الانتخابات الفرعية مقابل تنازلات حكومية… هل يقايض بري عون؟
بين الدستور وكورونا وغياب الحكومة... هل تُجرى الانتخابات؟
يحتفظ رئيس مجلس النواب نبيه بري بأرانب المفاجآت حين تشتد المآزق في ميدان السياسة فيحرّرها واحدًا تلو الآخر ويشغل الآخرين في التقاطها. وفي لحظة مليئة بالتعقيدات الحكومية والسياسية، أطلق رئيس البرلمان أرنب الانتخابات النيابية الفرعية، التي أرادها في آذار المقبل للدفع باتجاه تحقيق مسارات سياسية متعدّدة.
فهل ينوي بري تسخير المبادرة النيابية لتفعيل مبادرته الحكومية التي يحرص على مواصلتها وإنجاحها؟.
الانتخابات النيابية الفرعية لملء الفراغ في المجلس النيابي واجب دستوري بلا شك، لكن الأولوية لانشغال العقل السياسي بتشكيل حكومة تكون على مستوى “انتظارات” الناس وتتحمّل مسؤولياتها في مواجهة الأزمات المتراكمة بدءًا من وقف الانهيار المالي المتمادي.
التخلّف عن الانتخابات الفرعية مخالفة للدستور
توقفت الأوساط السياسية مليًّا، لقراءة الاتصال الذي أجراه رئيس المجلس النيابي نبيه بري بوزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال العميد محمد فهمي، ودعاه فيه إلى تحديد موعد لإجراء الانتخابات النيابية الفرعية لملء الشغور في 10 مقاعد في المجلس، بعد استقالة 8 نواب بعد الانفجار في مرفأ بيروت في 4 آب الماضي. وهم مروان حمادة، وهنري حلو، وبولا يعقوبيان، ونديم الجميل، ونعمة افرام، وميشال معوّض وسامي الجميل، والياس حنكش ووفاة النائبين ميشال المر وجان عبيد، لأنّه بحسب بري فإنّ التخلّف عن إنجاز هذا الاستحقاق يشكّل مخالفة للمادة 41 من الدستور.
بري لم يكتفِ بالاتصال بفهمي بل عُلِم أيضًا أنه تواصل مع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب لحثّه على دعوة الهيئات الناخبة وتنظيم الانتخابات الفرعية في أقرب وقت.
دياب الحذر من أي خطوات تفوق قدرة حكومته المستقيلة على تحمّل تبعاتها، تردّد في التعهّد أو الموافقة على إجرائها معلّلًا ذلك بسبب انتشار فيروس كورونا، ما يتطلّب إجراءات استثنائية من التدابير الوقائية سواء للّجان الانتخابية والقوى الأمنية والناخبين. فكان ردّ بري أنّه يمكن تنظيم التدابير الوقائية اللّازمة لتجنّب انتشار الوباء خلال العملية الانتخابية. وتجدر الإشارة إلى أنّ حكومة تصريف الأعمال في استطاعتها الدعوة إلى انتخابات فرعية، كَون هذه الدعوة تدخل ضمن المفهوم الضيّق لِتصريف الأعمال.
أمّا فهمي فأخذ على عاتقه دعوة الهيئات الناخبة في أقرب وقت من شهر آذار المقبل، على أن يتم إجراء الانتخابات في حزيران المقبل. في ظل معطيات تقول أنّ الانتخابات ستجري في تاريخه، بعد إنهاء وضع لوائح الشطب، التي انضمّ إليها عدد كبير من الناخبين الجدد ممن بلغوا سن الاقتراع فيما غاب عنها آخرون بالوفاة، نهاية آذار والدعوة للانتخابات قبل ستين يومًا من موعد إجرائها.
وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي “عمل واجباته” كما يقول، وأعدّ مشروع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة إلى الانتخابات النيابية الفرعية للمقاعد العشرة الشاغرة في مجلس النواب، وفتح الاعتماد اللّازم لها، وأرسله إلى رئاسة الحكومة خلال الأسبوع الماضي. ويبدو أنّ وزير المالية سجّل اعتراضًا على فتح الاعتمادات ورأى أنّ صرف هذه المبالغ في هذا الوقت غير مجدٍ.
