عيون الماء القديمة في الجنوب ملاذ الأهالي بسبب الغلاء
مع ارتفاع الأسعار، زادت أثمان غالونات مياه الشرب بشكل فاحش أيضاً، ورغم أنّ معظم القرى الجنوبية لا تبعد كثيراً عن نهر اللّيطاني، فإنّ مياه الشرب باتت أمراً صعب المنال، بسبب ” ارتفاع كلفة شرائها من جهة، وتلوّث مياه النهر من جهة ثانية”، الأمر الذي يجعل من معظم أبناء الجنوب يبحثون عن مياه الشرب التي تقدّم مجاناً لهم. لذلك بقيت عيون الماء القديمة رغم ندرتها، هي الملجأ الأساسي للأهالي لتأمين حاجاتهم من مياه الشرب. علماً أنّ معظم عيون الماء التي كانت منتشرة بكثرة في القرى والبلدات الجنوبية لم يعد لها وجود أصلاً وبعضها يجفّ باكراً. باستثناء عيون بلدات الطيبة، والعديسة ( قضاء مرجعيون) وتبنين، وصفد البطيخ ( بنت جبيل). عين الطيبة، التي تقسم إلى قسمين متصلين، ” العين التحتا” و ” العين الفوقا” وهي الأقدم في لبنان وربما في العالم، كما يقول رئيس بلدية لطيبة عباس ذياب، الذي بيّن أنّ “تاريخها يعود إلى أكثر من 300 سنة، ويقال أن بناءها روماني”، ويشير إلى أنّ “خبيراً ايطالياً في علم الأثارات أكّد على أنّ العين الفوقا ببنيانها المميّز ونمطها الهندسي، على شكل ردج صخري حلزوني يصل إلى عمق 10 أمتار، لا يوجد مثيل لها إلاّ واحدة في ايطاليا والثانية في فلسطين”.
بقيت عين الطيبة مصدر مياه الشرب الأساسي لأبناء البلدة، حتى ثمانينات القرن الماضي، وجاء الاحتلال لتصبح مهملة ومكباً للنفايات، وبعد التحرير لجأت البلدية إلى تنظيفها وترميمها وإعادة بناء العين التحتا وتجهيزها بمضخّات وفلاتر لتعود مصدراً أساسياً لمياه الشرب، إضافة إلى مياه الاستخدام. ويؤكد أبناء البلدة أنّ “هذه العين باتت ملاذ معظم أبناء المنطقة الذين يأتون إلى العين لتعبئة المياه، بسبب ارتفاع ثمنه في الأسواق”. أمّا في بلدة العديسة فقد أعادت البلدية ترميم العين القديمة التي تنتقل إليها المياه من نبع قديم جداً في ساحة البلدة على عمق 30 متراً، ثم “لجأت إلى تزويدها بمحطة تكرير وفلاتر خاصة لتصبح مقصد عشرات الأهالي يومياً، بعضهم يأتي من مناطق صور وبنت جبيل” بحسب رئيس البلدية علي رمال.
بعد حرب تموز أطلقت البلدية على العين اسم الشهيد ابراهيم رمال، الذي ساهم في صدّ العدوان الاسرائيلي على البلدة. أما في بلدة تبنين فلا تزال “عين المزراب”، التي سميت بهذا الاسم “كونها نبع ينساب من سفح جبل صدّيق، فتتجّمع مياهه في خزان باطن الأرض وتخرج بواسطة مزراب حجري لتصب في الجرار حافظة نكهتها وصفائها ولذّة طعمها”. اعتمد عليها سكان المنطقة حين شحّت المياه ولا تزال مياهها جارية، حالياً تجدّدت معالمها وأصبح لها بناء جديد من الحجر الصخري، موقعها قرب الطريق العام في أوّل البلدة على مثلث تبنين السلطانية صفد البطيخ يٌعرف بجسر العين. وهذه العين اليوم هي ملاذ المئات من أبناء منطقة بنت جبيل. ولشهرة العين وعذوبيتها، وقلّة العيون الأخرى في الجنوب، تجد العديد من أهالي قضاء صور يأتون إلى هنا لملئ الماء”. وبسبب الحاجة المتزايدة إلى مياه شرب عمدت بلدية مركبا إلى إنشاء محطة لتأمين مياه الشفة لكلّ أبناء المنطقة، وبشكل مجاني، وهي “مزوّدة بفلاتر خاصة وجهاز تكرير، كما تمّ تعيين موظف يؤمن الخدمة للأهالي منعاً للاختلاط والفوضى” بحسب رئيس البلدية غسان حمود. وفي بلدة شقراء (بنت جبيل) لجأت البلدية إلى شراء خزانات مياه كبيرة وملئها بالمياه النظيفة، وتجهيزها بفلاتر ضخمة لتصبح المياه صالحة للشرب. واللاّفت أنّ مياه العيون والخزانات المفلترة تقدم للأهالي مجاناً، تحت إشراف موظفي البلديات.
داني الأمين