مجتمع

تحقيق لـ”أحوال ميديا”: معلمي السويداء.. معاناة بلا حدود

بين جدران المدارس التي أنهكها الزمن والحرب، يقف المعلم في السويداء أمام تحدٍ وجودي، ليس فقط لتقديم العلم، بل للصراع من أجل البقاء واستمرار شعلة التعليم في ظل حصار خانق وواقع مرير تفرضه سلطة الأمر الواقع. إنها معاناة متعددة الأوجه، تبدأ من اللحظة التي يفتح فيها عينيه ليبدأ رحلة كفاح يومية.

تحية تقدير في زمن العطاء

وقبل الخوض في المعاناة، لا بد من وقفة تقدير لجهود مديرية تربية السويداء ومديرتها التي تتحمل معنا عبء استمرار العملية التعليمية في ظل ظروف استثنائية. هذه الكلمات نوجهها بلسان المعلمين الذين تواصلنا معهم، فهم يدركون حجم التحديات التي تواجهها المديرية ويعبرون عن امتنانهم للجهود المبذولة رغم الصعاب.

معاناة التنقل والموارد: التضحية من الجيب

مع أول خيوط الفجر، يبدأ التحدي الأول: مشقة الطريق.

حيث يتحمل المعلم مشقة التنقل ونقص الوقود في ظل برد الشتاء القارس، ليصل إلى مدرسته، ليسلم عقله وقلبه لتلاميذ يبحثون عن بصيص أمل. وما أن يصل، تبدأ معاناة أخرى، حيث يجد نفسه مضطراً لسد النقص من ماله الخاص، “يدفع من ماله الخاص” لتأمين أقلام السبورة والأوراق، في مشهد يختزل حجم التضحيات غير المعلنة.

 

الأعباء المالية: من دفاتر التحضير إلى سجلات العلامات

تتفاقم المعاناة مع الاشتراطات الإدارية التي أصبحت عبئاً مالياً إضافياً. فالمعلم مضطر لشراء دفاتر التحضير وسجلات العلامات ودفاتر التفقد اليومية من ماله الخاص. إحدى المعلمين روى لنا كيف اضطر لشراء دفتر تحضير عادي بدلاً من النوعية الجيدة التي كان يستخدمها سابقاً، بعد أن ارتفع سعر الدفتر المفضل إلى 27 ألف ليرة، وهو مبلغ لا يقوى على تحمله.

هذه الدفاتر التي تُعد عصب العملية التعليمية والإدارية أصبحت عبئاً مالياً جديداً، حيث يضطر المعلم لاختيار الأنواع الرخيصة ذات الجودة المتدنية، مما يؤثر على متانتها وقدرتها على تحمل الاستخدام اليومي.

فوضى القرارات الإدارية: عبء فوق طاقة البشر

إذا كانت المعاناة المادية كافية لكسر أي إنسان، فإن العبء الإداري لا يقل وطأة. فالقرارات المتضاربة والمتغيرة كالريح تزيد من الأعباء، حيث “كل يوم يحذفوا حصة دراسية أو يزيدوا حصة دراسية”. هذه القرارات تفتقر إلى العدالة في توزيع الحصص والاختصاصات، مما يخلق بيئة عمل غير مستقرة.

 

وتتجلى الفوضى في:

  • عدم توازن الحصص بين الأيام، فدوام الأحد والاثنين يصل إلى 6 حصص، بينما باقي الأيام 5 حصص فقط.
  • إلغاء حصة الموسيقا للجميع، بينما تمت إضافة حصة الإنجليزية للصفين الخامس والسادس الابتدائي، وزيادة حصص الديانة على حساب مواد أساسية.

 

نداء إلى الأهالي: شركاء في المسيرة

وفي خضم هذه المعاناة، نوجه نداء إلى أهالي الطلاب: إن المعلمين يقدمون أغلى ما لديهم من وقت وجهد وصحة، وهم بحاجة إلى دعمكم المعنوي والمادي. كلمة شكر ترفع المعنويات، ومساعدة بسيطة في تأمين مستلزمات التعليم تخفف العبء. لنكن سنداً لهم بدلاً من اللوم، فهم آخر حصن للتعليم في محنتنا.

 

الرواتب والتقدير: غياب العدالة والإنساني

يكافح المعلم من أجل استمرار العملية التعليمية “تبرعاً لأجل الطلاب”، دون أن يلقى أي مقابل مادي أو معنوي. فالرواتب متوقفة منذ أشهر (آب، أيلول، تشرين الأول)، دون أي بادرة لحل. كما يعاني من قلة التقدير من قبل بعض المدراء بالمدارس، مما يزيد من الإحساس بالإحباط وخيبة الأمل.

أزمة الكتب والمناهج: هدر للوقت والجهد

تتفاقم الأزمة مع مشكلة الكتب المدورة، حيث يهلك المعلم في محاولة مسح الحلول القديمة ليكتب الطالب من جديد. هذا الهدر في الوقت والجهد يسرق من وقت الحصة الثمين، ليضيع بين المسح والكتابة. والفجوة بين الطلاب الذين يستطيع أهاليهم طباعة الكتب وأولئك الذين لا يستطيعون تزيد من الفوارق وتثقل كاهل المعلم داخل الصف.

 

نداء إلى القائمين على الأمر

في الختام، تزداد المعاناة مع حلول الشتاء واشتداد البرد ونقص المازوت، ليصبح الذهاب إلى المدرسة مغامرة محفوفة بالمخاطر. إننا نوجه نداء إلى مديرية التربية في السويداء لاتخاذ قرارات عادلة وحكيمة تخفف من معاناة المعلمين، وتضمن استمرار العملية التعليمية في هذه الظروف الاستثنائية. فالمعلم هو حجر الزاوية في بناء المستقبل، ولا مستقبل دون الوفاء بحقوقه وتقدير تضحياته.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى