يوم قال لبنانيون: خذونا إلى أديس أبابا وقد لا نعود
تحتفل أثيوبيا هذا الأسبوع برأس السنة 2013… الفكرة مبهجة تشعرك أن العام 2020 سيء الذكر لم يأتِ بعد، وأنها فرصة تحذّر بها أخوتك الأثيوبيين، أنهم بعد سبع سنوات، سيكونون على موعد مع فيلم رعب نحن فيه الأبطال والكومبارس معاً، لكنك لا تملك أن تخبرهم كيف سينتهي هذا الفيلم، ومن ستكتب له النجاة في النهاية.
اليوم تشعر أن لسان حالك يقول، خذوني إلى أديس أبابا لأحتفل، وقد لا أعود، يتجمّد عندي الزمن عند العام 2013، حيث الدولار بـ 1500 ليرة… هذه وحدها تستحق أن يتجمّد عندها الزمن.
اموالك في البنك محفوظة هذا إذا كنت تملك المال، والبضائع المستوردة لا تزال متوفرة بمتناول اليد. اصلاً أنت لم تفكّر يوماً بأن هذا الصنف مستورد وهذا محلي، ولماذا نستورد تفاح الغولدن الأميركي ويرمي مزارعو التفاح محصولهم على الأرض لكساد مواسم لم تجد طريقها إلى التصريف.
لم تسأل نفسك يوماً لماذا نحن شعب يقول إنه صدّر الحرف إلى العالم، يستورد القلم والمحّاية والبرّاية والورقة، لدرجة أنه عندما عجزنا عن استيراد الورق، أصبح المختار يجدّد لنا إخراج القيد القديم… أصلاً لماذا نستخدم إخراجات قيد ونحن لدينا بطاقات هوية؟ لماذا؟
لم تنتبه يوماً إلى جزئية أنك أنت الذي لا تستيقظ صباحاً قبل أن تشرب النسكافيه، أنّ هذا الأخير صنع في سويسرا، وأنّ سندويش اللبنة التي تأكله في الصباح هذا رغيف خبزه مدعوم على الـ 1500، لو ذكرت أمامك هذه المعلومة العام الماضي، لشعرت أنها طلاسم او هراء او شيء من هذا القبيل.
انت لم تكن تنتبه أن اللحمة التي ما لم تتواجد في الطبخ، يعتبر كثيرون أن ما يأكلونه مقبّلات، لم تكن تنتبه إلى أنها مستوردة إلا عندما كنت ترى في السوبرماركت جناح اللحوم البرازيلية المجمدة، فتتساءل من يشتري لحوماً عبرت قارات لتصل إلينا وثمة أبقار وأغنام على مد عينك والنظر تذبح يومياً. لم تتساءل يوماً من أين تأتي هذه الحيوانات. أصلاً لم يخطر ببالك ان يشغل بالك يوماً بقرة وخروف ودجاجة.
الدجاج والبيض هذه قصّة أخرى، لو قيل أمامك العام الماضي “البيض المدعوم” لتساءلت ” مدعوم؟ من يدعم البيض ولماذا وبأي هدف؟”
المدعوم في لبنان هو مواطن يتلطّى بزعيم يقحمه عنوةً في القطاع العام الذي يترنّح بفائض الموظّفين، وينقذه من ورطة لأسباب انتخابيّة طائفية مناطقية…. “أما البيض؟ هذا لماذا يُدعم ما هذا الهراء؟”.
دعكم من البيض، العام الماضي كانت لدينا كوكا كولا، ثم قرّرت الشركة أن تفرّ من جحيمنا وتركتنا لشركة بيبسي تتحكّم بالأسعار ليس ثمّة منافس. أين شركة جلول التي كانت تصنع مرطّبات محلّية ثم انكفأت وتركت الساحة للبيبسي والكولا، ثم تركتنا هذه الأخيرة لأننا سوق لم يعد يغري حتى تنكة المرطبات. أين شركة جلول؟
هذا كان العام الماضي فما بالك بالعام 2013 حيث سيحتفل الأثيوبيون مجتمعين في السّاحات، وأنت هنا تعد ما تبقى من أيام 2020 لتحرق الرزنامة وتنثر رمادها.
في 2013 لم يكن لدينا “عهد قوي”، لكن كانت لدينا حياة تشبه الحياة، أقلّه مقارنةً بالجّحيم الذي نعيشه تحت مسمّى أنّه “فترة وبتقطع”.
في 2013 لم يكن ثمّة كورونا ولا العام الماضي أيضاً. هذا وحده تكتب عنه مجلّدات ويُكتب عنه باختصار أنّه فيروس سيء الذّكر جاءنا في سنةٍ سيئة الذّكر لتكتمل منظومة التّعذيب.
لم يكن ثمّة ترامب في البيت الأبيض… كل رجال البيت الأبيض سيّئون لكن ترامب سيء وغبي، وليس أسوأ من أن يكون عدوّك غبياٍ. إن أراد 2020 أن يبيّض صفحته في أسابيعه الأخيرة عليه أن يخلع ترامب وكل من يأتي بعده سيكون “خير وبركة”.
وبينما تسير عقارب الساعة في أثيوبيا سبع سنوات إلى الوراء، ونحن في لبنان نتمنى عودتها سنة واحدة فقط، يطالعني مشهد بعد انفجار المرفأ لعاملة اثيوبيّة في بيروت تقول لمراسل يستطلع أحوالها ” لبنان مش غود وأثيوبيا مش غود وين بدو يروح الواحد؟”.
إيمان إبراهيم