جيني الشامي تروي لـ ”أحوال” تفاصيل ليلة كاد فيها جدّها يموت اختناقاً على باب المستشفى
جديد مصابي كورونا: العلاج في الشوارع والمتاجرة بأسعار الأوكسيجين
خرجت جائحة كورونا عن السيطرة في لبنان، ولم يعد الحديث عن انهيار القطاع الصحي مجرد دق لناقوس الخطر. فقد بتنا نسمع عن أشخاص ماتوا قبل أن يجدوا سريراً في المستشفى، وآخرين يتلقون العلاج في سياراتهم في مرآب المستشفى.
ومؤخراً، تداول ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو يظهر طبيبة وهي تقول إنّها “اضطرت لإزالة ماكنة تنفس من أحد المرضى لوضعها لمريض أصغر سناً”.
هذه الحالة باتت تتكرّر يومياً ومع أكثر من مريض لا يجد مكاناً يستقبله لتلقي العلاج بعدإصابته بالفايروس.
قبل يومين روت جيني الشامي، وهي متطوعة في الصليب الأحمر، على صفحتها على موقع ” فايسبوك” ما حصل مع جدها ايلي رزق الله (86 عاما)، بعد اصابته بالفايروس. وروت كيف تعامل موظفو المستشفيات بإهمال مع جدها بسبب كبر سنّه، وإعطائهم أولوية العلاج للفئة الشابة.
وفي اتصال مع “أحوال”، شرحت جيني ما حصل معها الأسبوع الماضي، وتحديداً بعد اصابة جدّها وتدهور حالته.
يعاني جدّها من الضغط والسكري وهو كان يلتزم المنزل ولا يغادره الا لحضور القداس في الكنيسة المجاورة لمنزله الذي يقع في منطقة الاشرفية. وتوضح جيني أن جدّها قضى ليلة رأس السنة مع زوجته في منزلهما من دون استقبال أي زائر، ” رغم ذلك شاء القدر أن يُصاب بالفايروس”، بحسب تعبيرها.
ويقع منزل الجدّ تحديداً مقابل مستشفى “الروم”، الذي يزوره باستمرار لتلقي العلاج ولم يواجه يوماً أي مشاكل مع العاملين فيه. وكان الجدّ قد أصيب وهو في منزله جرّاء انفجار 4 آب الذي تسبب بدمار كبير لمستشفى ” الروم” وكل المنازل المجاورة. وتمّ نقله الى مستشفى الروم الذي مكث فيها لأيام بعدما نجا من الانفجار المذكور.
ماكينة الاوكسيجين ب2000 دولار
كمتطوعة في الصليب الأحمر، ساعدت جيني على نقل جدها ، فكانت المحاولة الاولى مع المستشفى الأقرب للمنزل وهو “الروم”. رفض الأخير استقبال المريض، وجاء الرفض بعد معرفة عمره، بحسب جيني التي تقول انها “توسلت الممرضين والممرضات للاعتناء به لأن الأوكسيجين عنده كان منخفضا ولا يتحمّل نقله الى مكان آخر، لكن دون جدوى”. وبعد معركة جدال مع المستشفى دون الوصول إلى حلول ، نقلت جيني جدها الى مستشفى “رزق”. هنا السيناريو ذاته ، لا يستطيعون استقباله بحجة أنه لا أسرّة شاغرة. حتى أن باب طوارىء المستشفى كان مقفلا ًامام المرضى لعدم القدرة على استقبالهم.
لم يكن لدى جيني أي خيار ثالث لأن الاوكسيجين بدأ ينخفض أكثر وحالة جدّها الصحية لا تحتمل نقله. فكان الحل الوحيد بعد مشاورة زملائها المتطوعين في الصليب الأحمر ترك المريض أمام مدخل الطوارىء في ” رزق” ووضع الطاقم الطبي أمام الأمر الواقع.
وبالفعل هذا ما حصل مع جدّ جيني التي نصبت له خيمة امام مدخل المستشفى، ليستلقي على حمّالة سيارة الصيلب الأحمر. لحسن حظّه، خرجت طبيبة معالجة من المستشفى وبادرت إلى تقديم الإسعافات الأولية بانتظار تأمين الأوكسيجين له. وهذه كانت المهمة الأصعب بالنسبة لجيني التي تتحدث عن تجارة جديدة في زمن الكورونا وهي ” التجارة بماكينات الأوكسيجين”. كما تؤكد أنّ أحدهم “طلب2000 دولار اميركي. تاجر آخر طلب 1900 دولار، في حين توصل احدهم إلى تأمين ماكينة تعمل فقط لعشر ساعات مقابل 250 دولار أميركي”.
لم تكن جيني حينها في ظرف يسمح لها بالمفاصلة او الجدال على الأسعار. همّها الوحيد كان إنقاذ حياة جدّها. رغم ذلك، وبعد نشرها لخبر حاجتها للأوكسيجين على مواقع التواصل، قام احد الأشخاص بتأمينه بعدما حضر من منطقة “الشويفات “الى مستشفى الروم، ومن دون أي مقابل.
تقول جيني “لهؤلاء الاشخاص تُرفع القبعة “، لتصبّ جمّ غضبها على كل من يتاجر بأرواح الناس ويستغلّ الوضع الراهن للاستفادة مادياً”.
بعدها تولت الطبيبة وأحد الممرضين تأمين وصلة كهرباء وتشغيل الماكينة للمريض الذي كان يُحتضر بسبب التأخر في تزويده بالاوكسيجين. بعدها بقي لساعات طويلة متواصلة داخل الخيمة أمام المستشفى إلى أن استطاعت حفيدته تأمين سرير له في مستشفى” تبنين “الجنوبي الذي لم يرفض استقباله. وأثناء التحضير لنقله، نجحت الطبيبة التي أشرفت على علاجه بتأمين سرير له، لتنقذ حياته في اللحظة الأخيرة.
اليوم ، حالة الجد مستقرة ، وذلك بفضل جهود حفيدته التي بحكم عملها التطوعي تواصلت مع المستشفيات ونجحت في تأمين سرير له. رغم ذلك تسأل جيني ماذا يفعل مصابو كورونا اليوم ؟، وكم من مريض سيفارق الحياة على مداخل المستشفيات؟
لتخلص وتؤكد أنّ “طيلة عملها مع الصليب الأحمر لم تشهد على مأساة حقيقية كالتي شهدتها مع مصابي ” كورونا” امام المستشفيات.