لا شك أن لبنان أصبح على مفترق سياسي كبير، ولا شكّ أيضا أن ما كان يسري بالأمس على طريقة إدارة الحياة السياسية اللبنانية وتشكيل الحكومات، لم يعد يسري اليوم، والسبب ببساطة أن لبنان الذي كان لفترة طويلة جزءا من اللعبة الدولية، أصبح اليوم “لعبة دولية” كاملة الأوصاف، فالأزمة اللبنانية تخطّت حدود الإقليم، وعليه فإن كل المسارات ممكنة، وقدرة اللبنانيين على المشاركة برسم مسارهم الخاص انتهت.
لم تسقط حكومة حسان دياب بسبب الدعوة التي تبناها رئيسها لأجل تقصير ولاية المجلس النيابي، بل كانت الدعوة بمثابة الفتيل الذي أشعل الشمعة على “روحها”، فالحكومة المستقيلة سقطت منذ زمن، وتحديدا منذ اللحظة التي أثبت فيها الوزراء التكنوقراط أنهم غير قادرين على مجاراة التطورات اللبنانية، وشكّلوا خطرا سياسيا على الفريق الذي منحهم الثقة في المجلس النيابي، وصولا حتى لحظة تبنّي مطلب قوى 14 آذار بانتخابات نيابية مبكرة.
انتهت حقبة دياب، وبدأ البحث عن البديل، الأمر الذي لن يطول بحسب ما تكشف مصادر سياسية مطّلعة، مشيرة الى أن الهدف الذي وُضع، هو أن تُولد الحكومة، أو على الأقل، تصبح على مشارف الولادة، قبل عيد مئوية لبنان الكبير وعودة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان في أول أيلول، مشددة على أن ماكرون نفسه أبلغ المسؤولين بأنه يفضل أن تكون الحكومة جاهزة لاستقباله حين عودته، وهو لأجل ذلك سيساهم عبر شخصية فرنسية في تذليل العقبات أمام ولادة الحكومة.
اذا، المسار الفرنسي المرسوم للحكومة واضحا، فهي بحسب المصادر لم ولن تتدخل بشكل الحكومة المقبلة، والتي نصّت عليها في مبادرتها السياسية تجاه البلد، ولكنها تدخلت في مضمونها، والنتيجة المتوخاة منها، فلا مانع لديها من ترؤس سعد الحريري للحكومة العتيدة، ولا مانع لديها أيضا من عدم وجوده على رأسها، وهذا ما يعلمه الحريري جيدا، كاشفة أن رئيس تيار المستقبل لا يزال حتى اللحظة مرتبكا، بظل عدم وضوح الرؤية الخارجية التي تعنيه، أي الرؤية الخليجية، والسعودية تحديدا، وبظل وجود جناح متشدد داخل تياره لا يزال مصرّا على عدم المشاركة السياسية بكل ما له علاقة بالحكم والحكومة بظل وجود ميشال عون في قصر بعبدا.
عند كل استحقاق، يظهر رأيان داخل تيار “المستقبل”، الأمر الذي بدأ منذ توقيع الحريري على التسوية الرئاسية التي أوصلت عون الى رئاسة الجمهورية، ويومها ثبُت للجناح المنفتح بـ”المستقبل” أن رأي الجناح المتشدّد كان صائبا، فالتسوية أضرّت تيار رفيق الحريري كثيرا، لذلك جاءت الالتفافة على التسوية والخروج منها. اليوم للجناح المتشدد في “المستقبل” موقفا مما يجري ويقول بحسب المصادر بأن ترؤس الحريري للحكومة المقبلة من دون ضوء سعودي أخضر واضح، ورضى خليجي كامل على التسوية التي تُرسم اليوم، هو سقوط جديد للحريري، ربما لن يقوم منه مجددا.
إن هذا الجناح في تيار “المستقبل” تمكّن في الأشهر الأخيرة من إبراز نفسه بشكل كبير، وهو الذي كان سبب عدد مشاركة سعد الحريري في لقاء بعبدا الأخير، وهو الذي يُمسك بمفاصل القرار في التيار اليوم، وعليه بانتظار وضوح القرار والتوجه السعودي فإن تيار “المستقبل” لن يُظهر أي ليونة في عملية تشكيل الحكومة، لا من خلال ترشّح الحريري نفسه، ولا من خلال تسمية شخصية مقبولة لديه.
محمد علوش