الطبقة السياسية تعرقل التدقيق الجنائي: سلامة درعها الواقي
من سيفك عقدة لسان سلامة عن المال المنهوب: ضميره أم القانون أو العقوبات؟
في الأول من نيسان يوم الكذبة العالمي، اختار حاكم مصرف لبنان أن يبرّئ نفسه من تهمة عدم التجاوب مع طلبات شركة التدقيق الجنائي، ليقول إنّه سلّم شركة “ألفاريز أند مارسال” كل المستندات المطلوبة للتدقيق الجنائي. ليتبيّن أنّ ما أفاد به سلامة الرأي العام هو فعلًا “كذبة أوّل نيسان”، بحسب رد وزير المال غازي وزني، الذي صوّب معلومات الحاكم وهي أن ما قُدّم لا يُشكل سوى 42 في المئة من المعلومات المطلوبة، مقابل الامتناع عن تسليم أغلب المستندات، ومن بينها معلومات خاصة بالمصرف، كهيكليته والأنظمة المحاسبية وقواعد الحوكمة لديه.
سلامة، الذي أراد تصويب سهام “الكذبة”، للردّ على رئيس الجمهورية ميشال عون الذي شكا من المماطلة والتسويف في إطلاق زمام التدقيق الجنائي، أصاب بسهامه وزير المالية فرد مكذّبًا الحاكم ونافيًا أن يكون تسلّم ما خلا ما أودعه مصرف لبنان من مستندات بتاريخ 13 تشرين الأول 2020.
عمليًا، مستندات رياض سلامة، التي سلّمها حول موجودات المركزي من كراسي وطاولات وحواسيب وغرف مصرف لبنان وبناه التحتية. ليست كذلك بالتحديد ولكن ما أعلنه الحاكم قد يكون شيء من هذا النوع.
إشارة المصرف إلى أنه سلّم حساباته كاملة إلى وزارة المالية، بحسب الوزير، ليست سوى أوراق حول معلومات مطلوبة من شركة “ألفاريز أند مارسال” وهي جزء ضئيل من قائمة المعلومات الطويلة التي طلبتها الشركة. وتتضمن المعلومات والأنظمة المحاسبية، هيكلة المصرف وعمله التنظيمي، قواعد الحوكمة والمراقبة المعتمدة لديه، البنية التحتية لتكنولوجيا جمع المعلومات، وكذلك المعدات الإلكترونية لدى المصرف.
معلومات شكلية لا يمكن أن تؤدي الفائدة المرجوة من التدقيق الجنائي، لذلك “طفشت” شركة التدقيق ولملمت أغراضها ورحلت.
تباهي سلامة بتعاونه مع الشركة، لا يحجب ما رفض مشاركته مع الشركة وهذه المعلومات هي بيت القصيد. من الأسئلة التي امتنع مصرف لبنان عن الإجابة عنها:
تقارير مفصّلة حول العمليات المالية، التي نفّذها مصرف لبنان خلال الفترة الممتدة بين 2015 ومنتصف عام 2020. ومحاضر تتعلق بعمليات المحاسبة المالية وعمليات الدفع. وبطبيعة الحال معلومات حول حسابات مصرف لبنان، وعمليات النقد التي يُديرها، ومحافظ التوظيفات التجارية والاستثمارية.
ومن المستندات المطلوبة، عمليات التسوية بالعملة المحلية وبالعملات الأجنبية التي نفّذها مصرف لبنان مع الجهات الخارجية، وصفقات شراء العقارات وبيعها وإيراداتها. واستثمارات مصرف لبنان وودائع المصارف لدى مصرف لبنان وودائع مصرف لبنان لدى المصارف.
هذه المعلومات رفض مصرف لبنان مشاركتها مع الشركةـ والأهم أنه رفض مطلقًا تفسير الهندسات المالية التي قام بها مع المصارف اعتبارًا من 2015 ولغاية منتصف عام 2020. ولم يُفصح عن إدارة الحسابات لديه ولا حول مبيعات الدولار وعمليات إعادة الشراء.
لائحة الأسئلة التي لم تجد أجوبة، طويلة وهي أسئلة جوهرية لإظهار حقائق السرقات المالية ومكامن الهدر والفساد وتبديد أموال الناس. والمسألة برمتها معقّدة بدءًا من أجوبة سلامة المبهمة وتنصّله من مسؤولية ما وصلت إليه الأمور مرورًا إلى الفيتو السياسي من الطبقة الشريكة في “الخيانة” العظمى للمسؤولية عن أموال الدولة والناس.
في السياسة والعلن، يظهر التدقيق الجنائي في الحسابات المالية مطلبًا جامعًا القوى السياسية تبنته شعارًا لاستهداف الطرف الآخر وليس هناك من يعمل على تسهيل سلوكه طريق الإنجاز. وفي متابعة لمسار هذا الملف منذ الإعلان عنه وتكليف الشركة الاستشارية “ألفاريز أند مارسال” قبل عام وتحديدًا في نيسان 2020 القيام به لصالح الحكومة اللّبنانية والتدقيق في حسابات المصرف المركزي، يظهر جليًا أن العقبات التي تعترضه لا تزال أقوى ممّا هو معلن، ونوايا العرقلة مرئية بوضوح المواقف المواربة.
الأسبوع المقبل سيشهد اجتماعًا افتراضيًا يوم الثلاثاء 6 نيسان بين شركة ألفاريز اند مارسال وبين مصرف لبنان ووزارة المال لمتابعة موضوع التدقيق. لكن ثمة شبهات في النيات حول طبيعة التفاوض مع الشركة المدققة.
الاشتباه في إرباك التدقيق الجنائي وإعادته إلى نقطة السفر، هو وجود نيّة، رصدها متابعون، لدى مصرف لبنان للتفاوض على دائرة نطاق التدقيق. ففي حين أن عقد التدقيق الجنائي السابق استهدف عمليّات الهندسات الماليّة، والتحويلات التي جرت في حسابات المصارف لدى مصرف لبنان ضمن الفترة الزمنية التي حصلت فيها هذه الهندسات، بالإضافة إلى تحديد كمية ونوعية الشركات والأفراد الذين استفادوا من التحويلات التي جرت عبر المصرف المركزي. يبدو اليوم أن طلب التفاوض مع الشركة هو البحث في تضييق مهامها وبالتالي تمييع أهداف التدقيق.
إقرار قانون رفع السرية المصرفية، بعد تذرع “المركزي” بالسرية لعدم تسليم المستندات المطلوبة، في نهاية أيار الماضي، لم ينجح في تعبيد الطريق أمام إنجاز المهمة. وبحسب مسار الأمور، بات أكيدًا أنّ مهلة السنة المحدّدة في القانون ستنتهي قريبًا من دون أيّ تقدم.
لن يكون القانون مشكلة، إذ يؤكد النائب جورج عدوان أنّه قابل للتمديد، ما يتيح الإبقاء على رفع السرية. ولكن العقد الكامنة وراء تعطيل التدقيق تتجلى في طبقة سياسية متكاملة تريد الإبقاء على ارتكاباتها طي الكتمان وسلامة درعها الواقي.
قد يكون من الأجدى بحسب مصادر مراقبة الادّعاء على سلامة بدل السجال معه، وتوفير كلّ استقلالية السلطات القضائية للسير في العملية الإصلاحية، مع العلم أنّ ما تعرّضت وتتعرّض له مدّعي عام جبل لبنان الاستئنافية القاضية غادة عون من هجوم وتشويه لمجرد استدعائها سلامة والصرافين في ملف تحويل الأموال دليل على أنّ لا أمل يُرتجى.
من ضمن المبادرة الفرنسية التحقيق الجنائي أمر مطلوب، فطريق الإصلاح لا يكتمل دون إنجاز التدقيق الجنائي. وفي تقرير نشرته “رويترز” اليوم الجمعة، تقول إن ألمانيا ستقدّم عرضًا للسلطات اللّبنانية بين مليارين و3 مليار يورو لإعادة بناء مرفأ بيروت في 7 نيسان بمشاركة فرنسا وبموافقة بنك الاستثمار الأوروبي ولكن بشرط تشكيل حكومة تطبق الإصلاحات بما فيها التدقيق الجنائي وقطاع الكهرباء.
ويكشف مصدران دبلوماسيان لـ “رويترز” أنّ ألمانيا ستقدم عرضًا بإعادة تأهيل وسط بيروت والمنطقة المحيطة بالمرفأ بقيمة تتراوح بين 5 و15 مليار يورو ما يمكن أن يخلق أكثر من 50 ألف وظيفة. لكن لم يتم توضيح ما إذا كانت فرنسا شريك كامل في هذا العرض.
قطار الإصلاح والمساعدات الدولية والمشاريع الإنتاجية وأرزاق الناس المنهوبة معلّقة على “بوح” رياض سلامة، فمن سيفك عقدة لسانه عن أسرار المال المنهوب: ضميره أم القانون أو العقوبات!
رانيا برو