القضاة كما خاطبهم معالي الصديق الحبيب النقيب رشيد درباس ، يوم كان نقيبا للمحامين خلال حفل افتتاح السنة القضائية عام 2000 ، فقال، والكلام له : … يتم إجتماعنا الراقي هذا وقد بلونا أزمة العدالة التي لن تحل أزمة الوطن إلا بحلها باعتبار العدالة هذه حجر الزاوية في أي نظام ديموقراطي صحيح ، لذلك أخطابك أيها القاضي المستقل بذاتك، واتضامن معك حتى تصبح سلطتك مستقلة بحكم القانون، لا بحكم مناقبيتك الشخصية فقط، وأخاطبك أيها الرازح تحت أثقال الملفات والضغوطات حتى يتخفف المواطن من ثقل الظلم، وأخاطبك يا من اشتروا ساعات يومك كاملة براتب يتأكله التضخم وتنتاهبه أعباء الحياة وحاجات الأسرة والتعليم وثمن الكتب والمراجع قديما قيل، قاض في الجنة وقاضيان في النار ، ولكنني لا أكون مفتريا على الواقع الراهن إذا قلت أن جل قضاتنا في الجنة بإذن الله ، ولكننا نخشى عليهم أن تلسعهم النار في الحياة لا في الآخرة، وهذه النار أيها السيدات والسادة ، تلسعنا نحن معشر المحامين على قدم المساواة، ويرتع لهبها في ردائنا الأسود طالما بقيت الأزمة مستفحلة ، وطالما بقي كهنة المعبد على قلق من الظروف والقواعد التي تخطاها الزمن التشكيلات والانتدابات والمعاشات والخوف مما هو آت ” فصدقت أيها النقيب العزيز ، منذ أكثر من عشرين سنة ، وكأن التاريخ يعيد نفسه اليوم ، بل كأن الظروف لم تتغير منذ ذاك الحين، وكأن هذا القلق، الذي ينتاب المحامين والقضاة في آن ، قرر أن يتربع كل مشاعرنا وهل من عدالة كاملة في انتشار هذا القلق في كل الأمكنة؟، فلنقف سويا ومعا يا حضرة الرئيس الأول سهيل عبود، كي نطرد هذا القلق من صدورنا ونتصد لمسبباته الكثيرة المزمنة، فالناس تبحث عن أمل ضاع بضياع العدالة، وكلنا اليوم مسؤولون، ومن العار أن تترك الأمور تتهاوى، لن نترك العدالة تهوي، ولن تهوي إن صممنا معا على الصمود”.
وأضاف:”إن رسالة المحاماة ، ومحبة لبنان ، والدفاع عن حرية أرضه واستقلال شعبه والإصغاء الى هموم الناس ، تجعلنا نحن نقابتا المحامين في لبنان نحيا في معركة مستمرة ، فلم تكن يوما المسافات الجغرافية التي تفصلنا إلا مسافات إفتراضية ، وما نكتبه اليوم ليس إلا صفحة واحدة من كتاب كتبه الآباء والأجداد في النقابتين بالحبر والدم، ونتابع كتابته مع أولادنا والأحفاد، طالما هنالك حق مهدور يوجع كرامة الإنسان وحقوقه، فإن الانسان لا يموت حين يفقد قدرته على التنفس بل حين يفقد قدرته على السعي، وكما أن النجاح ليس بعدم ارتكاب الاخطاء بل بعدم تكرارها ، فالفشل لا يقف عند باب الخسارة بل عند باب الانسحاب، ووطننا ينادينا ويستغيث بكل رأي وبكل عمل ومن افضل منكم في ذلك، ففتح الابواب أهم من دخولها، لأنك ان تكون ملهما خير من تكون مستلهما، والتوأمان على تاريخ واضح وناجح ، ومستقبل ثابت وواعد يلبيان نداء الوطن، فنحن لا نكسر المنبه اذا ايقظنا. ولن نيأس في مقاربة المصاعب الوطنية الخطيرة ، فإذا كانت الحياة قصيرة فإن المصاعب وحدها هي التي تجعلها طويلة وغير مملة”.
وختم:”في صفات النقابتين أمل بالعلاج ، فلنا البعد القانوني والبعدين الوطني والإنساني ، وإننا لن نألو جهدا حتى يرتاح المواطن ويعتز الوطن ونسترد الدولة وتسمو دولة القانون، فنحن قوم نفكر بالاجيال القادمة وليس بالانتخابات القادمة، ونردد ما قاله يوما الكبير ميشال شيحا: لبنان بلد صغير ، نعم ، وصغير جدا ، نعم ، ولكن ليس شعبا صغيرا بل متروك له أن يلعب لعبته الكبرى إن هو عرف نفسه ووعى رسالته. ونقابتا المحامين في لبنان واعيتان لنفسهما، وتعرفان رسالتهما. فحياك الله وبياك نقابة المحامين في طرابلس في مئويتك الأولى، مئة سنة من العطاء وما مليت الكفاح، مئة سنة ولا تحملي أي علامات من علامات الشيخوخة والعجز، بل كل علامات الشباب والإرادة الحرة، حيث تمثلين وجها رائعا مشرقا من وجوه لبنان الكبير وعنوان نهضة فكرية وحقوقية ووطنية، فتحية لك حملوني إياها محامو بيروت، عابقة بالإخوة والمودة، وهنيئا لنا بك”.