نجحَت الاتصالات التي جرَت على خط عين التينة – بيت الوسط خلال اليوميّن الماضيّين في التوصل إلى نوعٍ من تسوية بين ثلاثي أمل والتيار الوطني الحر وتيار المستقبل، لتأمين أغلبيّة داخل اللجان المُشتركة لصالح إقرار سلفة الكهرباء.
وقد أفضت النقاشات خلال اجتماع اللجان المشتركة إلى إعطاء مؤسسة كهرباء لبنان سلفة ٢٠٠ مليون دولار من مصرف لبنان، وذلك بالتصويت، مع اعتراض القوات اللبنانية والتقدمي الإشتراكي اللذيّن رفضا هذا القرار باعتباره سيؤدي لمزيد من الإستنّزاف من إحتياط مصرف لبنان وإنفاق غير مجدي على قطاع الكهرباء الذي يُسجّل عجزاً سنوياً بقيمة ملياري دولار؛ فيما الأجدر بالدولة إصلاح هذا القطاع بدلاً من الإستمرار بإقرار سلف لا طائل منها. وعلِم “أحوال” أن النائب هادي حبيش الوحيد من كتلة “المستقبل” الذي صوّت ضد إعطاء السلفة بعكس زملائه الذين صوتوا معها.
تجزئة السلفة إلى أجزاء
وتشير مصادر نيابية لـ”أحوال” إلى أن “نواب كتلة التنمية والتحرير رفضوا في بداية الجلسة الموافقة على كامل المبلغ الذي طلبته وزارة الطاقة، أي مليار ونصف المليار ليرة، واقترحوا تجزئة السلفة إلى أجزاء تُعطى على ثلاثة أشهر مع إقرار دفعة أولى حالياً على أن يتم البحث بالأجزاء الأخرى لاحقاً”. واقترح النائب أنور الخليل إعطاء كهرباء لبنان مبلغ 300 مليار ليرة بدل 1500 مليار ليرة.
أما كتلة الوفاء للمقاومة، فأيّدت إعطاء السلفة لإبعاد شبح العتمة عن المواطنين.
السلفة هرباً من الغضب الشعبي
وتلفت مصادر نيابة لـ”أحوال” إلى أنّ “جميع الكتل النيابية وخلال النقاشات عبّرت عن خشيتها وقلقها من الوضع الاجتماعي والمعيشي والاقتصادي الذي يتجه للانفجار الحتمي؛ وبأن المواطن لن يحتمل أزمة كهرباء جديدة تُضاف إلى سلسلة أزماته التي يئِن تحتها. لذلك كان الإتفاق على تمرير سلفة الكهرباء لإنقاذ لبنان من الظلام الشامل والذي سينتج كوارث حقيقية لن يستطع أحد تحملها لا القوى السياسية ولا المواطنين”. كما علِم “أحوال” أن “الدافع الأساس لإقرار السلفة هو تجنب الغضب الشعبي الذي سيُغرق الشوارع ويحاصر المقرّات الرئاسية ومنازل السياسيين في حال انقطاع الكهرباء بشكلٍ كامل. فرغم كل الأزمات الأخرى، إلا أن الكهرباء أُمّ الأزمات وتوحد أطياف الشعب اللبناني”. فالخطة كانت بحسب المصادر، عرقلة إقرار السلفة والذهاب نحو العتمة الشاملة وتحميل وزير الطاقة والحزب الذي ينتمي إليه المسؤولية لمزيد واستغلال الغضب الشعبي وتحويله باتجاه بعبدا والعهد وبالتالي تسييله في المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية. لكن الخوف كان من اللعب على حافة الهاوية في ملف حيوي كالكهرباء، حيث الانفجار سيُصيب الجميع.
السلفة من أموال اللبنانيّين في المصارف
إلا أن الإشكالية التي ستواجه إقرار السلفة والتي حذر مُمثّل مصرف لبنان في جلسة اللجان المشتركة من تداعيات إقرارها على الوضع الإئتماني والنقدي للمصرف المركزي، تكمن بعدم وجود المال الكافي في مصرف لبنان لدعم الكهرباء في ظل سياسة الدعم التي يؤمنها “المركزي” والتي تشمل المحروقات والمواد الغذائية والدواء والتي تُقدر ب 400 مليون دولار شهرياً؛ وبالتالي صرف سلفة الكهرباء ستكون من احتياط المصارف في “المركزي” أي من الودائع المصرفية”.
وأكدت معلومات “أحوال” ما نقله النائب علي خريس عن رئيس المجلس النيابي الذي سأل حاكم مصرف لبنان إن كانت لديه دولارات في مصرف لبنان فأجابه سلامة بالنفي وقال له: “ما عندي شي ولا دولار واحد”. وتكشف المعلومات أن “المس بالإحتياط النقدي في المركزي بدأ منذ زمن طويل، لا سيّما عبر سرقة عشرات مليارات الدولارات من الودائع المصرفية وتهريب قسم كبير منها إلى الخارج لحساب سياسيين ومسؤولين نافذين في الدولة.
ويُشير عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم لموقعنا إلى أن “كل ما يُدفع في هذه المرحلة من مصرف لبنان هو سرقة أموال المودعين وهذه الحقيقة التي يحاول البعض التحايل عليها وذرّ الرماد في العيون”.
أبو سليمان: التناقض في الأرقام الرسمية يعقد الحل
يشير الخبير الاقتصادي والمالي وليد أبو سليمان لـ”أحوال” إلى أن “المصرف المركزي هو المصدر الوحيد لإنفاق الدولارات في الدولة اللبنانية وبالتالي تمويل العجز في الكهرباء وأي عجز في قطاعٍ آخر سيتم عبر مصرف لبنان وبالتالي من الإحتياط الإلزامي للمصارف”. ويتساءل: هل يوجد لدى مصرف لبنان الأموال الكافية لدعم سلفة الكهرباء في ظل تأكيد حاكم المصرف رياض سلامة لرئيس المجلس النيابي بألا دولار لديه؟”
ويلفت أبو سليمان إلى أنّ “المشكلة تكمُن في غياب الشفافية المطلوبة في هذه الأزمة الوطنية في ظل التناقض الفاضح في المعطيات والأرقام المالية والتوجهات بين الرئيسين نبيه بري وحسان دياب وحاكم مصرف لبنان ووزير المالية الذي كشف عن “16 مليار دولار متبقية من الاحتياطيات الأجنبية في مصرف لبنان، منها مليار إلى 1.5 مليار دولار فقط يمكن استخدامها لتمويل الدعم”. الأمر الذي يعقّد الحل ويساهم في تفاقم الأزمة أكثر.
فهناك تعمية كبرى من قبل المصرف المركزي على حجم الأموال الموجودة في المصارف وفي مصرف لبنان. فالحاكم المركزي بحسب الخبراء، يقول إن حجم الإحتياط النقدي في المركزي هو 15 في المئة يعني يجب أن يكون 17 مليار دولار في حال كان حجم الودائع 110 مليار دولار. أما وزير المالية فيقول، إنّ المبلغ الباقي هو 16 مليار ونصف ويمكن استخدام مليار ونصف فقط في عملية الدعم. فهل قصد وزير المالية أن الإحتياط هو فقط 14 مليار ليرة؟ أي أن ثلاثة مليارات أُنفقت من الودائع المصرفية خلال العام الماضي؟
محمّد حميّة