سياسة

“الجوع مقابل الولاء”.. سلطة الجولاني تجعل السويداء تترحم على النظام السابق

بعد أن أفشل الوعي المجتمعي في محافظة السويداء مخططه الخبيث لاستدراج الموظفين إلى بلدة المزرعة بذريعة صرف الرواتب ، وفي محاولة يائسة لإسكات الأصوات التي فضحت تجاوزاته ومخالفاته لكل الأنظمة والقوانين، يلجأ ” مصطفى البكور” إلى سلاحه الأخير: الفصل التعسفي.

فقد كتب المدير المالي في الأمانة العامة لمحافظة السويداء، الأستاذ عبد السلام مهنا الجباعي، على صفحته على الفيسبوك متسائلاً : “بسبب قيامنا بواجبنا تجاه أهلنا والدفاع عن الحق ؟؟؟”، وذلك تعليقاً على قرار فصل عدد من الزملاء وإحالتهم إلى الهيئة العامة للرقابة والتفتيش.

من يحارب شعبه بالغذاء؟

في مفارقة تاريخية تكشف حجم الانحدار، فإن النظام السابق الذي كُيلت له الاتهامات طوال سنوات الحرب، لم يصل إلى مرحلة استخدام الغذاء والرواتب سلاحاً مباشراً لمحاربة السويداء. لقد كانت معركة النظام مختلفة في أدواتها وأساليبها.
أما اليوم ، فإن سلطة الجولاني تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير ، وتجعل أبناء السويداء حتى المعارضين لنظام السابق يندمون على وقوفهم ضد النظام السابق لأنهم اعتبروا أنفسهم كانوا سبب بوصل هؤلاء المتطرفين الارهابيين الى السلطة الذين امعنوا بقتل اهلهم واطفالهم وخطف نسائهم وحرق ونهب ممتلكاتهم وذهبوا الى ابعد من ذلك بالحصار على السويداء فحولوا لقمة العيش إلى رصاصة، والراتب إلى أداة إخضاع، في سابقة خطيرة تكرس منطق “الجوع مقابل الولاء”.

هذه الخطوة ليست سوى فصلاً جديداً في مسلسل طويل من سياسات الابتزاز الممنهج التي تم تسليط الضوء عليها في تحليلات سابقة، مثل مقال “هكذا تحوّل ‘سلطة الأمر الواقع’ السويداء إلى ساحة للصراع بالوكالة” و “سليمان عبد الباقي.. ‘حصان طراودة’ حكومة الجولاني”. إنها تؤكد حقيقة جوهرية واحدة: عندما تفشل أدوات “التطبيع” و”استجداء الشرعية”، تظهر أدوات التجويع والإذلال.

١. من “حصان طروادة” إلى “فأس الفصل”: تأكيد لنفس الاستراتيجية

ما يحدث اليوم من فصل للموظفين يأتي تتويجاً منطقياً للاستراتيجية نفسها التي كُشف النقاب عنها في المقالات السابقة. فالمحاولات المتكررة لاختراق النسيج المجتمعي للسويداء عبر عملاء محليين – كما ورد في مقال “سليمان عبد الباقي.. حصان طراودة حكومة الجولاني للسيطرة على السويداء” – كانت تهدف إلى شرعنة الوجود وفرض الأمر الواقع.

الآن، وبعد فشل هذا “الاختراق الناعم”، يتم الانتقال إلى مرحلة العقاب الجماعي والتصفية الإدارية. جعل نقطة صرف الرواتب الوحيدة في “المزرعة” – كما وثق مقال “هكذا تحوّل ‘سلطة الأمر الواقع’ السويداء إلى ساحة للصراع بالوكالة” – لم يكن إجراءً لوجستياً، بل كان اختباراً للولاء وفخاً لاجتذاب الموظفين إلى مناطق سيطرة هذه السلطة. رفض الانصياع لهذا الفخ جعل “الفصل” هو الحل الأخير، مما يؤكد أن الهدف لم يكن خدمة الموظفين بل استخدام الجوع كورقة ضغط.

٢. العودة إلى ورقة “التقسيم”: خلق سويداء موالية وأخرى مكبوتة

هذه الإجراءات تعيد تأكيد التحذيرات التي أُطلقت في مقال “خطة ‘تقسيم السويداء’.. جديد خدع الجولاني وأدواته”. الاستراتيجية واضحة: خلق “سويداء غربية” موالية، تُمنح فيها الخدمات والرواتب والامتيازات مقابل الولاء، وفي المقابل, حصار “سويداء شرقية” ومعاقبتها جماعياً بحرمانها من أبسط حقوقها لتكون نموذجاً للإذلال.

الفصل التعسفي للموظفين هو أداة من أدوات ترسيخ هذا التقسيم. إنه إرسال لرسالة واضحة: “إما الخضوع الكامل لقواعدنا، وإما الحرمان من لقمة العيش”. هذه الآلية هي نفسها التي تم توثيقها في أزمة القطاع التربوي في مقال “بين نارين: مديرة تربية السويداء نموذجٌ لصمود الإدارة تحت وطأة الابتزاز السياسي”، حيث وُضعت الإدارة بين خيارين أحلاهما مر: إما لا رواتب، وإما النزول إلى “المزرعة”.

٣. الرد المجتمعي: من “رفض خارطة الطريق” إلى “التمسك بالثوابت”

رفض أهالي السويداء لمحاولات الابتزاز هذه ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لإرادة راسخة تجلت في رفضهم لما سمي “خارطة طريق” الحكومة الانتقالية، كما حللته مقالة “أسباب رفض أهالي السويداء ‘خارطة طريق’ الحكومة الانتقالية”. ذلك الرفض كان مبنياً على فقدان الثقة ورفض الوصاية، وهو نفس المنطق الذي يحكم الرفض اليوم للخضوع لابتزاز الرواتب والفصل.

التنسيق المجتمعي الواسع الذي أبرزته مقالة “بين نارين” بين الإدارة المحلية والشخصيات المجتمعية واللجنة القانونية العليا، هو السلاح الأهم في مواجهة هذه السياسات. إنه يثبت أن قرارات الرفض والصمود ليست فردية، بل هي إرادة جماعية تحبط محاولات “تفريد” المواجهة وضرب التماسك الداخلي.

ختاماً : الفشل يولد الإفلاس الأخلاقي

إفلاس مخطط “المزرعة” واستبداله بقرارات الفصل دليل إضافي على فشل مشروع الهيمنة على السويداء. إنه يؤكد ما دأبت مقالاتنا على كشفه: أن هذه السلطة لا تملك مشروعاً وطنياً ولا برنامجاً خدمياً، بل تقتصر أدواتها على الابتزاز الاقتصادي والضغط الأمني والتفكيك المجتمعي.

اللافت أن سلطة الجولاني تجاوزت في حربها على السويداء كل الخطوط الحمراء التي التزمها النظام السابق، فحولت الغذاء والرواتب إلى أسلحة حرب، وهو ما يؤكد أننا أمام نموذج متطرفاً وتكفيرياً استعداداً لتجويع الشعوب لإخضاعها.

صمود الموظفين والإدارة والنسيج المجتمعي في السويداء أمام هذه الآلة، هو الذي يفشل المخطط تلو الآخر. الفصل بدلًا من صرف الرواتب ليس علامة قوة، بل هو إعلان صريح عن الإفلاس الأخلاقي والسياسي لمشروع أراد اختراق الجبل الصامد، فوجد نفسه أمام إرادة شعب يعرف حقّه، ويصرّ على أن يقرر مصيره بيد أبنائه الأحرار.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى