2020 عام الأمراض النفسية في لبنان… اللبنانيون يعيشون كل أنواع المعاناة
أزمة اقتصادية وكورونا ومستقبل مجهول
الحياة التي يعيشها اللبناني حياة غير سوية. حياة يسودها القلق والحزن والخوف وقلّة الأمان.
الوضع الاقتصادي السيء يرخي بظلاله على تفاصيل يومياتنا، حيث فقد اللبناني الأمل بالنهوض، وجاءت كورونا لتقصم ظهره الرازح تحت وطأة الحاجة، وزاد على كل هذا انفجار مرفأ بيروت، ما ساهم في دفع اللبناني الى السّعي للهجرة علّه “ينفذ بجلده”، أو تركته هنا يصارع الأمراض النفسية.
د. ساندرا خوام المختصّة في مجال علم النفس تقول لـ”أحوال” إنّ الشعب اللبناني مشرذم وهو عرضة لتزايد الأمراض النفسية والجسدية.
عام الأمراض النفسية في لبنان
تقول د. خوام:” بأن عام 2020 هو عام الأمراض النفسية بحيث زادت هذه الأمراض بشكل كبير سواء عند الكبار أو الصغار بسبب كورونا وتعطل الأشغال، فهناك الكثير من الأهل فقدوا أعمالهم أو باتوا يتقاضون نصف راتب. وهذه الأزمة ليست في لبنان وحسب، بل في كل دول العالم، لكن نحن في لبنان نعيش ضغوطاً أكبر لأنّنا المواطن متروك ولا يوجد دولة تدعم. لذا الكثير من اللبنانيين يشعرون بالضياع والخوف. ذما زاد من الأزمات النفسية.”
تأثير الوضع الاقتصادي أفظع من كورونا
الأزمة الاقتصادية في لبنان كان لها أثر سلبي على الصحة النفسية أكثر بكثير من أزمة كورونا. فنحن بالإضافة الى إننا نعيش خوف المرض، نعيش أيضاً خوف الجوع وخوف الحاجة وخوف انقطاع الكهرباء. فمعظم الشعوب التي مرّت بأزمة كورونا أمّنت حكوماتها كل احتياجاتها، بينما ترك اللبنانيون يعانون في ظل أصعب أزمة اقتصادية منذ نشأة دولة لبنان الكبير.
وتؤكّد د. ساندرا أنّه إضافة إلى تراكم هذه المشاكل، جاء انفجار المرفأ وتتابع “هذه الكارثة ستترك تبعات كثيرة على الصحّة النفسيّة، فليس من السهل ان يفقد شخص أحد أحبائه او يفقد رزقه او جنى حياته او يجد نفسه بلا مأوى بعد ان فقد بيته. هؤلاء اكثر من سواهم سيعيشون حياة ملؤها القلق والخوف.”
وتضيف :” بسبب كل ما ذكرت هذا العام سيترك أثاراً سلبية كثيرة على صحة اللبنانيين النفسية منها والجسدية، فحالات اليأس والبؤس تتجلى من خلال أعداد الهجرة المتزايدة الى الخارج واكثرها بطاقة سفر مغادرة دون عودة، وهذا يدل على مدى الإحباط واليأس، والشعور بأن أي بلد اخر سيكون أفضل من لبنان. واما الذي بقي هنا فهو إما رضخ للأمر الواقع وهذا ايضا يعيش كآبة، فهذا الرضوخ دليل يأس لأنه لا يستطيع لا أن يغيّر ولا أن يقاوم لا صحته تسمح بذلك ولا إمكاناته النفسية، وهو معرّض لكل الأمراض العضوية”.
-كورونا والأزمات الاقتصادية قسّم الشعب إلى فئات
الشعب اللبناني مقسم اليوم إلى فئات نسبة إلى قدرته على تحمّل الصعاب التي يمر بها:
-أولاً: هناك الفئة الصامدة. وهذه الفئة من الشعب اللبناني تعيش الصمود، والصمود فيه قوة يمكن أن يولد الشجاعة، وبالشجاعة يكون التغيير على الأرض.
-ثانياً: الفئة المقاومة وهي الأهم. وهذه قادرة ان تقف وتحكي وتنقذ نفسها وتنقذ غيرها وهي فئة تتحلى بالشجاعة.
-ثالثاً: الفئة الراضخة والمستسلمة، والتي فضلت الاستسلام وهي تعيش الكأبة واليأس لأنها غير قادرة على التغيير أو الهجرة، لأن البعض صحته لا تسمح بذلك، وإمكاناته معدومة سواء النفسية او الجسدية فكان الرضوخ امرأ لا سبيل للفكاك منه وهؤلاء عرضة للكأبة التي تجلب معها الأمراض الجسدية.
هذه الفئات الثلاث من الشعب اللبناني تتلخّص بأمثلة حيّة من المجتمع، مثل الشخص الذي نزل الى الأرض وساعد الجرحى بعد انفجار مرفأ بيروت وساهم في مساعدة الناس هذا من فئة الشجعان. فهذا استطاع أن يتخطّى حزنه وخوفه وهبّ الى المساعدة والعمل ولم ينزوِ في البيت وهرب من المشكلة. وهذه الفئة هي التي ستعطي الشعب القدرة على تخطي الواقع والصعوبات. أما الذي ذهب إلى المرابع الليلية والبحر والمطاعم فهو من فئة الرضوخ والمتكيف وليس شجاعاً او مقاوماً.
المقاوم هو الذي يطالب بحقوقه ويرفض الذل ويساعد الآخرين، وقادر على تخطي الخوف، وهؤلاء أقل عرضة للأمراض النفسية. وهذه الفئة هي التي ستغيّر الواقع والمجتمع ومن خلاله تتقدّم الحياة.
-ازدياد نسبة الانتحار
الأوضاع المعيشية الصعبة سواء بسبب الأزمة الاقتصادية أو بسبب كورونا تسبّبت بأمراض نفسية كثيرة من تداعياتها زيادة الانتحار وزيادة الأمراض من الضغط او أمراض القلب او السرطان.
تقول د. ساندرا خوام “الشخص الكئيب تقل مناعته ويصبح عرضة اكثر للأمراض الجسدية، حتى أن الكآبة تتسبّب بأمراض جلدية مزمنة. من هنا الكأبة ومع قلة المناعة التي ترافقها، تؤدي الى الاصابة بمرض كورونا الذي يصيب الاجساد القليلة المناعة.”
هذه الضغوط النفسية باتت تؤثر أيضاُ على العلاقات الزوجية. إذ تلفت خوام إلى أن انهماك الطرفين بالتفكير بكيفية تأمين حاجاتهما، يؤدي إلى تراجع الاهتمام فيما بينهما، ما يسبب المشاجرات والطلاق.
أما الشباب الذين يرغبون بالزواج ويعجزون عنه، فيصابون بالقلق والاكتئاب والعصبية.
وهنا تشير الطبيبة في علم النفس العيادي، إلى العصبية التي نراها كثيراً في لبنان، والتي تتمظهر في طريقة قيادة السيارات وفي الإشكالات الفردية، الناجمة عن هذه الضغوط. هذه الضغوط تؤدي ايضاً الى تفاقم مشكلة الإدمان: “فعندما لا يجد الفرد طريقة للتخفيف عن نفسه والتنفيس عن الغضب، يلجأ إلى مواد كالكحول والمخدرات للتخفيف من وطأة العبء اليومي.
المراهقون في كفة الضياع
تحكي د.سندرا خوام ،”بأنها خائفة جداً على الشباب خاصة الذين هم بعمر المراهقة صحيح أن لكل فئة عمرية مشاكلها لكن هذه الفئة هي الاكثر عرضة لتلقف المشاكل بطريقة سلبية. فهؤلاء في حال لم تفتح المدراس سريعاً سيصبحون في الشارع، لأن هؤلاء لا يطيقون الجلوس في البيت مثل الاطفال وستصبح ثقافتهم ثقافة الشارع، حيث توجد المخدرات والأحزاب. الشارع ليس مكاناً صحياً، فالشباب بهذا العمر يتمرّدون على أهاليهم ولا ينصاعون لهم مما يعني بأن الاهل قد يفقدون أولادهم وبالتالي قد يفقدهم المجتمع.”
ماذا عن الأمل والحلول ؟ تقول د.خوام:” الأمل موجود مع الناس الصامدين والشجعان وهؤلاء الذين يبثّون الروح الإيجابية والقدرة على التغيير والمواجهة وهؤلاء الذين يحمون الآخرين بشجاعتهم وإعطائهم الدعم من كافة الأنواع”.
كمال طنوس