اضراب الأسبوع ينتهي: الأطباء يعودون إلى عملهم تحت مظلة القانون
يعود الأطبّاء اليوم إلى مزاولة أعمالهم بعد إضراب دام لمدّة أسبوع اعتراضًا على حكم القاضي طارق البيطار في قضيّة الطفلة إيلّا طانيوس والذي أدان فيه المدعى عليهم مستشفيي الجامعة الأميريكية في بيروت وسيّدة المعونات إضافة إلى طبيبين معالجين، وتغريمهم مبالغ ماليّة كبيرة كعطل وضرر للضحيّة وأهلها.
هذه القضيّة دحضت ما كان شائعًا عن أنّ الأطبّاء لا يحاسبوا أمام القانون، فقد اعتاد اللّبنانيون على عدم محاسبة الأطباء الذين ارتكبوا أخطاءً طبيّة، وكأنّ الطبيب لا حسيب له ولا رقيب عليه.
القانون اللّبناني يعاقب من يتسبّب بإيذاء أو موت أي إنسان بنصّ عام وارد بقانون العقوبات اللّبناني وتحديدًا في ما يتعلق بإيذاء المريض وتحديدًا المادة 565 من قانون العقوبات، والتي تنصّ على الحبس من شهرين إلى سنة عن كلّ فعل يرتكبه الطبيب ويؤدّي إلى إيذاء المريض، وفق ما أكّد أستاذ القانون الطبّي في الجامعة اللّبنانية الدكتور أشرف رمّال لـ”أحوال”، لافتًا إلى أنّ هذا الفعل ممكن أن يكون إهمال أو قلّة احتراز أو عدم احترام القوانين والأنظمة من قبل الطّبيب والتي يترتب عليها ضرر للمريض، وهنا يمكن إقامت دعوى قضائية ضد الطبيب في القضاء الجزائي ويمكن معاقبة الطبيب استنادًا للمادة 565.
وأشار رمّال إلى أنّ القرار الصّادر عن القاضي بيطار ليس الأول في المحاكم اللّبنانية فقد صدر قبله عشرات القرارات بدءًا من العام 1930 و1940 وهناك العشرات من القرارات القضائية الصّادرة بحق أطباء سواءً عن القضاء الجزائي أو عن القضاء المدني، استنادًا إلى المادة 564 وهي التسبّب بموت المريض أو المادة 565 وهي التسبب بإيذاء المريض، والقرار الذي صدر مؤخرًا عن القاضي بيطار ليس وحيدًا، إلّا أن الفارق كان بالإضاءة الإعلامية على القرار القضائي وعلى قضية الطفلة إيلّا طنوس، ورأى رمّال أن الاستهجان الحاصل حول صدور قرار بحق طبيب غير موجود إلّا في لبنان، ففي فرنسا الطبيب مثله مثل أي مواطن آخر، فعندما يرتكب خطأ أكان عن قصد أو عن غير قصد ويؤدّي ذلك إلى إيذاء المريض، فعليه أن يتحمّل المسؤولية الجزائية عن فعلته ويعاقب كأي مواطن.
هناك تحشيد من قبل نقابة الأطبّاء لحماية الأطباء والمستشفيات من أيّة إدانة أو محاسبة ورغم ذلك صدر القرار، وأيّ مواطن بموجب القانون اللّبناني يمكنه رفع دعوى بوجه الطبيب أو المستشفى وسيصل إلى نتيجة، وفق ما أشار رمّال، وأضاف أنه في لبنان هناك لجنة في نقابة الأطباء لحلّ الخلافات بطرق حُبّية يعني عندما يشتكي مريض على طبيب تجتمع هذه اللّجنة وتقوم بحل الموضوع بعيدًا عن المحاكم عن طريق دفع المال للمتضرّر، لذلك لا نرى هذا الكم الكبير من الدعوى ضد الأطباء والمستشفيات.
الملفت في القرار هو المبالغ الماليّة الكبيرة المتوجبة على المستشفيين والطبيبين بقيمة 9 مليارات ليرة لبنانية كتعويض عطل وضرر، إضافة إلى دخلٍ لمدى الحياة يساوي أربعة أضعاف الحد الأدنى للأجور، ومبلغ 500 مليون ليرة لبنانية لكلّ من والد ووالدة الطفلة كضرر معنوي، وهذا قرار جريء، وأنا مع اتخاذ هكذا قرار بحق كلّ من تسوّل له نفسه العبث بحياة المريض، لأنّه تبيّن للقضاء وجود تقصير وإهمال من قبل الطبيبين والمستشفيين، وهذا أدى إلى بتر الأطراف الأربعة للطّفلة، ولو أُخِذَت حالتها على محمل الجد، لما أدّى إلى ما أدّت إليها، وفق ما رأى رمّال.
وبحسب معلومات خاصّة فإن كلفة علاج الطفلة إيلّا طانيوس تفوق العشرين مليون دولار أميريكي، وهي بحاجة إلى تبديل للأطراف كلّ فترة عمريّة بمبالغ كبيرة، لذلك فإنّ الغرامات المالية التي غُرّم بها المدّعى عليهم ليست بكبيرة أبدًا مقارنة بتكاليف العلاج وفي ظلّ انهيار اللّيرة أمام الدولار.
قضيّة الطّفلة إيلّا طانيوس تفتح من جديد ملف الأخطاء الطّبية، وعلى الرّغم من فداحة الكارثة التي حلّت بإيلّا وعائلتها، إلّا أنّ قضيتها أعادت الأمور إلى نصابها، ووضعت كل شخص أمام مسؤولياته لتؤكّد أن لا أحد فوق القانون، علّ هذه القضية تفتح الكثير من الملفات المسكوت عنها في قضايا الطّبابة والاستشفاء، وتكون رادعًا للمهملين بحق الإنسان وصحّته وسلامته.
منير قبلان