الإشارات والتحولات الحكومية: سرّ التأليف إلى 2021
الاتفاق على تشكيلة 3 ستات وخلاف في مربّع توزيع الحقائب والأسماء بينها الداخلية والعدل
الإشارات والتحولات الصادرة عن لقاءات القصر الجمهوري بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، لم تصل إلى مرحلة تجسيد الطقوس المفصلية المطلوبة لحسم مسألة تشكيل الحكومة وإعلان مراسيمها قبل الأعياد بل رُحِّلت إلى السنة الجديدة، زمن المعجزات قد ولّى. وعملياً المعطى الواضح بمراوحة التعقيدات التي لم تجد طريقها إلى الحل وإلى الضغوط الخارجية، يعني ترحيل الحكومة إلى ما بعد تسلّم الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن إدارة البيت الأبيض رسميّاً فيما البلد سيواظب على وتيرة الانهيار.
خلال 24 ساعة، تحوّل الرئيس سعد الحريري بين التفاؤل بميلاد حكومة قبل العيد وبين التسليم بوجود “تعقيدات واضحة” و”مشاكل سياسية”. الثابت كيفما دارت الأمور لا رجاء من ولادة الحكومة قبل الأعياد ولا بعدها على الأرجح، فالحريري كان واضحاً أن “يجب أن تشكل الحكومة بعد رأس السنة” وأنه رغم التأخير الذي يشكل ضغطاً على البلد “ ولكن الرئيس ميشال عون وأنا حريصان على تشكيلها”.
بالمحصلة خرج لقاء اليوم بصفر حكومة، بعد ليلة من الشكوك واللا توازن بين الإيجاب والسلب وبين التفاؤل والتشاؤم الذي أثاره كلام الحريري من على منبر رئاسة الجمهورية. وجاءت رسالة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الميلادية قبل لقاء عون والحريري واضحة في تشاؤمها حين صوّب على في معايدته على أن يكون العيد “بشرى قيامة وخلاص من ارتكاب الخطأ والخطايا بحق الارض والوطن والانسان” وأن يحمل ميلاد السيد المسيح “مبعثاً للأمل مقابل اليأس، والحقيقة في مواجهة التضليل، والوحدة بدل الانقسام، والمحبة في زمن الحقد”.
في حكم العقل والمسار المتشنج للخطاب السياسي الذي يرافق السجالات حول الحكومة بما فيها التسريبات المتضاربة من الجانبين، فإن الايجابية التي أشهرها الحريري لا تقترب من أجواء التفاؤل الذي يثمر حكومة. والعقد التي استحكمت تحت عناوين وحدة المعايير والثلث المعطل والتوزيع الحزبي والطائفي لم تجد طريقها إلى الفكفكة ولم يتمكن سعاة التوفيق أن يجدوا أرضية مشتركة بين الأطراف لتخطيها وإشهار “سرّ” التأليف. يصف مراقبون لـ”أحوال” “إيجابية” الحريري المتسرّعة بحالة نكران أو “غاية في نفس يعقوب” يزيل فيها الرئيس المكلّف عن عاتقه عبء تحمل وزر التأخير والتعطيل أمام الداخل والخارج.
وفي المعطيات أن دوائر رئاسة الجمهورية لا ترى مضاراً من التسليم بإيجابية الأجواء التي سادت لقاء الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري لناحية النقاش المطوّل والأخذ والردّ، لكن ذلك لا يقرّب ولادة الحكومة في يومين وبسحر ساحر. وخلال الجلسة طلب الرئيس عون من الرئيس المكلف إعادة النظر في اللائحة التي قدّمها لناحية التوزيع الطائفي وإسقاط الأسماء حتى يصار إلى البحث بها ومناقشتها مجدداً. وتلفت مصادر مطّلعة على اللقاء أن الخلاف لا يزال عالقاً عند النقاط التي بات يعرفها الرأي العام حول توزيع الحقائب على الكتل النيابية والتسميات، وقد اتفقا على عقد مزيد من اللقاءات لمناقشتها في الفترة المقبلة”. وتكشف المصادر أن عقدتي وزارة الداخلية والعدل لم تُحل، والرئيس يُصر على الاتفاق على جميع النقاط العالقة حتى تأتي حكومة متكافئة ومتجانسة قادرة على أن تحكم وتقدم للبنانيين أفضل الحلول لأزماتهم دون تعطيل أو مماحكات تُعَرقل طريق الإصلاحات المطلوبة للخروج من النفق”.
