اللّبنانيون يستقبلون العام الجديد: سهر ورقص و”سلّملي عالكمامة”
في ليلة رأس السنة تزاحمت السيارات وامتلأت المطاعم والملاهي، وكأنّ هذا البلد لا يعاني الأمرّين، الفقر والمرض. فقرٌ يهدّد أكثر من نصف الشعب اللّبناني ومرض يستفحل حتى تعدّت نسبة ضحاياه الـ3000 إصابة يوميًا. إلّا أنّ اللّبنانيين قرّروا أن يتغافلوا عن همومهم لليلة واحدة، فتهافتوا إلى أماكن السهر لـ”كسر جرّة” خلف عام حمل كوارثَ جمّةً. هناك خلعوا الكمّامات وتناسوا أمر المسافات الآمنة، عاشوا ليلتهم وكأنّهم في أوج عيشهم.
وأنت تقود سيارتك لقضاء ليلة رأس السنة في أحد مطاعم أعالي كسروان، يلفت انتباهك التواجد الكثيف لعناصر قوى الأمن الداخلي ورتبائه وضباطه المنتشرين أمام كل مطعم ونايت كلوب و”Pub” ليحافظوا على الأمن، ويشرفوا على حسن تطبيق المواطنين تعليمات وزارة الصحة: ارتداء الكمّامة والتباعد.
وفي الطريق من جونيه إلى فاريا، لم تهدأ حركة السير، وسط ضجيج الموسيقى المنبعثة من المطاعم التي تتلألأ بأنوارها على طول الطريق الممتد من جعيتا حتى عيون السيمان، فأصحاب المطاعم والمرابع الليلية “يَحسبون حساب” أسبوع الأعياد لكي يَغنموا ما تَيسّر لهم من مال، لعلّهم يعوّضون ما خسروه طيلة الإقفال القسري بسبب جائحة كورونا…
وقبل أن تصل إلى وجهتك، وفي وسط زحمة السير تتأكّد من التواجد المُلفت لعناصر الشرطة البلدية الذين يتوزّعون بين أحياء المدن الساحلية والجبلية، وبالقرب من المطاعم، وهم على تنسيق دائم مع بلدياتهم لإفادتها بكل جديد يحدث معهم خلال هذه اللّيلة المميزة…
وأخيرًا تصل إلى مُبتغاك، قبل أن تدخل يقترب منك شاب ليتأكّد من أنك ترتدي كماماتك، ثم يأخذ حرارة جسدك بواسطة آلة مخصّصة لذلك. أمّا الذي فاته أن يصطحب معه كمامته، فقد كان الشاب يقدّم إليه كمامة مَصحوبة بابتسامة وعبارة: “حِطّا إذا بتريد”.
في الداخل كانت الموسيقى الصاخبة تُغري بالرقص اللّاهِب، فأخذت الأجساد تتمايَل على كل أغنية “يَجود” بها المطربون حتى تعب اللّيل من شدّة الموسيقى والرقص ولم يتعب الساهرون، خصوصًا أنّ غالبيتهم من الشبّان والشابّات الذين لم تتخطَّ أعمارهم الثلاثين… رَقص وفقش وشرب… ولكن أين هي الكمّامات وسط هذه الليلة المجنونة؟! قلّة قليلة التزمت بها، الباقون نزعوها لأنّها “تُعيقهم في الرقص”، كما صَرّح أحدهم. جيسي تصرخ وهي تتمايَل مع حبيبها “سَلّملي عالكمامات”.
وسط هذا الجَو المَحموم، بدأ العدّ العكسي مؤذّنًا بحلول العام الجديد وانبعَث أزيز رصاص فجأة عندما دقّت عقارب الساعة معلنة أنّ الليل أصبح في منتصفه…
فعلى الرغم من أنّ وزير الداخلية والبلديات العميد محمد فهمي أشرف على إطلاق الدوريات الأمنية من عناصر وحدة القوى السيّارة في ثكنة اللّواء الشهيد وسام الحسن في ضبيه، وعلى الرغم من أنّ المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللّواء عماد عثمان قام بإطلاق تقنية ربط غرف العمليّات من خلال الـ VIDEO CALL في سبيل حماية المواطنين وتمكينهم من تمضية احتفالات رأس السنة في جو من الأمان والطمأنينة.
لم تستطع القوى الأمنية مَنع الكثير من الناس من إطلاق النار عشوائيًا حين لامَست عقارب الساعة الثانية عشرة ليلًا، لأنّ معظمهم قاموا بإطلاق النار من مسدسات حربية كانوا يُخفونها بين ملابسهم… وهذا ما يؤكد وجود السلاح المتفلّت في لبنان، علمًا أنّ ثمن الرصاصة الواحدة وصل إلى دولارين (حوإلى 16000 ليرة لبنانية بسعر السوق السوداء). فمن أين دفع المواطنون ثمن كل هذا الرصاص، هم الذين كانوا يَشكون “الطفر” والبطالة؟! أمام هذا الواقع المأساوي، استنكر الكثير من اللّبنانيين عبر “تويتر” ما حصل، ونشروا فيديوهات مصوّرة توثّق حالات إطلاق النار، معتبرين ذلك دليلًا واضحًا على عدم المسؤولية… لكنّ القوى الأمنية قامت بمعاقبة مُطلقي النار تِبعًا لأحكام القانون، فمنعت الكثير من الشبّان والرجال من إكمال السهر، وحرّرت فيهم محاضر ضبط وتوقيف…
وإذا كانت “العَجقة” التي حدثت في المطاعم والمرابع اللّيلية في أسبوع الأعياد، وخصوصًا في ليلة رأس السنة، قد أدّت إلى نهوض اقتصادي عَوّضَ ماديًّا على أصحابها، هم الذين كانوا يئنّون سابقًا من الإقفال القسري لمؤسساتهم وأوضاعهم المادية المتدهورة، فإنّ العِبرة تكمن في الاستمرار وسط التفشّي المتزايد لفيروس كورونا وسلالاته بين المواطنين، لأنّ حَتمية إقفال البلد مجددًا تطغى على غيرها من الحتميّات، ما يعني أنّ ليس هناك من استمرار في السهر والمرح والتنقّل من مطعم إلى حانة ومن مؤسسة سياحية إلى أخرى رياضية… ولعلّ الآتي يحمل إلينا الفرَج.
طوني طراد