باريس تُقبل على المنقوشة اللبنانية… كان المشروع مؤقّتاً بسبب كورونا وعشقه الفرنسيّون
تخلّت مطاعم فرنسية راقية خلال مرحلة الجائحة عن لائحة الأطباق التي درجت على تقديمها، وفضلت الاتجاه إلى توفير مأكولات بسيطة من أنحاء العالم تناسب الطلبات الخارجية، شهدت إقبالاً كثيفاً من الفرنسيين، ومنها منقوشة الزعتر اللبنانية، والسو بيريك والمانتي من أرمينيا.
فالشيف الحاصل على نجمة من “ميشلان” آلان الجعم وفّر للباريسيين منقوشة الزعتر اللبنانية الشهيرة، مستوحياً من جذوره وذكريات طفولته، ونجح بواسطتها في استقطاب عدد كبير من الزبائن.
وفي حديث لوكالة الصحافة الفرنسية، روى الطاهي المولود في ليبيريا والذي نشأ في لبنان قبل أن تدفعه الحرب الأهلية (1975-1990) إلى مغادرته “عند بدء تفشي جائحة كوفيد ، تلقيت صفعة (…). تغيرت رؤيتي للطبخ: أحيانًا يتطلب الأمر أشياء بسيطة لإسعاد الناس”.
حين كان مطعمه الراقي والمصنف بنجمة مقفلاً خلال فترة الحَجر، ولد مشروع “صاج” الذي يقدم المنقوشة بسعر 4,9 يورو.
وتفوح رائحة الزعتر المسخن على الصاج، ويقدّمها الشيف مع اللبنة والمخللات النباتية. وما يجعل الفرنسيين يُقبلون على المنقوشة أن تركيبة مكوّنات الزعتر الممزوج بزيت الزيتون، على بساطتها، توفّر نكهة غير معروفة في فرنسا.
والسرّ يكمن أيضاً في العجين، الملائم تماماً لصيغة الوجبات الجاهزة، في حين أن الوصفة التقليدية مصممة لتؤكل على الفور ، مثل البيتزا.
ولاحظ الشاب العصامي الذي يرى في والدته “أول وآخر شيف” وتعلم التقنيات باستخدام كتب الطبخ الفرنسية أن المنقوشة، “بمكوناتها القليلة والطازجة والبسيطة والمحلية الصنع”، تحرّك مشاعر الزبون.
واللافت أن هذا المشروع الذي كان من المفترض أن يكون “موقتاً”، يستقطب مزيدا من سكان العاصمة الفرنسية، وطوابير الانتظار في عطلة نهاية الأسبوع تجعل الطاهي يفكر في توسيع المفهوم إلى أنواع أخرى، كالشاورما أو الفلافل، مع أنه يستعد لإعادة فتح مطعمه الذي يحمل اسمه والذي توجه “ميشلان” عام 2018.
وقال “عملت للحفاظ على نجمتي، لكني أريد أيضاً أن أسعد الناس بطريقة مختلفة”.
واعتمد ميكاييل بتروسيان نهجاً مماثلاً في عالم الكافيار الفاخر، إذ إن هذا الشيف الذي يمثل الجيل الثالث من عائلة تناقلت هذا المطبخ تاريخياً، علّق في نيسان/أبريل المفهوم الأصلي لمطعمه العائلي الراقي في باريس لتقديم الأطباق الروسية الأرمنية التي كانت جدته تطبخها.
ووضع بتروسيان جانباً أطباقاً من مثل معجنات التالياتيلي بصلصة الكافيار، وغابت عن مطعمه مفارش المائدة البيضاء والطاولات لشخصين، وحلت محلها الأطباق التي يتشارك في تناولها عدد من الأشخاص، وتتقاسمها العائلات مثلاً، ومنها سو بيريك (“لازانيا” على الطريقة الأرمنية مع جبن الغنم) والمانتي (الرافيولي بمرق لحم البقر)، وفطائر بيروجكي والملفوف الأبيض المتبل أو المحشو.
وأوضح ميكاييل بتروسيان لوكالة الصحافة الفرنسية “لقد وجدنا أنفسنا جميعاً في قيم التَشارُك هذه، وفي قيم الكرم التي لا تتماشى بالضرورة مع المأكولات الراقية التي كنا نقدمها سابقاً”،
ويعتزم بتروسيان المضي في توفير هذا النوع من الأطباق “لمدة عام أو عامين” ، ريثما تعود الأمور إلى طبيعتها بالكامل “مع عودة السائحين وزبائن الفنادق الكبيرة.
أما مطعم “مانكو” القريب من برج إيفل ، وهو أحد أول المطاعم التي قدمت المأكولات البيروفية في باريس ، فلا تزال طاولاته مقلوبة والأكواب مغطاة.
وبعدما وفّر خلال الجائحة وجبات جاهزة تتضمن السيفيش (سمك نيء في ماء مالح) والمقالي، يعدّ الشيف روبن إسكوديرو للافتتاح الصيفي لمطعمه في سان تروبيه ويفكر في كيفية ابتكار صيغة جديدة للمطعم الباريسي.
ورأى الطاهي الإسباني الذي عمل في “موغاريتز” في سان سيباستيان ، أحد أشهر المطاعم في العالم ، ثم في البيرو ، أن باريس تفتقر إلى “هذا المطبخ غير المكلف وذي المكوّنات البسيطة” التي يسهل العثور عليها أكثر في ليما أو مدريد.
ولاحظ أن الأزمة الصحية التي دفعت الناس إلى “الذهاب إلى السوق واكتشاف المنتجات وطهو الطعام بأنفسهم” أبرزت “الافتقار إلى الصدق في ما يتعلق بالمنتجات التي تستخدم في أطباق” بعض المطاعم.
وقال صياد السمك “في البيرو ، يمكنك أن تأكل السيفيش في السوق ، عند زاوية الشارع ، بتكلفة زهيدة. الجميع يستطيع تحمل تكاليفه. إنه مطبخ شامل”. واشار إلى أن السمك الذي يصنع منه السيفيش يجب أن يكون فائق النضارة، ولذلك لجأ إلى تعديل الوصفة بما يتناسب مع تأخر وصول الأسماك، مما يشكّل حلاً يسد هذه الثغرة.