من الصحي القول أنَّ “الأجواء وسطية. لا تفاؤل مفرط ولا سلبية مطلقة”. وفي هذا السياق، لا ترغب أوساط معنية بالمشاورات بقطع الشك باليقين ولا الجزم مع بروز ملامح مرونة وإيجابية محددة بإطار ولادة مسار جديد من الحوار بين الرئيسين يعيد النشاط الى مسار التأليف في فترة عيدي الميلاد ورأس السنة بما يخفف الأجواء الملبّدة التي تخيّم على البلاد. لكن لم تُحدد مواعيد جديدة للقاءات أخرى بانتظار إشارات التنازلات الإجبارية لكسر جدار الاختلاف وربما إشارات من الخارج.
الوعد الإيجابي الذي تعهّد به الرئيس الماضي على تكليفه شهرين، تبدّد خلال أقل من 24 ساعة. والمعطيات “لا تبشّر بحسم الخير” بل أوحت منذ أيّام بأنّ لقاء الرئيسين جاء في إطار “محاكاة التعاون بالشكل مع وساطة البطريرك الراعي ولضغوط فرنسية، بينما في جوهر الخلاف فلا تقدّم يذكر، ولا “ما يؤتى أكله” بحسب مطلعين على الأجواء. لكن الحريري أراد “رفع العتب” عن نفسه. فيما يرزح التشكيل تحت وطأة مزيج من العراقيل الداخلية والاقليمية، حيث أن تشكيل الحكومة في ظل الادارة الاميركية الحالية وشروطها المتشددة التي تطوّق الحريري أمر صعب. أما داخلياً، فإن غياب الثقة والوئام بين الشريكين الدستوريين في تشكيل الحكومة، تُبعد إمكانية أي تغيير مرتقب في المواقف.
“وحده الدفع باتجاه إعادة رسم معالم الخريطة الوزارية من زاوية التسميات والحقائب، يمكن أن يُسرّع تشكيل الحكومة وهو ما يكرره رئيس الجمهورية لتأمين عدالة تمثيل المكون المسيحي في تشكيلة الحريري” تشرح مصادر مطّلعة، وهذا يتضمن “حق رئيس الجمهورية في تسمية وزراء اختصاصيين لتسلّم حقائب أساسية كالعدل والداخلية لا حصر هذا الحق بحقيبة الدفاع كما جاء في تشكيلة الحريري المقدّمة منذ أسبوعين”.
يمكن تسجيل “إيجابية” في تغيير طريقة ذهنية البحث في الحقائب فتمّ الاتفاق أن تكون التشكيلة من 18 وزيراً على قاعدة 3 ستات، موزعين بمعدل ستة وزراء لثنائي أمل وحزب الله وحلفائهم أي 4 شيعة ومسيحيان للحزب القومي وتيار المردة. وستة وزراء يقترحهم رئيس الجمهورية بينهم وزير أرمني من حزب الطاشناق، وخمسة وزراء بينهم 4 سنة، يقترحهم الحريري ووزير درزي يرشحه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ووزير مسيحي يتفق عليه الحريري مع عون.
والوزير الأخير الذي لُقِّبَ بالوزير “الملك” هو جو صَدي الذي يسميه الحريري بتزكية خاصة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يرغب بتسلّم صَدي وزارة الطاقة. ولوزير الطاقة “المحتمل” علاقات واسعة في فرنسا والإمارات التي يقيم فيها بصفته رئيساً لشركة “أند استراتيجي” &Strategy التي كانت تُعرف سابقاً تحت إسم “بوز أند كومباني”. وقاد صَدي طيلة سيرته المهنية برامج خصخصة كبيرة في قطاعات الكهرباء والنفط والغاز لدى عدد من الحكومات في منطقة الشرق الأوسط.
لكن الصيغة تُعاني من تشوهات منها ما يثير حنق المكوّن الدرزي والكاثوليكي والأرثوذكسي. والخلاف حول وزارتي الداخلية والعدل بين الرئيسين، والخروج منه بحسب مصادر مطّلعة لـ”أحوال” هي صيغة يطرحها الحريري تقضي بإعطائه وزارة العدل لعون مقابل التوافق بين الرئيسين على إسم وزير الداخلية. وهذه المعطيات لا تزال غير قابلة للنضوج. “نحن قادرون على وقف الانهيار ولكن يجب أن نتواضع وأن نفكر في مصلحة البلد” فهل يبدأ هو العد التنازلي للتخلي عن شروطه؟ بانتظار اللقاء الرئاسي في القدّاس الميلادي في بكركي وما سيقوله “راعي” الوساطة في هذا الشأن.
رانيا برو