عن الولايات المتحدة الأمريكية التي أشبعت الشعوب فقرًا.. تحت مسمّى “الحرية”
أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية “مشاريع الحرية” في الشرق الأوسط ووسط آسيا، تحت مسمّيات عدّة، منها: تحرير الشعوب، نشر الحريات، محاربة الطغاة، محاربة الإرهاب وغيرها، حيث لم يعد من السهل التوقّف عند هذه الحالات دون التطرّق إلى أدواتها ونتائجها، لعلّ الشعوب تصل يومًا إلى مستوى حقيقي من الوعي وتُحدّد على أساسه طريقها الذي تسلكه، المترنّح بين طريق الحرية وطريق التآمر على الأنظمة وتحويل دورها وتبديل مقوّماتها، من أجل أهداف وغايات “جيوسياسية” و”جيو-إقتصادية”.
“الحرية” هي عبارة تضمر الكثير في طيّاتها، فهي للثورة عنوان، وللظلم والتكبّر طريق، ولتحرير الشعوب وسيلة، وهي غاية لكل مظلوم.
عندما توجّهت الطائرات والعتاد والجنود لنشر الحرية في أفغانستان ولتحرير الأفغان من “تنظيم القاعدة”، برزت أسئلة عدّة، أهمّها: “هل ظهر “أسامة بن لادن” فجأة؟ وهل التخلّص من “القاعدة” يؤسّس للحرية في أفغانستان؟”؛ ولكن النتيجة، بعد سنوات القتل والظلم والتشريد، كانت جليّة وتمثّلت بمحاولات أمريكية لعرقلة مشروع “طريق الحرير الصيني” في وسط آسيا، ووضع القدم على “الليثيوم” في باطن التربة الأفغانية لكي لا يزيد الوسط والشرق الآسيوي صلابة، بالإضافة إلى وضع قواعد عسكرية في وسط آسيا تحسبًا للصعود المتسارع للجانب الصيني والروسي والهندي في القارة الآسيوية.
وبعد وضع اليد على أفغانستان، بدأ الحديث عن الحريات والظلم في الشرق الأوسط الجديد، فارتفع صوت الحرية في أروقة الأمم المتحدة، وبالرغم من الرفض الدولي لـ”صوت الآلة العسكرية الأمريكية”، أطلقت الولايات المتحدة مشروعها للشرق الأوسط الجديد من العراق، ونادت العالم طالبة تحرير العراقيين من الظلم “الصدّامي”، فكان للعراق نصيبه من آلة التدمير الأمريكية في ظل تحضير عربي للتطبيع منذ العام ٢٠٠٣، علمًا أن الظلم الواقع على الشعوب العربية كان لغاية سياسية واضحة، ولرعاية كل قامع للحرية شرط أن يكون تحت جناح الإدارة الأمريكية.
وهكذا، توالت المشاريع الجيوسياسية للإدارات الأمريكية، وتحوّلت الآلة التدميرية من الصلبة إلى الناعمة، تحت شعار “نشر صوت الحرية”.
على الضفّة الموازية، لم يكن من السهل على دولة مثل لبنان أن تقف في مواجهة هذه الآلة الناعمة، لذا دخلت شعارات “نشر الحرية” إلى الأروقة اللبنانية المهترئة بفساد الطبقة السياسية، وإنطلقت شرارة التغيير في الوطن الغارق في مستنقع عميق جدًا من الفساد المالي والإداري والسياسي، وكما في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان، كان من السهل إطلاق جميع شعارات الحرية في دول لا تؤيدّ البعد الإستراتيجي للناشر الحصري للحرية.
في الخلاصة، المثبت اليوم هو أن خطوات الولايات المتحدة الأمريكية لنشر الحرية كانت جليّة، ووضوحها هذا يعطينا مؤشرًا خطيرًا جدًا ويختصر واقع الحال في مختلف الدول التي تعاني من فساد أو مشكلة حكم بنيوية، ما يستدعي دراسة كل شعار تطلقه الولايات المتحدة الأمريكية في إطار نشر الحرية، خصوصًا أن مناداتها تلك تُنذر بوجود مصلحة خاصة ذات بعد دولي، وتحمل في طياتها عملية تدمير ممنهجة وإفقار لشعوب عانت من حكّامها، وتزيد معاناتها من مشاريع الحرية الأمريكية.
زكريا حمودان