ضبطت قوى الأمن الداخلي بتاريخ 16 تموز 2020، عددًا من الطيور الجارحة النّادرة في لبنان، بحوزة أشخاص قاموا بوضع إعلانات على مواقع التواصل الإجتماعي لبيع طيور يُمنع صيدها أو بيعها، وذلك بناءً على عدّة شكاوى مقدَّمة من جمعيّات بيئيّة. كما جرى تسليم هذه الطيور إلى جمعيات مختصّة لتحصل على العناية اللازمة، التي أطلقت حريّتها.
بعد هذا التاريخ، لم يصدر أي بيان حول ملاحقة تجّار غير شرعيّين للطّيور النادرة. وفي هذا السّياق، وصلت شكاوى لـ”أحوال” عن وجود صفحات على مواقع التواصل الإجتماعي، وتحديدًا “فايسبوك”، لا تزال تعمل على بيع وشراء هذه الأنواع من الطيور الموجودة على القائمة الحمراء داخل لبنان، علمًا أن أصحابها غير لبنانيين.
ما هي القائمة الحمراء؟
تضمّ القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية (IUCN) أكثر من 120000 نوع من الحيوانات والنباتات، من بينها أكثر من 32000 نوع مهدد بالإنقراض، تتوزع على الشكل التالي: 41% من البرمائيات، 34% من الصنوبريات، 33% من الشعاب المرجانية، 30% حيوانات مائية وأسماك، 26% من الثديات، و 14% من الطيور.
هذه القائمة مهمّة لصحة التنوع البيولوجي في العالم، وتلتزم بها الحكومات، المنظّمات غير الحكومية، المنظمات التّعليميّة، إضافة للجمعيات البيئية، بهدف الحفاظ على التنوع الطبيعي.
اكتشاف صفحات غير شرعية في لبنان
تواصل “أحوال” مع خبير الطيور ميشال صوّان، الذي أكد وجود صفحات على مواقع التّواصل تبيع الطّيور النّادرة بطريقة غير شرعيّة. وروى طريقة إكتشافه مع خبراء آخرين وجود هذه الصّفحات، قائلًا: “وصلنا screenshots وروابط من أصدقاء عن هذه الصفحات؛ وبعد تصفّحها قرّرنا التّواصل مع بعضها لنكتشف أن غالبيّة أفرادها ليسوا لبنانيين ولا يقيمون في لبنان، بل هم من الجنسية السّورية ويعملون على تهريب هذه الطيور من سوريا إلى لبنان، كما حصلنا على أرقام لمهرّبين آخرين في هذا المجال. لافتاً إلى أن التجّار لا يملّون من إنشاء صفحات مماثلة وآخرها صفحة تحمل إسم “البريّة”.
ويضيف صوان: “كان هناك صفحة تحمل إسم “بيع وشراء طيور في لبنان”، فتواصلنا معها بحجّة أننا نريد شراء أحد الطيور، فطُلب منا ملاقاة التاجر السّوري في جبل الشيخ جنوبًا”، لافتًا إلى أنّ “التجّار يسلكون طرق خفيّة للوصول إلى لبنان ولم نستطع اكتشافها”.
طيور من الجولان المحتلّ
من الطيور الّتي يتمّ عرضها للبيع على مواقع التواصل الإجتماعي من قبل سوريين بحسب صوّان، هو النسر الأسود الكبير، وهو نوع نادر من الطيور عالمياً، حيث يوجد في العالم فقط 2200 طائر مماثل.
للنسر الغريفوني الاوراسي أيضًا حصة من هذه التجارة غير الشرعية. يقوم التجار بالحصول عليه عبر طريقتين: الأولى التقاطه بعد تفريخه في هضبة الجولان وفلسطين المحتلة، أما الثانية فهي عبر تهريبه من دول خارجية أخرى. ويصل سعره إلى 1200 دولار أميركي.
من الطيور الأخرى التي ينشط بيعها خاصة إلى دول الخليج، هو الصقر، حيث يباع بأسعار خيالية بين 30 و100 ألف دولار، إضافة للبومة النسريّة حيث نشط سوقها مؤخّرًا بشكل كبير في لبنان.
التّجار يأخذون الاحتياطات كافة
استطاعت عناصر قوى الأمن في تموز الماضي من ملاحقة لبنانيين يبيعون الطيور النادرة، إلّا أن هذا الحل يكون أكثر صعوبة وشبه مستحيل، حين يكون التجار سوريين. وفي هذا الإطار، يلفت صوّان النّظر إلى أن التجار غير الشرعيين يمتلكون خبرة كبيرة على مواقع التواصل الإجتماعي، مشيرا إلى أنّ هؤلاء لا ينشرون أرقامهم في الإعلان، كما أنّهم يتواصلون مع الزبون من خلال حساب وهمي.
بعد التأكد من نيّة الزبون بالشراء، قد يقوم بعضهم بإعطاء رقماً للتواصل معه، وبحال كان الرقم لبنانياً، يمكن تقديم شكوى لدى المعنيين والسلطات المختصة. أما إذا كان الرقم سوريًا، فيتم الإكتفاء بمحاولة إلغاء الحساب أو الصفحة، لأنه بالطّبع لن نستطع ملاحقته في سوريا.
