هل يكشف سلامة في سويسرا أسرار فساد السلطة؟
لم يكُنّ فتح ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمام السلطات السويسرية في هذا التوقيت بالذات، منعزلًا عن التطوّرات السياسية في الخارج. فليست صدفة أن يتحرّك القضاء السويسري ويراسل القضاء اللبناني على عجل عشية تنصيب رئيس جديد في الولايات المتحدة.
فمنذ أيام تسلّم القضاء اللبناني مراسلة من السلطات السويسرية، تتضمن طلب مساعدة بتحقيق جنائي تجريه بشأن تحويلات مالية تخصّ حاكم مصرف لبنان ومقرّبين منه. وتتطرّق المراسلة إلى تحويلات بقيمة 400 مليون دولار، تخصّ سلامة وشقيقه ومساعدته ومؤسسات تابعة للمصرف المركزي.
فهل تحرّك القضاء السويسري عفواً أو بناءً لضوء أخضر أميركي – فرنسي لإحراج الحاكم فإخراجه، وتعيين شخصية أخرى مقرّبة من الفرنسيين، قيل إنّه المصرفي اللبناني – الفرنسي سمير عساف؟ علمًا أنّ الولايات المتحدة وسويسرا ترتبطان بعلاقة ممتازة. فهل يمكن للسلطات السويسرية التحرّك من دون تنسيق مع واشنطن وباريس؟
تفسيران لملاحقة سلامة
مصادر مطّلعة أشارت لـ”أحوال إلى أنّ تحريك ملفت سلامة له علاقة بأمرين:
الأول، الاتجاه الأميركي لمحاربة الفساد الذي عبّر عنّه أكثر من مسؤول مقرّب من الرئيس جو بايدن، حيث يعتبرون أنّ سلامة هو مفتاح لعبة الفساد ويملك أسرار الطبقة السياسية. فاختاروا البدء بفتح ملفات سلامة لاستدراجه لفضح ملفات لسياسيين آخرين، وبالتالي تكرّ مسبحة فضائح منظومة الفساد.
وبحسب المصادر، فإنّ القلق يراود 40 شخصية سياسية ومالية ودينية متوّرطة بالفساد، خوفاً من أن يبوح سلامة بما يملكه من أسرار عنها خلال التحقيق معه في سويسرا.
الثاني؛ بحسب المصادر قد تكون “عملية هزّ عصا لسلامة تمهيداً لإقالته بتسوية خارجية (أميركية – فرنسية)، وداخلية تدخل حيّز التنفيذ مع تشكيل الحكومة الجديدة. لكن الإستقالة أو الإقالة غير واردة حالياً، لأسباب عدّة، أولها عدم وجود حكومة أصيلة لتعيين حاكم آخر. كما أنّ هناك اجماع مسيحي على عدم إقالة سلامة الآن لكي لا يؤول المنصب الماروني إلى الشيعة، أي للنائب الأول للحاكم وسيم منصوري. ما لن تقبل به الأطراف المسيحية ولا المرجعية الدينية”. ولفتت المصادر إلى أنّ “اتجاه هذا الملف سيظهر عند عودة سلامة إلى لبنان”.
وبحسب المعلومات، فإنّ سلامة وعندما تعرّض للضغط السياسي – القضائي في لبنان نتيجة شبهات فساد طالته ودعوات شعبية لمحاكمته، إضافة إلى رفضه السير بالتدقيق الجنائي وتسليم المستندات والمعلومات التي طلبتها شركة التدقيق، قصد فرنسا لتسليم كل ما يملك من ملفات. لكن سلامة عدَلَ عن رأيه ولم تُعرف الأسباب؛ وبعد سحب الغطاء الأميركي الذي تمثل بإدارة ترامب، سارع الفرنسيون لإعادة حشر سلامة في الزاوية، مُنفذين عملية التفاف عليه من بوابة القضاء السويسري بعد رصد تحويلات مالية أجراها سلامة ومحسوبين عليه إلى مصارف سويسرية؛ وذلك لاقتناص الفرصة للإنقلاب على الحاكم إقالة وتعيين شخصية مكانه للسيطرة على المصرف المركزي بشكل مباشر أولاً، وتعرية المنظومة السياسية الفاسدة ثانياً.
هل يُبرّأ سلامة؟
في المقابل، لفتت أوساط متابعة للملف لـ”أحوال” إلى أنّ “الأمر غير سياسي وناتج عن الضجة الإعلامية حول وجود أموال غير شرعية تم تحويلها من لبنان اهتمت فيها منظمات مكافحة الفساد في سويسرا ضمن معركتها مع النظام المصرفي المتهم بتبييض أموال؛ وبالتالي بدأ التحقيق تحت هذا الضغط ورمي الكرة عند القضاء اللبناني، ومن المنطقي أن يبدأ التحقيق بالحاكم”. وتوقعت المصادر أن تؤدي التحقيقات إلى مخرجٍ لتبرئة سلامة، كأن يُقال إنّ التحويلات المصرفية إلى الخارج هي أموال شرعية، ولا علاقة لها بالمال العام وإنّ تاريخها سابق للأزمة التي ضربت لبنان بعد 17 تشرين 2019.
