منذ عقود، أجرى علماء السوفييت أبحاثًا عن أسلحة بيولوجية في موقع في فولغينسكي، على بعد حوالي 70 ميلًا شرق موسكو. الآن، يتم استخدام هذا الموقع لإنتاج لقاح شامل يهدف إلى حماية الناس في جميع أنحاء العالم من فيروس كورونا.
وكان Sputnik V أول لقاح تمت الموافقة عليه للاستخدام في أي مكان في العالم في أغسطس/ آب الماضي، حتى قبل الانتهاء من التجارب البشرية على نطاق واسع، نظراً لفعاليتة المذهلة والتي بلغت اليوم نسبة 91.6٪.
كان هناك شك كبير في وقت مبكر بشأن سبوتنيك، الذي أخذ اسمه من أول قمر صناعي في العالم أطلقه الاتحاد السوفيتي في عام 1957، حيث بدأ سباق الفضاء مع الولايات المتحدة. ويقول منتقدون إنّ “لقاح بوتين” صُمم ليكون الأول من نوعه في سباق عالمي لإبراز قوة الكرملين، بغض النظر عن مدى فعاليته أو سلامته.
منشأة لقاح Sputnik V في روسيا
أصبحت منشأة لقاح سبونتيك اليوم موطنًا لشركة Generium Pharmaceutical، والتي تم التعاقد معها لتوسيع نطاق إنتاج اللقاح الروسي. إذ مجمع التكنولوجيا الواسع هو واحد من سبعة مراكز إنتاج جديدة في جميع أنحاء البلاد.
وبحسب شهادات القيّمين على المنشأة، كان لابد من تصميم ومعايرة كل خطوة في عملية الإنتاج بعناية، بما في ذلك أنظمة ترشيح المياه الضخمة، لإنتاج لقاح جديد تمامًا.
وقال ديمتري بوترييف، كبير مسؤولي العلوم في Generium : “كانت عملية التصنيع معروفة على نطاق مختبري صغير، لكن جعلها على نطاق صناعي كبير هو عالم آخر”.
وأوضح “لا يمكنك ببساطة الانتقال من لتر واحد من المفاعل الحيوي إلى 100 لتر أو 1000 أو 1 طن من المفاعل الحيوي. كل عملية مختلفة، والأوكسجين مختلف، وتوازن الكتلة مختلف”. وأضاف: “إنّ هذه المشكلات تم التغلب عليها منذ عدة أشهر و المصنع جاهز الآن لزيادة الإنتاج.”
ولفت بوترييف إلى “أننا ننتج الآن ملايين الجرعات كل شهر ونأمل في الحصول على كمية أكبر، ربما تصل إلى 10 أو 20 مليون جرعة شهريًا”.
وتوضع قوارير Sputnik V في صناديق في الثلاجات الكهفية، مع درجات حرارة أكثر برودة من الشتاء الروسي المتجمد، في انتظار التوزيع. ولكل قنينة رمز الاستجابة السريعة الفريد الخاص بها، لذلك يمكن تتبعها للوصول للمرضى بغض النظر عن مكان وجودهم في العالم.
وأصبح اللقاح الروسي أحد أكثر اللقاحات طلبًا في العالم، حيث وقّع ما لا يقل عن 30 دولة، من الأرجنتين إلى الفلبين، عقودًا لما يقرب من 2.5 مليار جرعة حتى الآن، وفقًا لأرقام صندوق الاستثمار المباشر الروسي (RDIF)، المسؤول عن الإنتاج العالمي للقاح وتوزيعه.
تردّد بين أوساط المواطنين في أخذ اللقاح
أظهرت نتائج التجارب البشرية واسعة النطاق، التي نُشرت واستعرضت في مجلة لانسيت الطبية في وقت سابق من هذا الشهر، فعالية مذهلة للقاح بلغت 91.6٪.
