لم يكُن تزامن التحرّك الفرنسي الجديد بقيادة وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان الذي يزور لبنان مطلع الأسبوع المقبل، مع العودة الأميركية المفاجئة على خط مفاوضات ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، صدفة؛ لا سيّما وأنّه تزامن أيضاً مع المساعي الروسية عبر دعوة الأطراف السياسية الأساسية إلى موسكو لإجراء مروحة مشاورات لتسهيل الحل في لبنان.
فهذه الجولة الجديدة من المبادرات لم تأتِ من عدم، وليست بعيدة عن التقدم في المفاوضات الأميركية – الإيرانية حول الملف النووي الإيراني، بالتوازي مع ما يجري على مستوى جولات الحوار بين طهران والرياض الذي توّجت بتحوّلٍ عميق في الموقف السعودي عبّر عنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بدعوته إلى علاقات حسن جوار مع إيران، بعدما صرّح منذ حوالي الشهرين بأنه مستعد لنقل المعركة إلى قلب طهران!
فماذا يجري في كواليس المفاوضات على خط عواصم القرار وتأثيرها على الواقع اللبناني؟ وهل تولد الحكومة من رحم هذه التطورّات والإنفراج الإقليمي على الجبهة الإيرانية – السعودية؟
الأميركيون يربطون الحكومة بملف الترسيم
بعد تجميد المفاوضات في تشرين الماضي في ملف ترسيم الحدود، بسبب الخلاف بين الطرفين على نقطة الترسيم، أعلنت الخارجية الأميركية أمس التزامها بالوساطة بين لبنان وإسرائيل لتسهيل المحادثات البحرية.
وبحسب معلومات “أحوال”، فإنّ الوسيط الأميركي السفير جون ديروشي سيصل إلى بيروت مطلع الأسبوع لإحياء المفاوضات وذلك بعدما نقل المبعوث الأميركي ديفيد هيل إلى الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية أجواءً إيجابية من المسؤولين اللبنانيين لجهة البدء بالمفاوضات من الحدود التي رسمها الوسيط الأميركي. لكن المعلومات تشدد بهذا الإطار، على أنّ الإرباك الداخلي لايزال سيد الموقف في ظل التباين بين المراجع اللبنانية وغياب موقف وطني واضح؛ ما يضع الوفد العكسري المفاوض في مأزق خصوصاً بعد الخلاف العميق على مرسوم تعديل الحدود. لذلك تفيد المعلومات أنّ المفاوضات لن تنطلق في القريب العاجل، بل سيقوم الوسيط الأميركي الجديد بإعادة ترطيب الأجواء وتثبيت إطار التفاوض والطلب من الحكومتين اللبنانية و”الإسرائيلية” العودة إلى المفاوضات من دون أي شروط أو تعديل في الحدود.
إلا أنّ أوساطاً سياسية تؤكد لـ” أحوال” أنّ الأميركيين سارعوا إلى إحياء مفاوضات الحدود للدخول مجدداً بقوة على الساحة اللبنانية وقطع الطريق على الدورين الروسي والفرنسي ومقايضة موضوع الترسيم بتأليف الحكومة؛ وتذكّر المصادر بتأثير تعثّر المفاوضات على الملف الحكومي. وتضيف بأنّ الأميركيين لن يسهّلوا ولادة الحكومة قبل إبداء لبنان مرونة تجاه ملف الترسيم أو تقدم المفاوضات على الأقل، لا سيّما وأن أحد الأسباب الرئيسية لحصار للبنان القائم هو فرض التنازل عن جزء أساسي من حقوقه في الثروة النفطية لمصلحة إسرائيل.
فرنسا تسعى لإنقاذ مبادرتها في لبنان
أما على خط باريس – بيروت، فيبدو أنّ فرنسا التي تتابع عن كثب كونها عضواً في المحادثات النووية الدولية مع إيران، إلتقطت المؤشرات الإيجابية الخارجية وتحديداً على المحور الأميركي – الإيراني والإيراني – السعودي. فاندفعت إلى لبنان بإرسال رئيس دبلوماسيتها الوزير لودريان لتفعيل المبادرة الفرنسية لقطف ثمرة أي حل للأزمة وإنقاذ مبادرتها عبر تأليف حكومة برعاية فرنسية قبل أن يتمكّن الأميركيون أو الروس من تحقيق هذا الهدف.
وقد لاحظ الفرنسيون مؤخراً إنحيازاً للرئيس المكلّف سعد الحريري من الفلك الفرنسي باتجاه قوى دولية أخرى على رأسها روسيا. فشعروا بالخوف على مبادرتهم من السقوط النهائي وبالتالي على مصالحهم الحيوية والتاريخية في لبنان، لا سيّما في سوق النفط المتوقع ازدهاره على الساحل اللبناني وإعادة إعمار مرفأ بيروت وقطاع المصارف ومصرف لبنان.
فبادروا إلى الزحف مجدداً إلى بيروت مدعّمين بأوراق ضغط عبر فرض عقوبات على قيادات لبنانية يقولون إنّها تعطل الحل السياسي. لكن سقوط خيار العقوبات الجماعية داخل الإتحاد الأوروبي لرفض دول عدة ذلك، أفرغ الورقة الفرنسية من محتواها فأرادوا إحياء المبادرة الفرنسية عبر جولة محادثات جديدة علّها تحقق الهدف.
ماذا عن السعودية؟
السعودية تنتظر تسوية المنطقة لتحديد موقفها
ويكشف مرجع مطلّع على المفاوضات على خط واشنطن – الرياض – طهران عن تقدم مطرد ومتسارع للمحادثات النووية، إلى حد اقتراب الحل المرجح بحسب ما يقول المرجع لـ”أحوال” في أواخر أيار المقبل؛ أي قبل موعد الإنتخابات الرئاسية الإيرانية.
فالأميركيون يرديون منح التيار الجمهوري في إيران ورقة رابحة لصرفها في الإنتخابات على حساب التيار المحافظ المتشدد، وإلا فإنّ فرصة الرئيس جو بايدن بإعادة تفعيل الإتفاق النووي ستسّقط نهائياً في حال وصل المحافظون إلى الحكم. لذلك يتوقع المرجع أن ينسحب إحياء الإتفاق النووي على كامل ملفات المنطقة إيجاباً. لا سيّما وأنّ الضغط على حزب الله في لبنان كان لتطويق إيران وبالتالي يفقد جدواه بعد الإتفاق؛ لكن لا أحد يعرف مسار الأحداث وتطور المواقف بعد أيار بحسب المرجع. فيمكن أن تستقر التسويات على منح جائزة تعويض للسعودية في لبنان بعد خسارتها في الحل في اليمن أو في العراق، فيكون لها أن تختار رئيس حكومة جديد ضمن معادلة سياسية تضمن حقوق رئيس الجمهورية وتريح حزب الله. لذلك تنتظر المملكة مآل تسوية المنطقة لتحدد موقفها النهائي من لبنان.
وفي هذا السياق، تكشف مصادر أنّ السفير السعودي في لبنان وليد البخاري أبلغ مرجعيات لبنانية أساسية بموقف المملكة من آل الحريري والذي أوحى بأنه يدعم بهاء الحريري على حساب شقيقه سعد، وما يعزّز ذلك هو استثناء السعودية من جولات الحريري الخارجية، فضلاً عن مقاطعة البخاري بيت الوسط منذ مدة طويلة. وعلم “أحوال” أن مشاورات مكثفة تجري على خط بعبدا – بكركي – بيت الوسط، لاجتراح حل لعقدة الوزيرين المسيحيين الأخيرين يقضي بأن يتم اختيارهما من الشخصيات الوسطية مع حسم إيلاء حقيبة الداخلية لشخصية يزكيها عون غير معادية للحريري.
وفي ظل هذا السباق الدولي تجاه حل الأزمة اللبنانية، لا يحسم المصدر ولادة قريبة للحكومة نظراً للتعقيدات الكثيرة وأبرزها الخلاف العميق بين عون والحريري على ملفات أساسية كالتدقيق الجنائي ومكافحة الفساد.
محمّد حميّة