إيران تعرض المساعدة الكهربائيّة ولبنان يرفض… لماذا؟
الحل يحتاج إلى قرارٍ مفقود بسبب "السمسرات والصفقات"
عندما تشتدّ أزمة الكهرباء على اللبنانيين يتذكرون “العروض الإيرانية” لتوليد الطاقة، تماماً كما يتذكرون عروض بيع النفط الإيراني للبنان بالليرة اللبنانية كلما عشنا أزمة فيول، واليوم نعيش الأزمتين معاً، الأمر الذي أعاد طرح هذا الملف مجدّداً.
العروض منذ العام 2006
بعد حرب تموز عام 2006 برز الإهتمام الإيراني بمساعدة لبنان في قطاع الكهرباء، وفي العام 2009 اعلنت إيران “بطريقة مكتوبة” استعدادها لتصدير الكهرباء للبنان، وفي العام 2017، وخلال زيارتنا إلى معامل الطاقة في إيران، كان لنا حديث مع معاون وزير الطاقة الإيراني علي رضا دائمي، أكد من خلاله المسؤول الإيراني استعداد بلاده للتعاون مع لبنان في موضوع تأمين الكهرباء وتصنيع وتشغيل معامل توليد الكهرباء، معلناً أن الإيرانيين مستعدين لبناء المعامل التي يحتاجها لبنان بفترة أشهر فقط.
كل هذه العروض لم يتم الإجابة عليها رسمياً، مع العلم بحسب مصادر متابعة لهذا الملف، أنه ليس صحيحاً أن الإيرانيين اكتفوا بالتصريحات، ففي العام 2010 عرضت الحكومة الإيرانية على الحكومة اللبنانية عرضاً متكاملاً، تجدّد أيضاً في العام 2012 في حكومة نجيب ميقاتي، يتضمن قيام شركة “mapna” الإيرانية الخاصة ببناء محطتي توليد للكهرباء في دير عمار والزهراني، تنتج الواحدة منهما 484 ميغاوات، على أن يكون تسليم أول محطة بعد 12 شهراً من بدء تنفيذ العقد، والثانية بعد 24 شهراً. وتُشير المصادر إلى أن العرض بالنسبة للكلفة كان أن يتم بناء المعملين بعقد “BOT”، أو بطريقة دفع مريح مع فائدة بسيطة جداً.
يومها وعد المسؤولون خيراً ولم تُوقع العقود، ودخلنا مرحلة البواخر بعدها، ولا زلنا لم نبن معملاً واحداً، ولا قدرة لنا على تأمين الكهرباء لما يزيد عن 3 ساعات يومياً، وبأحسن الاحوال 10 ساعات بحال توافر الفيول.
رغم ذلك لم تتوقف العروض الإيرانية لمساعدة لبنان، وكان آخرها في العام الماضي، عندما زار رئيس مجلس الشورى في إيران علي لاريجاني لبنان، وأكد خلال لقاءاته استعداد بلاده لتنفيذ معامل انتاج كهرباء تتناسب مع الحاجات اللبنانية، وأيضاً لم يتم التعامل مع العروض بجدية.
المشكلة بالخوف من الغرب
تُشير المصادر إلى أن مشكلة لبنان بما يتعلق برفض المساعدات الإيرانية سياسية بالدرجة الأولى، ثم تقنية بالدرجة الثانية، مشددة على أن السفراء الأميركيين المتعاقبين في لبنان كانوا يحذرون مراراً من قبول أي مساعدة إيرانية، ويهددون بالعقوبات، والمصارف اللبنانية غير قادرة على التعامل مع إيران، لا لتحويل أموال ولا لاستقبال أموال، ولم يتوافر الغطاء السياسي أو الرغبة السياسية لدى الجميع لقبول المساعدات الإيرانية بحجة “النفوذ الإيراني”. وتضيف المصادر: “هناك أيضاً عقبات تقنية مثلاً تعترض فكرة استجرار الطاقة من إيران على رأسها ضعف الشبكة في لبنان وعدم قدرتها على تحمّل الكمية المطلوبة، وكل هذه العقبات جعلت لبنان على ما هو عليه فلا حسّنا الشبكة ولا بنينا المعامل”.
ولكن هناك أسباب اخرى على علاقة بالسمسرات والمافيات والكارتيلات، وهذا الامر يبرز بحسب المصادر من خلال رفض لبنان لعروض أخرى غير العروض الإيرانية، منها العرض المصري عام 2018 مثلاً والذي لم يكن يتطلب سوى تحسين للشبكة الكهربائية لحثها على تحمل الكميات المطلوبة، فالعرض المصري كان يقضي باستجرار 3 آلاف كيلووات أي كل حاجة لبنان من الطاقة، ولكن أيضاً رفض الجانب اللبناني العرض.
العراق مثال
بالنسبة إلى الخوف من العقوبات والقوانين الاميركية، تمكن العراق مثلاً من الحصول على سماح لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران، علماً أن الإيرانيين يملكون عقوداً منذ 4 و5 أعوام لبناء محطات توليد الكهرباء في العراق وسوريا، سريلانكا وطاجاكستان، وأندونيسا ودول أخرى، وبالتالي تُشير المصادر إلى أنه كان يمكن للبنان التفاوض مع الاميركيين، بحال كان مصراً على عدم إغضابهم، لأجل السماح له بالتعامل مع إيران، إما بملف الكهرباء وإما بملف الفيول، تماماً كما طلبوا في حزيران 2020 السماح لهم بالتعامل مع سوريا في ملف استجرار الطاقة ودفع ثمنها، ولكن مجدداً كان العراك السياسي أهم من مصلحة الشعب والوطن، إذ أن أحداً لم يُحاول ذلك.
تُدرك المصادر أنه ليس سهلاً على لبنان التوجه نحو إيران، فحتى القوى الحليفة لإيران لم تتمكن من ذلك رغم وجود الحكم في يدها، لأن المسألة بحاجة إلى تدبير وتخطيط طويل المدى، ولا يتعلق الامر بالكهرباء والنفط وحدهما، ولكن لا يقتصر الأمر بما يتعلق بالكهرباء على التعامل مع إيران فقط، فالكل يذكر مثلاً رغبة شركة “سيمنز” الألمانية بدخول قطاع الكهرباء في لبنان، ونذكر كيف كان التعامل معها يومها، مشيرة إلى أن تحسين واقع الكهرباء يتطلب قراراً واضحاً بذلك، وكل البقية ستكون سهلة.