ماذا يجري بين سمير جعجع وسامي الجميل؟
ولعت مجدداً بين القوات اللبنانية وحزب الكتائب. وهذه المرة انطلقت شرارة الاشتباك العنيف من قناة الحرة الأميركية التي حل النائب المستقيل سامي الجميل ضيفا عليها قبل ايام، حيث شن من منبرها هجوما عنيفا على سمير جعجع، استخدم فيه مختلف انواع الأسلحة، ما استدعى ردا لا يقل حدة من الدائرة الاعلامية في “القوات”، قابله رد على الرد من جهاز الإعلام في “الكتائب”.
وترافق الاشتباك على المستوى القيادي مع قصف متبادل بين مواقع التواصل الاجتماعي العائدة إلى الجانبين، في دلالة على عمق الشرخ الحاصل بين قاعدتي “الكتائب” و”القوات” اللتين تذهبان احيانا كثيرة ابعد من قيادتيهما في تبادل الإتهامات، وصولا الى تبادل الشتائم.
وكان الجميل قد اعتبر في مقابلته مع “الحرة” أنّ “القوات” لا تختلف عن المنظومة الموجودة، “فهم كانوا جزءا من التسوية وصوّتوا على القانون الانتخابي الذي أوصل حزب الله الى السلطة وكانوا في الحكومة التي قامت الثورة ضدّها ووافقوا على قانون الضرائب.”
وتابع متوجهاً إلى “القوات”: لا أقدر أن أكون ضد سلاح حزب الله ثم أصوّت مع مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية. لقد حان الوقت ليوقفوا العمل بطريقة انتهازية.
ورأى أن “القوات” تُغيّر مواقفها وفق مصلحتها، “ولا ثقة في قيادتها، كما لا ثقة بينها وبين قاعدتها.”
ولاحقاً، ردت “القوات” على الجميل ببيان اعتبرت فيه ان ما يقوم به يرتقي إلى مصاف الجريمة الكبرى من خلال دقّه الأسافين المتواصلة في العلاقة بين الحزبين، مشيرة الى أنه يتصرّف انطلاقًا من شعور وموقف شخصي بحت. ونبهت الى ان الجميل يقوم باستبدال القاعدة الكتائبية الاصلية بقاعدة أخرى قائمة على البغض والكراهية والكيد المصلحي فقط لا غير.
ورداً على الرد صدر عن جهاز الإعلام في حزب الكتائب بيان اكد أنّ الخلاف مع “القوات”، هو خلاف على الخيارات أولا وعلى الأداء ثانيا، مشددة على أن حملات التحقير والتسخيف والتشكيك لن تجدي نفعاً.
ما هي دلالات هذه المواجهة المتكررة بين الحزبين؟
على الرغم من أنّ “القوات” و”الكتائب” يتشاركان من حيث المبدأ في مواقف واحدة ضد حزب الله وسوريا والرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل، الا ان ذلك لم يكن كافيا لإذابة الجليد السميك الذي يكسو خط معراب- الصيفي منذ سنوات، وخصوصاً عقب تولّي سامي الجميل رئاسة “الكتائب”.
لم تسر الكيمياء ولا المصالح بين جعجع والجميل اللذين لا تفرقهما المقاربات السياسية وطبيعة “الكاراكتير”، فالأول يشعر بأن الثاني هو مراهق سياسي يتصرف بولدنة وصبيانية في مواجهة ملفات تحتاج إلى الحنكة والحكمة، “كما فعل على سبيل المثال حين اتخذ قرارا انفعاليا بالاستقالة من مجلس النواب قبل أن تكون الأرضية قد أصبحت جاهزة لفرض الانتخابات المبكرة”، بينما يأخذ الجميل على جعجع انه انتهازي ومساوم، يضمر غير ما يجاهر به، ولا يمكن ان يُؤتَمن له، وقد أتى دعم “القوات” ترشيح العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية ليثبت مرة أخرى بالنسبة إلى الكتائبيين استعداد جعجع لمقايضة المبادئ السياسية بمكاسب سلطوية.
والى جانب عقدة النفور المتبادل، يشتد الصراع على النفوذ في الساحة المسيحية بين “الكتائب” و”القوات” اللذين يتواجدان في بيئة مشتركة ويتنافسان على استقطاب جمهور واحد في مناطق انتشارهما وكذلك في داخل الجامعات، ربطا بالحسابات الانتخابية و”الزعاماتية”، ما يؤدي إلى تفاقم الحساسيات الحزبية والشخصية.
هنا، يسود “القوات” احساس بالفوقية او التفوق، إذ انها تملك كتلة وازنة من 15 نائبا بينما كانت الكتلة الكتائبية مكونة قبل استقالتها من ثلاثة نواب فقط، على الرغم من كل محاولات التمايز عن القوى الحاكمة.
والأكيد أن الجميل “الطامح” يسعى الى استعادة عز حزبه بعد أفول، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتم، لأسباب ديموغرافية، إلا على حساب جعجع الذي أوحى اكثر من مرة بانه يفضل تجاهل “شغب” او مشاغبة “فتى الكتائب” لتجنب الوقوع في فخ المواجهات الجانبية، لكن يبدو أن كيله يكاد يطفح وصبره على الحليف السابق يكاد ينضب.
ولعل ما يشجع رئيس “الكتائب” على تكريس افتراقه عن معراب، افتراضه بأن اللحظة الحالية هي مؤاتية ل”قطف” الشعبية، على قاعدة انه تماهى مع انتفاضة 17 تشرين وخرج كليا من السلطة التي تتهمها شريحة واسعة من الرأي العام بالتسبب في الانهيار ، في حين ان “القوات” لم تغادر بعد مجلس النواب ولم تستقل من حكومة سعد الحريري السابقة الا مكرهة تحت ضغط التظاهرات، بعدما كانت قد شاركت في ابرام التسوية الرئاسية وتقاسم الحصص مع التيار الوطني الحر، ما افقد انتقالها الى صفوف المعارضة لاحقا الصدقية، وفق خصومها.
والتنافس بين “الكتائب” و”القوات” ليس مستجداً ولا طارئا، بل يعود في جذوره إلى مرحلة الحرب الأهلية وما بعدها، وإن بدا جمراً كامناً تحت الرماد في مراحل عدة. واذا كان بشير الجميل قد استطاع بوهجه تقزيم دور الصيفي واختزاله، فإنّ المزاج الكتائبي العام لم يتقبل أن تصبح “القوات”، التي خرجت من جسم الحزب، اقوى نفوذا وأوسع انتشارا، فهل سينجح سامي الجميل في استعادة النضارة المفقودة ام صار من الصعب عليه اللحاق بسمير جعجع في السباق المحموم على النفوذ في الساحة المسيحية؟
لعل الانتخابات النيابية المقبلة ستحمل الإجابة الواضحة، بعيدا من الأحكام المسبقة.
عماد مرمل