OLX متعاونة جدًّا
موقع “OLX” هو منصّة عالميّة لتبادل السلع والخدمات ضمن صفقات تُرضي الطرفين، وذلك على نطاق 50 بلداً، وفق ما تعرّف الصّفحة عن نفسها عبر موقعها. ما يعني أنّه يمكن لأي شخص أن يعرض سلعًا للبيع على هذه المنصة، وبالطبع هناك حصّة للطيور النادرة.
لكنّ، لا يخفي صوّان عن التعاون الكبير معه من قبل الموقع لمكافحة تجارة الطيور النّادرة بشكل غير شرعي. ويشير إلى أنّه يراقب الصّفحة الخاصّة ببيع الطيور بشكل دائم؛ وبحال وُجد أي خرق، يقوم بإجراء “ريبورت” على السلعة المعروضة للبيع، فيحذف الموقع الإعلان تلقائيًا.
إلّا أن هذه الخطوة لا يمكن القيام بها على “فايسبوك” والصفحات التي يستحدثها غير اللبنانيين. فكيف يتمّ التصرف مع هذه الحالات؟
يلفت صوّان إلى أن التعامل مع الصفحات على “فايسبوك” أصعب من موقع “OLX”؛ فلا يمكن إلغاء “البوست” بسهولة. لذا يلجأ مع العديد من الخبراء البيئيين والناشطين إلى إجراء “ريبورت” للصفحة، الأمر الذي يؤدّي الى حذفها أو حذف الـ”بوست”، وهذا يتطلّب عدداً كبيراً من الـ”ريبورت” (أي إرسال تبليغات لإدارة الموقع).
لا رقابة على بيع الطيور في لبنان
يؤكد صوّان غياب الرقابة الكاملة على بيع الطيور في لبنان، قائلًا: “في احدى المرّات تمّ التّبليغ عن بيع أحد الطيور النّادرة في لبنان لكن لم يحرّك أحد ساكنًا. فاضطرينا كخبراء على مساومة البائع والاتفاق معه على شراء الطّير بـ90$، وبقيت الطيور الثلاثة، ذكر وأنثى مع فرخهما، بحوزتنا لمدة شهرين. وبعدما قررنا إطلاقها إلى الحريّة، تم إصطياد 2 منها بسبب الصيد العشوائي.
هنا، يرفع خبير الطيور الصّوت ويشدد على أنه لا يوجد رقابة على بيع الطيور في المحلات أيضًا إلا إذا تم رفع شكوى، مؤكداً أنّه كالعادة هناك فوضى في المواضيع البيئيّة؛ حتّى أنّنا توصلنا مع وزارة البيئة، فكانت الحجّة عدم وجود ضابطة بيئيّة وأنه “ما عم يخلّونا نشتغل”، لافتًا إلى أن هناك تهرّبًا من المسؤوليّة بشكل كبير.
ما هي الضابطة البيئية؟
الطبيعة اللبنانية تُستباح بشكل كبير ودائم “من دون حسيب أو رقيب” رسمي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ وزير البيئة الأسبق محمد المشنوق كان قد أعلن في العام 2016، إقرار مجلس الوزراء مرسوم إنشاء ضابطة وفقاً لقرار مجلس النواب رقم 2014/251، المتعلّق بتخصيص محامين عامين بيئيين وقضاة تحقيق في شؤون البيئة. لكنّه لم يُفعّل الى اليوم في المحافظات كافّة. فما هي أهمية الضابطة البيئية؟
بحسب المادة الثانية من المرسوم رقم 3989، بتاريخ 25/08/2016، المتعلّق بـ”انشاء ضابطة بيئية وتحديد عدد اعضائها وتنظيم عملها”، فلـ”الضّابطة البيئية صفة الضابطة العدلية في ما يتعلق بالجرائم البيئية وتتولى بهذه الصفة:
- ضبط الجرائم البيئية وذلك وفقاً لمحاضر ضبط يوضع نموذج خاص بها بموجب قرار يصدر عن وزير البيئة.
- تنفيذ التكاليف والانابات القضائية في ملاحقة مرتكبي الجرائم البيئية.
- تنفيذ الاحكام والمذكرات العدلية الصادرة بحق مرتكبي الجرائم البيئية”.
تتألّف هذه الضابطة من أربعين مراقباً بيئياً من الفئة الرابعة – الرتبة الأولى. لكن حتى اليوم، لم يتم تنفيذ ذلك القرار. لكن، ألم يحن الوقت لتعيين ضابطًا بيئيّا لكلّ محافظة كما نصّ القانون؟
وختامًا، لا يمكننا إلا أن نلفت النظر إلى أنّ شراء الطيور النادرة هو من هواية الأثرياء وهم أكثر من يقبل على هذا الموضوع. فهل سيعني هذا التصرّف غير الشرعي والمهدّد للطبيعة أي تحرّك من وزارة البيئة الغائبة بشكل دائم؟
ستيفاني راضي