وفي حين أن فهمي متحمّس للانتخابات، ارتكب خطأ إرفاق المرسوم بكتاب يتضمّن رأي سابق لهيئة التشريع والاستشارات حول تعذّر إجراء الانتخابات في حالة التعبئة العامة، التي تنتهي يوم 31/3/2021، داعيًا رئاسة مجلس الوزراء إلى الاطلاع واتخاذ القرار. لكن بحسب خبراء قانونيين أنّ رأي الهيئة غير ملزم ويمكن تجاوزه، بخاصة أنّ موعد إجراء الانتخابات المفترض في حزيران المقبل، يتجاوز موعد الإغلاق العام.
هذا في الشكل التقني، أمّا في السياسة، يريد بري رد الاتهامات حول تقصيره عن ملء الشغور في المقاعد النيابية، رغم أنّ هذا الإجراء هو مسؤولية الحكومة. ويرى برّي بحسب مطّلعين أنّه يريد الردّ على رافعين هتافات أن البرلمان بات يفتقد للميثاقية بخروج نواب مسيحيين منه، وإن كان يعتبر أن هذا الادعاء هرطقة في غير محلّها، فإنّه يجد أنّ إجراء الانتخابات واجب دستوري.
حركشة بري بعون
بعض القارئين السياسيين في “عمق النوايا” وجدوا أنّ “حركشة” الرئيس بري هي جزء من الضغط على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وعلى رئيس الجمهورية ميشال عون وتوظيف ورقة الانتخابات الفرعية ضمن المفاوضات والمساومات في الموضوع الحكومي، أي “دفع عون إلى تليين موقفه والتنازل وتسهيل مهمة سعد الحريري مقابل سحب ورقة الانتخابات الفرعية من التداول”.
إحراج رئيس الجمهورية وصهره أو شدّ الحبال السياسية بين الجبهتين هي فعليًا إحدى القراءات السياسية، لا سيّما وأن رئيس المجلس “ينام على حرير” أنّ لا انتخابات في دوائره، ويشاطره ذلك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، فيما كلّ من عون وباسيل سينشغلان في البحث عن مقاعد جديدة في المجلس وبالتالي عليهما تحصين جبهتهما في وقت لا يجدان فيه حليفًا انتخابيًا في الدوائر التي ستجري فيها الانتخابات في المتن وكسروان وبيروت والشوف والشمال.
امتحان للشارع المسيحي
لا شك أن الانتخابات الفرعية ستمتحن التيار الوطني الحر، وستكون محطة لقياس حضوره السياسي والشعبي، بعد الحملات الداخلية و”الكونية” عليه، في الميزان، لكن ما لا يدركه البعض أن التيّار جاهز وحاضر لهذه المنازلة، بحسب ما تقول أوساطه وهو درس جيدًا كل المتغيّرات على الساحة لتواجده على الأرض بين الناس حيث أعدّ دراساته في هذا الإطار.
وفي حين أنّ ميزان الخصوم المسيحيين للتيار غير ثابتة في مكيال الانتخابات الفرعية التي قد لا يشارك فيها كلّ من حزبي “القوات اللبنانية” و”الكتائب”، اللّذين كانا يمنّان النفس بإجراء انتخابات عامة بعد تنظيم استقالات جماعية لم يُفلحا فيها، ولا مجموعات المجتمع المدني “المتشظية” بالخلافات والانقسامات، فلن يضير التيار “البرتقالي” “النزال” الانتخابي واختبار الرأي العام المسيحي حياله. وعليه سيخوض التيار المعركة في خمس دوائر، أربع منها وفق النظام الأكثري وهي زغرتا، كسروان، بيروت الأولى وعاليه، والخامسة وفق النظام النسبي في المتن الشمالي.
أمّا التنازلات على بوابة التأليف الحكومي، فلا يمكن التعويل عليها مع العماد عون بحسب المصادر العونية، لم يحدث أن نجحت الضغوط عليه لا قبلًا ولا حاضرًا ولا في المستقبل”. وتعتبر أنّ الأولوية لتشكيل حكومة وإنقاذ الوضع الاقتصادي وتحقيق التدقيق الجنائي وإجراء الانتخابات الدستورية في حزيران المقبل بعد أن يتخفف اللبنانيين من وباء كورونا مع تأمين عدد كبير من اللّقاحات.
سجالات و”نزالات” غير محسوبة في كافة الميادين، وملفات وقضايا “للتمريك” بين الجبهات المتناحرة فيما الدستور والسياسة تتلاعب فيها سوء الإدارة “المناكفات”، والانتخابات الفرعية إن حصلت، والأغلب أنّها لن تحصل لصعوبات لوجستية، ليست في حسابات دموع المواطنين وهمومهم المعيشية والصحية.
رانيا برو