سلامة يستحوذ على دولارات النازحين… سعر صرف إنسانيّ
نال حاكم مصرف لبنان موافقة الدول المانحة ولم يحظَ برضى المصارف بعد
لا يتوقف حاكم بأمر المال اللّبناني، من ابتداع الوصفات والهندسات المالية. وجديد السيطرة والتحكم بكل الدولارات “الفريش” القادمة من الخارج إلى لبنان. حتى يُعالج عُقم السياسات المالية التي أدّت إلى إفلاس لبنان، يخرج حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ببدعة ترويج سعر جديد لصرف الدولار ويُطالب بالسيطرة على دولارات أموال المانحين المحوّلة من الخارج وفرض “تسعيرة إنسانية” منه.
وفي رسائل متعددة الاتجاهات بعث سلامة خطابًا إلى نائبة رئيس الحكومة ووزيرة الدفاع في حكومة تصريف الأموال زينة عكر يطلب فيه أن يكون المصرف المركزي هو الجهة الوحيدة التي تستقبل أموال النازحين بدلًا عن المصارف التجارية على أن يسلّم الأموال وفق تسعيرة 6240 ليرة لبنانية.
وفي رسالة إلى نائبة رئيس مجلس الوزراء زينة عكر، ومن خلفها إلى ممثّلي الدول المانحة، أجرى سلامة حساباتٍ لارتفاع معدّل التضخّم في حال توزيع المساعدات وفق سعر صرف السوق، في محاولةٍ منه لإقناع المانحين بالقبول بسعر صرفه الجديد 6240. ما يعني عمليًا حصوله على 1.5 مليار دولار، وهو مجمل حجم المساعدات الإنسانية والإنمائيّة التي رصدتها الدول المانحة للبنان.
رسالة سلامة التي بعث بها مصرف لبنان إلى عددٍ من المنظمات الدولية المانحة التي تؤمّن الدعم المالي للنازحين السوريين، طلب منها أن يتمّ تحويل المبالغ إليه بالدولار وليس مباشرة ًإلى المصارف على أن يقوم هو بدفعها إلى الجهات المعنية على أساس سعر 6240 ليرة للدولار أي ما يوازي سعر المنصة مع زيادة ستين في المئة.
ويعرض سلامة، على البنك الدولي والدول المانحة، مآثر هذا السعر بقوله أنّه يضاعف تسعيرة المنصّة للدولار! ويُعلّل طلبه هذا بأنّه من حق مصرف لبنان إدارة هذه الأموال، فكلّ الأموال المخصّصة للاجئين تُحوّل إلى المصارف المركزية وليس للبنوك التجارية. ويقول إن ذلك يساهم في الحفاظ على سعر صرف متوازن والحفاظ على استدامة الفئات الأكثر ضعفًا.
ثمّة امتعاض لدى المصارف من رسالة سلامة كونها تعتبر دولارات النازحين المصدر الأوّل
مصدر في جمعية المصارف أكدّ أنّ لا اعتراض على هذا التدبير بل هو طبيعي ومن حق المصرف المركزي أن يطلب تحويل الأموال بالعملات الأجنبية من خلاله ولكن لماذا تُدفع بالعملة المحليّة للبنوك وبهذا السعر؟
المصارف لم تهضم الأمر بعد وثمّة امتعاض كونها تعتبر دولارات النازحين المصدر الأوّل، وشبه الوحيد للعملة الصعبة. وبحسب المصدر، فإنّ المصارف لم توافق حتّى الآن على اقتراح الحاكم، ولا رغبة لديها بالتخلّي عن هذا المورد بالدولار، الذي يُعد حاليًا المورد الوحيد والأوحد بالعملة الصعبة.
وفيما لم تَحسم المصارف قرارها النهائي بعد، تجلاي المفاوضات بين المركزي والبنوك للوصول إلى صيغة ما بين الفريقين، وفق ما يقول المصدر المصرفي.
يُعلّل المصرف المركزي قراره بأنه يستورد النفط ويفتح اعتمادات الفيول والطحين والدواء بالعملة الأجنبية ويدعمها بنسبة 85 في المئة. ويستفيد النازحون السوريون الذين يفوق عددهم المليون ومئتي ألف نازح من هذا الدعم لإقامتهم القسرية في البلاد وشرائهم كلّ هذه المواد بالسعر المدعوم، لذا يقول سلامة في رسائله، إنّه من حق مصرف لبنان أن يستفيد من الفارق من المبلغ المتبقي، نظرًا للأكلاف التي يتكبّدها جرّاء الدعم والتي أنهكت الخزينة واقتربت من الاحتياطي الإلزامي.
يشير مدير برنامج الأغذية العالمية في لبنان عبد الله الوردات إلى انتهاء المفاوضات مع مصرف لبنان، حيث تمّ الحصول على سعر 6240 ليرة الممنوح كذلك للبنك الدولي، ويعتبر أنّ “الأمر جيّد ويُعوّض الخسائر”، قائلًا “نحن لسنا سعداء بذلك، لذا ننظر في زيادة الدُفعة الشهرية للمستفيدين”.
فرض ضريبة 30% على كل الهبات للّاجئين السوريين
منذ شهر تشرين الثاني 2019 وجرّاء الأزمة المالية وشحّ الدولار يستفيد لبنان من إيرادات العملة الصعبة من أموال النازحين، فيما تصل الأموال باللّيرة اللّبنانية إلى أيدي النازحين عبر بطاقات مصرفية تُشرف عليها مفوضية شؤون اللّاجئين.
ومنذ نيسان 2020 ارتفع المبلغ المقدّم لكلّ أسرة من 260 ألف ليرة إلى 400 ألف ليرة. وهي مبلغ نقدي يُضاف إلى المساعدة الغذائية المُقدّمة من برنامج الأغذية العالمي. وقد رُفعت قيمتها من 40 ألف ليرة إلى 100 ألف ليرة. ويستفيد منها 825 ألف عائلةٍ.
ويعتبر الخبراء أنه حين يعرض سلامة سعر صرف خاص بأموال النازحين أقل من سعر الصرف الحقيقي، فهذا يعني عمليًا فرض ضريبة 30% على كل الهبات للّاجئين السوريين. وبالتالي فرض ضريبة على مداخيل فئة الفقراء والمعوزين، وهذه الضريبة هي الأعلى حتى الآن.
ويعتبر الخبراء أنه رغم نجاح سلامة في اقناع البنك الدولي إلاّ أنّه لا يستطيع أن يضمن الجهات المانحة والمؤسسات الدولية الأخرى التي سبق أن عقدت اتفاقات مع البنوك التجارية. وقد يلجأ سلامة إلى إجبار البنوك عبر إصدار تعاميم، لكن التزام البنوك ليس حتميًا.
وفيما يفتح سلامة كباشًا مع البنوك، لم يُحسَم بعد ما إذا كانت المساعدات النقديّة ستُوزَّع باللّيرة أو بالدولار، وأموال النازحين الفقراء تضيع في دهاليز الهندسات الفاشلة والتي هي موضع تحقيق دولي وسبق أن ضاعت دولارات المودعين.
رانيا برو