
مرّ أكثر من عام على استلام “سلطة الجولاني” مقاليد الحكم في دمشق كأمر واقع منذ الثامن من كانون الأول 2024، عامٌ لم يحصد فيه السوريون سوى الفشل الإداري وتكريس الانقسام. واليوم، وبينما يغرق المواطن في أزماته المعيشية، تخرج هذه السلطة بقرار هو الأخطر من نوعه: استبدال العملة الوطنية.
هذا التوجه ليس مجرد إجراء فني، بل هو مقامرة كبرى في اقتصاد فاقد للسيادة، ودليل صارخ على عجز “دولة الأمر الواقع” عن تقديم حلول حقيقية، واستعاضتها عنها بصدمات إعلامية وسيادة وهمية.
دولة بلا مقومات وسيادة منقوصة
إنّ أي قرار نقدي سيادي يتطلب بيئة مستقرة وإنتاجاً وطنياً، وهو ما تفتقر إليه سوريا اليوم تحت ظل سلطة الجولاني.
نحن أمام دولة مأزومة أمنياً، ومنقسمة إدارياً، وفاقدة للبوصلة الاقتصادية.
إن الحديث عن عملة جديدة في ظل الاعتماد الكلي على المساعدات والتحويلات الخارجية هو محاولة لتغيير “الغلاف” مع بقاء “المحتوى” منهاراً، وهو مجازفة قد تسرّع السقوط الكبير.
اقتصاد مشلول: غلاف جديد لمحتوى فارغ
لا يمكن فصل العملة عن الواقع الإنتاجي؛ فالنقد هو انعكاس لقيمة ما تنتجه الدولة.
وفي ظل سلطة الجولاني: عجلة الإنتاج مشلولة كلياً في قطاعي الزراعة والصناعة.
الميزان التجاري يعاني من اختلال كارثي، حيث تفوق الواردات قيمة الصادرات بعشرة أضعاف، مما يعني أن أي عملة جديدة ستولد ميتة وتحت ضغط هائل أمام الدولار.
العيش في ظل تضخم جامح يتجاوز 60% يجعل من استبدال النقد صدمة تضخمية إضافية ستؤدي إلى هلع استهلاكي وفقدان تام للثقة.
اعتراف رسمي بالفشل
إن استمرار العمل بما يسمى “الموازنة الاثني عشرية” لعام كامل تحت إدارة الجولاني هو الفضيحة الإدارية الأكبر؛ فهو دليل على غياب التخطيط المالي وعجز السلطة عن إقرار موازنة سنوية واحدة. فكيف لدولة تعجز عن إدارة حساباتها الشهرية أن تدير عملية معقدة كاستبدال العملة؟
ضرب المدخرات وهروب رؤوس الأموال
على صعيد الاقتصاد الجزئي، يشكل هذا القرار ضربة قاضية لمدخرات السوريين البسيطة، حيث ستتآكل الأجور الحقيقية وتعم فوضى التسعير.
إن غياب الشفافية في هذا القرار يدفع المواطن فوراً للهروب نحو الذهب والدولار، مما يفقد العملة قيمتها في أيامها الأولى.
كما يرسل القرار رسالة طاردة للمستثمرين والقطاع الخاص، مفادها أن سوريا “ساحة لا استقرار فيها ولا قواعد”، مما سيسرع من هروب ما تبقى من رؤوس أموال وتوسع الاقتصاد الموازي.
الوهم النقدي وأداة التضليل السياسي
إن البعد السياسي لهذا القرار أخطر من تبعاته الاقتصادية.
ففي ظل غياب القنوات الدستورية والاعتماد على التصريحات الإعلامية بدلاً من المراسيم الواضحة، يثبت أن سلطة الجولاني تحاول خلق “نصر وهمي” لتغطية عجزها البنيوي عن إدارة الدولة منذ عام.
ختاما ان ما تسعى إليه سلطة الجولاني اليوم ليس إصلاحاً اقتصادياً، بل هو إدارة للأزمة عبر “الوهم النقدي”، فاستبدال العملة في مناخ يفتقر للإنتاج والموارد والثقة هو تثبيت للأزمة بصيغة جديدة، ومحاولة بائسة لطلب التصفيق من شعب يُطلب منه وحده دفع الثمن من قوته ومستقبل أطفاله.



