
صحيح أنها من أسوأ سنوات الجفاف في تاريخ منطقتنا المعروف ولكن الصحيح أيضاً أنه عام “كشف الحقائق” المرّة وفضح المستور في كيفية إدارة المرافق العامة في كل لبنان عامةً وفي قضائي الشوف وعاليه خاصةً.
أطل العام 2025 حاملاً معه سلسلة من الأزمات ولكن أقساها على الإطلاق انخفاض نسبة المتساقطات على كامل مساحة الأراضي اللبنانية، وبالتالي إنعكاس ذلك على حياة الناس اليومية وحاجتهم للمياه.
وبالطبع إنعكس ذلك على قضائي الشوف وعاليه، كون مصدر المياه واحد في كليهما (“مصلحة مياه الباروك” قبل أن تتبع لمياه بيروت”)، ولكن هل “الأزمة الطبيعية” مأساوية الى هذا الحد أم أن المسألة تتعلق بسوء إدارة وهدر ونهب للثروات الطبيعية؟.
يبدو أن الأزمة في هذه المنطقة مختلفة عن بقية المناطق اللبنانية، إذ يكشف الناشط الإجتماعي شريف أبو خزام أن “مياهنا الجوفيه بما فيها نبع الباروك اصبحت ملكاً خالصاً لشركات حيتان المال وما تبقى من اليسر القليل منها يُعطى الى مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان”.
ويشير أبو خزام الى أن “الشركات الضخمة تسحب ملايين الليترات من المياه يومياً من نبع الباروك وأرز الشوف، في حين يعاني الأهالي الأمرّين مع واسطة كي يحصلوا على “نقلة مياه” من عشرة براميل بـ 20 دولار أميركي” ويختم أبو خزام كلامه بالقول “أين أنتم يا نواب المنطقة؟ هل ترضى يا وليد بك بما يحصل؟”.
وهنا تجدر الإشارة الى ان شركتي المياه “باروك” و “أكوافينا” لديهما معامل لتعبئة المياه في قلب محمية الشوف، ما يطرح سؤالاً حول حقيقة دور معامل شركتي المياه المذكورتين في تعميق أزمة المياه التي يعاني منها أهالي مناطق الشوف الذين يعانون من العطش إسوة بباقي المناطق اللبنانية، بينما تقوم الشركات بتعبئة المياه وبيعها والإستفادة من أرباح طائلة فهل من حلول تنقذ أهالي الشوف من أزمة المياه؟.
وعلى صعيدٍ أضيق وأقل حجماً تشهد الآبار الجوفية المملوكة فردياً لأشخاص يمتلكون أبار خاصة زحمة خانقة لصهاريج المياه لتوزيع المياه على المنازل ويتراوح سعر الخزان “بأرضه” بين 6 و10 دولار ليصل الى المنازل ما بين 20و25 دولار.
فكيف تتوفر المياه هنا للشركات والأفراد والإستفادة الخاصة بينما يعاني الأهالي من غياب مياه الدولة؟
ماذا يقول القانون
في القانون اللبناني، تُعد المياه الجوفية ملكاً عاماً ولا يجوز للأفراد استخراجها دون ترخيص من وزارة الطاقة والمياه.
تشمل الملكية العامة للمياه كلاً من المياه الجوفية والآبار والينابيع، وذلك بغض النظر عن موقعها أو عمقها، ويهدف هذا الإطار القانوني إلى حماية مصادر المياه وتنظيم استغلالها بشكل يضمن عدم الاستئثار بها وحمايتها من التلوث.
وتشير المادة 8 من مسودة قانون المياه إلى أن المياه الجوفية هي “ملك عام وغير قابلة للاستحواذ أو للملك أو للتصرف بها بأي شكل من الأشكال”.
ولاستخراج المياه الجوفية عن طريق حفر آبار ارتوازية أو بأية وسيلة أخرى، يتطلب الأمر الحصول على “إذن أو ترخيص مسبق من وزارة الطاقة والمياه وتخضع لنظام خاص للحماية والمراقبة، مما يؤكد وضعها كملكية عامة لا تخص فرداً معيناً بذاته”.
وهنا السؤال الأبرز عن قانونية وحقيقة وجود شركات خاصة تشفط مياه المحمية الطبيعية وتنتج الملايين في مرفق عام ومحيطها يحتاج هذه الميا، وأصلاً هل يجوز لشركات خاصة أن تبني مصنع ضخم داخل المحمية وهي أراضٍ يستوب حمايتها من الانتشار العمراني والصناعي؟.
إذن المسألة لا تتعلق بعام من الجفاف او شح المتساقطات فقط بل يتعلق الأمر بكيفية إدارة الشأن العم في بلادٍ نخرها الفساد.