ومع ذلك، فإنّ نظريات المؤامرة المناهضة للقاحات تنتشر على الإنترنت ويراها الملايين في روسيا، وفقًا لمجموعات المراقبة. وقال ألكسندر أركيبوفا، عالم الأنثروبولوجيا الاجتماعية في جامعة حكومية تُعرف باسم RANEPA، إنّ العديد من الروس لديهم ميل ثقافي إلى عدم الثقة في المؤسسة الطبية، التي يُنظر إليها على أنّها الذراع المسيطرة للحكومة، وتتدخل في حياة الناس الخاصة.
اللافت أنّ الطلب بين الروس على سبوتنيك V أثبت حتى الآن أنّه ضعيف، نسبة لدولة تتضمن أحد أعلى معدلات الإصابة بكوفيد_19 في العالم – أكثر من 4.1 مليون حالة والعدد في ازدياد؛ لكن لديها أيضًا أحد أعلى معدلات تردّد بأخذ اللقاحات في العالم. وقد أظهر استطلاع حديث للرأي، نشره مركز ليفادا المستقل، أنّ 38٪ فقط من الروس مستعدون للتلقيح.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال أحد العلماء الرئيسيين وراء تطوير اللقاح إنّ حوالي 2.2 مليون شخص- أقل من 2 ٪ من سكان روسيا- تلقوا على الأقل الجرعة الأولية من اللقاح.
بالإضافة إلى الأسباب المذكورة أعلاه، يرى متابعون أنّ سبب تردد الروس بأخذ اللقاح هو أنّه بينما قال الرئيس فلاديمير بوتين إنّ ابنته تلقت التطعيم، لم يأخذ اللقاح بعد.
وتجاهل الكرملين الأسئلة حول السبب، قائلاً إن بوتين لديه لقاح مجدول، وأنه عندما يتم تلقيحه في النهاية، سيتم إبلاغ الأمة. ولكن في بلد يتطلّع فيه الكثير من الناس إلى رجل الكرملين القوي لقيادته القوية، فإنّ امتناعه عن تلقي اللقاح هومثبط للعزيمة.
حوافز: الآيس كريم والموسيقى
جميع البالغين الذين لا يعانون من ظروف صحية خطيرة في روسيا مؤهلون الآن للحصول على تطعيم مجاني. لكن التقدم في أخذ اللقاحات في موسكو بطيء بشكل مؤلم؛ إذ في مدينة يزيد عدد سكانها عن 12 مليون نسمة، تم تطعيم أقل من 600 ألف شخص حتى الآن، وفقًا لما ذكره العمدة سيرجي سوبيانين. لذلك، فإن الضغط مستمر لزيادة الأرقام.
هذا، ويتم إنشاء عيادات في أنحاء موسكو حيث بؤرة جائحة الفيروس التاجي في روسيا. ويوجد واحدة في مركز التسوق الراقي GUM، على بعد مسافة قصيرة سيرًا على الأقدام من الميدان الأحمر الثلجي، حيث يمكن لسكان موسكو الاطلاع على أحدث صيحات الموضة في البوتيكات باهظة الثمن، قبل الصعود إلى الطابق العلوي للحصول على Sputnik V. حتى أنّهم يحصلون على آيس كريم مجاني مع كل تطعيم – مغطى بالشوكولاتة والفانيلا؛ ويتم تطعيم حوالي 200 شخص كل يوم، فيما هناك قدرة لمئات آخرين.
وتم إنشاء عيادة أخرى في قاعة طعام عصرية، “ديبو موسكو”، لتشجيع التطعيم بعد غداء الشارع أو عشاء السوشي.
ولمحبي الموسيقى الكلاسيكية، يوجد مركز للتطعيم داخل هيليكون، دار الأوبرا المرموقة في موسكو، حيث تتنقل النغمات الصارمة للموسيقى الكلاسيكية من خلال مكبرات الصوت بينما ينتظر الناس تلقيحهم.
كما يتلقى بعض الناس رسالة مفادها أنّ اللقاح هو أفضل فرصة لهم للنجاة من الوباء.
المصدر: ترجمة عن CNN