أعلن البنك الدولي، فجر اليوم إلغاء قرض بقيمة 244 مليون دولار لصالح إنشاء سد بسري في لبنان، بسبب عدم استكمال المهام المطلوبة من قبل الحكومة اللبنانية لبدء عملية الإنشاء، وذلك بعد انتهاء المهلة التي قدّمها البنك الى الحكومة في 20 تموز الماضي، يوم طلبت الأخيرة إتاحة المزيد من الوقت لها للإنتهاء من إعداد خطة التعويض الإيكولوجي، وترتيبات التشغيل والصيانة وعودة المقاول إلى الموقع، دون أن تنجح في ذلك.
دخل ملف سد بسري في زواريب السياسة اللبنانية، فسقط لاعتبارات عديدة، منها ما يحمل أبعاداً بيئية علمية، ومنها ما يحمل أبعادا سياسية واضحة، ولكن كل ذلك لم يعد ينفع اليوم، فمرج بسري تنفس الصعداء، وتمويل مشروع إنشاء السد سقط.
في العام 2011 اجرى مجلس الإنماء والإعمار استبياناً لأهالي منطقة السدّ، حول الأثر البيئي له، فبدأت الإعتراضات، ومن ثم طعن الأهالي بمرسوم الإستملاك في العام 2015، واستمرت “المعارك” مع القيمين على المشروع في الداخل اللبناني، والخارج، أي البنك الدولي.
قرار غير كاف!
لم يسلم أي ملف من الأخذ والرد، بدءا من الاثر البيئي للسد، مرورا بحجم المياه التي سيوفرها، وصولا الى خطره الزلزالي، وقدرته على تخزين المياه أصلا. سنوات من التظاهر واللقاءات، لم تؤدّ الى نتيجة، حتى قرر اخيرا البنك الدولي وقف التمويل، الأمر الذي يعتبره عضو الحملة الوطنية للدفاع عن مرج بسري المهندس كريم كنعان، إنجازا، ولكنه غير كاف، لان البنك الدولي أوقف التمويل ولم يلغ المشروع، ولا يزال يقول أنه مشروع أساسي ولا بديل له، لذلك نحن لا نزال نطالب بإلغاء المشروع بشكل كامل من قبل البنك الدولي، ونأمل ان تأخذ الدعاوى المقدمة من قبلنا في مجلس شورى الدولة طريقها نحو صدور القرارات، وتلغي مرسوم عام 2015.
ويضيف كنعان في حديث لـ”أحوال”: “مقتنعون أن الدراسات التي أجريت للسد غير كافية وغير مكتملة، والأرقام التي قُدّمت غير دقيقة، وأحد أسباب توقيف الأعمال أن الحكومة لم تلتزم على صعيد الدراسات والايضاحات المطلوبة، ونحن نرى أن المشروع لا يؤمن كمية المياه التي يتحدثون عنها، ومن الممكن ان لا يجمع المياه”.
بعد توقّف الأعمال، بدأ العمل بين الحملة والبلديات للبحث في مستقبل بسري، الذي يستحق أن يكون اهم من بركة مياه، اذ يمكن استعماله ليكون الخزان الغذائي الزراعي للبنان، الى جانب استثماره سياحيا، كونه يشكل ثروة طبيعية على صعيد البيئة والآثار. وهنا يشير كنعان الى أن أموال الإستملاكات التي دفعتها الدولة لن تذهب هدرا، اذ رغم وجود بعض المالكين الراغبين باستعادة أراضيهم، وإعادة المال الى الدولة، يمكن للدولة أن تستفيد من المرج زراعيا وسياحيا، وهي ستستفيد ماليا، بشكل كبير، فهذا المرج يستحق ان يكون مشروعا متكاملا لا بركة مياه فقط.
يتحدث المدافعون عن مشروع سدّ بسري أنه قد تمت الموافقة على فكرته منذ العام 1953، وهو سيؤمن مخزونا استراتيجيا كبيرا من المياه بقدرة 125 مليون متر مكعب لا يمكن ان يؤمن عبر غيره من البدائل الاقل منه والمكلفة اصلا، وان المشروع سيكلف أقل من المبالغ المرصودة بموجب القانون حصرا له والبالغة حوالي 600 مليون دولار وليس مليارا ومئتي مليون دولار بحسب بعض الشائعات التي تنشر.
الخاسر الأكبر هو الشعب!
وفي هذا السياق تؤكد مصادر وزارة الطاقة والمياه أنه منذ اليوم الأوّل لدخول البنك الدولي على خط التمويل، اتهموه بالإنحياز، واليوم يهللون لموقفه، وهذا ما لن نعلّق عليه، لأن الخاسر في هذه المعركة ليس الوزارة، ولا حتى التيار الوطني الحر، بل كل لبناني سيحتاج الى المياه في السنوات المقبلة، وهؤلاء يشكلون ما يزيد عن ربع الشعب اللبناني.
وترى المصادر أن من يعرقل مشروع سدّ بسري عليه أن يتحمل المسؤولية أمام الشعب، يوم يئن للحصول على المياه، مشيرة الى أن النكايات التي تتحكم بكل المشاريع والملفات في لبنان لا تزال موجودة، وبالتالي لا يتوقع أحد حصول تقدم بأي ملف بظل وجود معرقلين لا يريدون إلا تسجيل النقاط السياسية، بغض النظر عن تأثير هذا الامر على اللبنانيين.
انتهت هذه الجولة بانتصار خصوم مشروع سدّ بسري، ولكن الحرب لم تنته، إنما في ظل ما يعانيه لبنان من ظروف صعبة، هل يجوز استمرار هذه المعارك؟ أم بات لزاما على الجميع الجلوس على طاولة واحدة والبحث عن الحلول التي تُفيد الشعب اللبناني حصرا، خصوصا أن البنك الدولي على استعداد للعمل مع الحكومة اللبنانية للبحث في إمكانية استخدام الجزء الملغى من القرض بشكل أكثر فعالية للاستجابة للاحتياجات الناشئة للشعب اللبناني.
محمد علوش