محلل أميركي: رغم تفاقم أزمة لبنان لا تزال هناك فرصة للنجاة
لم يؤد انفجار مرفأ بيروت ، على عكس ما كان يطمح كثيرون، إلى تنفيذ الإصلاحات اللازمة لإنقاذ لبنان، إنما رسّخ الثقافة السياسية الفاسدة وفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالبلاد. ورغم ذلك يرى محلل السياسات الخارجية الأميركي ألكسندر لانجلويس أنه لا تزال هناك فرصة لاستخلاص العبر من درس الكارثة، “إذا ما زاد قادة العالم من انخراطهم، واستمر الشعب اللبناني في المطالبة بالتغيير خلال الأشهر القادمة”.
ففي تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنترست” الأميركية ، قال لانجلويس إنه بالنظر إلى لبنان بعد مرور الذكرى الأولى للانفجار الهائل الذي وقع في مرفأ بيروت، يتضح أن النخبة السياسية قادت البلاد إلى الهاوية. ولكنه أكد أنه لا تزال هناك فرصة لإحداث تغيير إيجابي.
وأضاف أنه، “للأسف، أضاع قادة العالم فرصة لدعم الشعب اللبناني والوحدة المجتمعية التي أعقبت انفجار بيروت، وإنه بينما انكفأ اللبنانيون على أنفسهم يداوون أحزانهم على أحبائهم ومنازلهم ومدينتهم المحبوبة، كان قادتهم والعالم ينظرون إلى حد كبير بلا مبالاة”.
وتابع “في الوقت الذي كان يطالب فيه الشعب بالإصلاح والثورة، اختارت النخب اللبنانية إعادة تسمية سعد الحريري في تشرين أول الماضي لتشكيل حكومة جديدة مع وعود بتنفيذ إصلاحات، وهي مزحة مثيرة للاشمئزاز لكثير من اللبنانيين الذين خرجوا في احتجاجات وأجبروه على الاستقالة قبل عام واحد. وظل الحريري، الذي يمثل النخبة السياسية، يخوض معارك مع الرئيس ميشال عون والأحزاب السياسية الرئيسية في لبنان من أجل تشكيل الحكومة لما يقرب من عشرة أشهر قبل أن يستقيل بعد فشله في التوصل إلى اتفاق”.
وتابع المحلل الأميركي “بعد ذلك، تم اختيار الملياردير نجيب ميقاتي لشغل المنصب، بينما يواجه نفس التحديات. وكالعادة، فإن الصراع على السلطة، باعتباره وسيلة للبقاء، أهم من البلاد والعباد”.
و يقول لانجلويس إنه “في خضم كل هذا، واصل الاقتصاد اللبناني مسيرة الانهيار. وحذر البنك الدولي مؤخرا من أن كل مقياس اقتصادي يشير إلى كارثة. فقد وصلت قيمة الليرة في السوق السوداء إلى 18325 ليرة لكل دولار. ووصل معدل البطالة إلى 40%. وأصبح نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر، كما أن ما يقرب من 77% من الأسر، وكذلك 99% من عائلات اللاجئين السوريين لم تعد قادرة على تحمل تكاليف الطعام. وتراجعت واردات الدولة، التي تعتمد على الاستيراد، بنسبة 45%، لأسباب من بينها الدمار الذي حل بالمرفأ.
وفي يوم الذكرى، خرج اللبنانيون من جميع الطوائف إلى الشوارع للاحتجاج على البطالة والفساد، ومعبرين عن رفضهم لهياكل السلطة. ولكن للأسف، قوبلت الاحتجاجات التي قادتها عائلات ضحايا انفجار المرفأ بالهراوات والغاز المسيل للدموع.”
واعتبر لانجلويس أن ما حدث يعكس تماما الأزمة الجارفة التي يواجهها لبنان اليوم. الحكومة غير مهتمة إلى حد كبير بالمساءلة لأن الأطراف السياسية تدرك أن الإصلاح سيقوض مصالحها وسلطتها.
وأشار إلى أن الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية ساهمت في المشكلة بعدما أخفقت في التعامل معها بالشكل الصحيح، مضيفا أنه يبدو أنه ليس لدى الولايات المتحدة سياسة واضحة تجاه لبنان.
وقال لانجلويس إن دول الخليج العربية ابتعدت إلى حد كبير عن لبنان في السنوات الماضية، بينما تواصل إيران دعم حزب الله. وتبدو فرنسا هي الأكثر اهتماما بتحقيق الاستقرار في البلاد اليوم، رغم أن جهودها اقتصرت على مؤتمرات المانحين والدعوات المتكررة للإصلاح، والتي يتم تجاهلها إلى حد كبير. ولا تزال بعض الجهود الجارية لمعاقبة السياسيين الفاسدين داخل لبنان وتجميد الأموال في سويسرا والاتحاد الأوروبي غير كافية.
ولفت إلى أنه من خلال تقديم المساعدة للبنانيين في صورة خدمات مثل الرعاية الطبية والصرف الصحي والغذاء، فإنه بإمكان المجتمع الدولي مساعدة الجزء الأكبر من البلاد وفي الوقت نفسه تقويض شبكات المحسوبية الطائفية العميقة التي تدعم الأحزاب السياسية في لبنان.
وبالتوازي مع ذلك، تحتاج الدول صاحبة النفوذ في المنطقة، وكذلك على الصعيد الدولي، إلى استخدام الأدوات الدبلوماسية للضغط على قادة لبنان.
وقال إنّه يجب أن تركز هذه الجهود على إصلاح القطاع المالي، والشفافية الحكومية، ومبادرات مكافحة الفساد، والقضاء على نظام المحسوبية الذي يمنع مئات الآلاف من الشباب اللبنانيين من الحصول على وظائف لائقة. وفي الوقت نفسه، يتعين توخي الحذر لتجنب فرض أنظمة عقوبات يمكن أن تلحق الضرر بالمواطن العادي وفي الوقت نفسه يستفيد منها حزب الله وإيران.
وأقر لانجلويس بأن هذا النهج غير مثالي، ولكنه لفت إلى أنه كفيل بمنع وقوع كارثة في لبنان. وأكد :”لا يمكن تحقيق الإصلاح الحقيقي إلا من خلال قطع الصلة بين اللبنانيين وبين شبكات المحسوبية التي يضطرون إلى الاعتماد عليها للبقاء على قيد الحياة. وهذا يقلل من قوة الأطراف السياسية المهيمنة”.
واختتم لانجلويس تقريره محذرا بقوله: “وحتى يتم تكثيف مثل هذه الجهود، ويتم استخلاص الدروس من انفجار بيروت، سيستمر لبنان في الانهيار”.