مرقص: سويسرا تتحرك اعتيادياً تجاه متنفذين حكوميين
وفي هذا السياق، أوضح رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص لـ”أحوال” أنّه “لم يُعرف حتى الآن إذا كان التحرّك السويسري جاء بناءً على شكوى أو إجراءات عناية واجبة ذاتية في سويسرا بحسب المادة 2 من القانون السويسري لمكافحة تبييض الأموال، نتيجة الأزمة اللبنانية ذائعة الصيت؛ وطالما جرى تصنيف المسؤولين اللبنانيين على أنهم متنفذون PEPs. وتالياً المصرف الذي يأوي أي حساب لهم، يُدقق بمصدره وحركته وإذا تبيّن هناك شبهات، فالمصرف ملزم بإبلاغ الهيئة السويسرية الوسيطة بين المصارف والقضاء وتسمى MROS”. وأضاف مرقص: “إذا ظهر وجود شبهات مسندة على الحساب، حينها يُحال صاحب الحساب الى المدعي العام الفدرالي، ويجمّد الحساب بشكل فوري وإحترازي لوقف تحريك الأموال”.
وعن رصد تحويلات من حساب سلامة ومقربين منه من مصرف لبنان، أوضح مرقص “أنّ المادة 110 من قانون النقد والتسليف تلزم الحاكم أن يكون حسابه في مصرف لبنان، وليس في أي مصرف تجاري؛ إذ يُمنع على الحاكم فتح حساب في المصارف التجارية التي تخضع لإشرافه”.
لكن السؤال هل يحق لسلامة تحويل أموال من حسابه إلى الخارج؟ وألا يُعتبر ذلك تهريباً للأموال، وبالتالي تهديد النقد الوطني في زمن الإنهيار المالي واحتجاز ودائع اللبنانيين؟ وألا يدل ذلك على أنّ سلامة لا يثق بالنظام المصرفي اللبناني؟ فعلى ماذا كان يستند في بث التطمينات على النظام المصرفي اللبناني وعلى ثبات الليرة طيلة العقود الماضية؟
يجيب مرقص في هذا السياق، أنّ “الفيصل في هذا الأمر هو تحديد مصدر المال. إذا كان ناتجاً مثلاً عن ميراث عائلي أو مبيعات عقارية أو نشاط تراكمي فهذا يثبته التحقيق. والأمر الثاني تحديد تاريخ فتح الحساب، فربما يعود إلى سنوات وليس حديثاً! وهل يُستعمل الرصيد في إستثمارات تدرّ أرباحاً وفوائد وعائدات أو مجرد تهريب للمال؟”.
ما هو المسار القانوني المتوقع؟ هل سيتم الإكتفاء بتجميد هذه الحسابات المشبوهة إذ ثبُتَ ذلك أم إصدار قرار إتهامي ومحاكمة جزائية؟
لفت المرجع القانوني إلى “كون لبنان وسويسرا موقعين على اتفاقية مكافحة الفساد، تلزم الدول المنضوية أن تتعاون وتقديم المساعدة القضائية لمكافة الفساد”، ولفت مرقص إلى أنّ “لا اتهام حتى الآن والأمر يقتصر على شبهات، ولا نص قانوني يلزم الحاكم بالإستقالة طوعاً أو أن تقيله الحكومة، باستثناء الحالات الثلاث المنصوص عنها في القانون: منها الإخلال بالواجبات الوظيفية وارتكابه جرائم لم يدّع لها لتاريخه ولم يتهم بها حتى الساعة”.
وهبي: سويسرا لم تُخالف الأصول
بموازاة التحرك القضائي السويسري، برز التحرّك الديبلوماسي الذي تقوم به سفيرة سويسرا في لبنان، التي زارت بالأمس وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبي.
وأوضح الوزير وهبي لـ”أحوال”، أنّ “السفيرة السويسرية لم تسلّم وزارة الخارجية رسالة من بلادها للدولة اللبنانية، بل نقلت مراسلة من سلطات بلادها القضائية إلى السلطة القضائية اللبنانية مباشرة بهدف الإستعجال بالتحقيق في الملف، والحصول على المعلومات اللازمة”. ولفت إلى أنّ “عدم حصول المراسلات عبر وزارة الخارجية لا يعدّ مخالفة لأصول المخاطبة بين الدولتين اللبنانية والسويسرية. فيمكن لوزارتي العدل في البلدين التواصل المباشر”.
ورأى وهبي أنّ “من حق الدولة السويسرية التحقيق في الملف كون الإدعاء حصل أمام سلطاتها القضائية”. أما عن مضمون المراسلات، فلفت إلى أنّ “القضاء في سويسرا طلب من السلطات القضائية اللبنانية إجابات عن أسلئة تتعلق بالملف. فإمّا يحصل عليها من القضاء اللبناني بعد التحقيق مع سلامة، وإمّا يمثل الأخير بشكل مباشر أمام القضاء السويسري”.
محمد حمية