منوعات

فضيحة “مناقصة الطوابع” كما ترويها شركتا INKRIPT و EDIT INK

منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، وُضع دفتر شروط للطوابع المالية على قياس مطبعة واحدة تحتكر طباعة “الطوابع”، وهي “INKRIPT”. ومع كل محاولة لإجراء مناقصة للطوابع، كانت تُلغى لتتم العملية “بالتراضي” مع المطبعة المذكورة، والتي تعود ملكيتها لـ”هشام عيتاني”، الذي تربطه علاقة وثيقة بالنائب نهاد المشنوق ونادر الحريري.

وضعت وزارة المالية، ولأول مرة عام 2019، دفتر شروط بمواصفات عالمية لطوابع مع لاصق ذاتي self-adhesive، لاغية بموجب هذا الدفتر الاحتكار الذي كان قائمًا، إلّا أنّه وبالرغم من إيجابية هذه المبادرة، تمّ إعطاء المناقصة في نهاية المطاف للجيش اللبناني، بالرغم من فوز شركة edit ink، ليتبيّن فيما بعد أن شركة عيتاني هي التي عادت وأخذت المناقصة. فما الذي حصل؟

يوضح عضو مجلس إدارة شركة “edit ink”، آلان كردي، في حديث لـ”أحوال”، أنه تمّ إجراء أول مناقصة في منتصف عام 2019، وتقدّمت إليها أربع شركات، مطبعتان لبنانيتان وشركتان لبنانيتان وكيلتا مطابع أجنبية، وعندما عُرف أن شركتين لبنانيتين من خارج المطابع اللبنانية قدّمت عروضًا، تمّ إلغاء المناقصة قبل لحظات من فضّ العروض بسبب تدخل “الوساطات”، بحسب تعبيره، مشيرًا إلى أنه بعد تدخّل المتضررين من فتح باب المنافسة عبر “نقابة المطابع اللبنانية”، عدّل المدير العام لوزارة المالية آنذاك، آلان بيفاني، دفتر الشروط وأضاف شروطًا “شبه تعجيزية” للمنافسة، أبرزها: “أفضلية 10% للمطابع اللبنانية، التسعير والقبض بالليرة، وتقديم عيّنات بوقت قياسي جدًا”.

ويتابع كردي قائلًا: “أُجريت المناقصة الثانية في تاريخ 2020/05/29، وتم رفض كل العروض باستثناء عرض “المطبعة اللبنانية المحتكرة”، وذلك بحجّة أن المواصفات التقنية غير مطابقة، فتقدمت شركتنا بكتاب اعتراض إلى وزارة المالية ودائرة المناقصات.

بعد ذلك، أجريت مناقصة ثالثة في 2020/07/27، ورغم كل الشروط التعجيزية ربحت شركتنا المناقصة بنسبة 12% أقل من غيرها لطباعة 163 مليون طابع، بكلفة 8 مليار ليرة أي حوالي 900 الف دولار، وقد تم تحويل المناقصة إلى وزارة المال لكنها وُضعت في الأدراج رغم فقدان الطوابع من السوق، إلا أنه عند المراجعة ومتابعة الملف، تبيّن لنا حصول مراسَلة بين “المالية” والجيش اللبناني قبل استدراج المناقصة الثالثة بأسبوع، لمعرفة مدى جهوزيتها لطباعة الطوابع، حيث أتى جواب الجيش بعدم قدرته على طباعة الطوابع المطلوبة، إلا في حال دفعت وزارة المالية سلفًا وبالدولار الأمريكي سعر شراء الماكنات والأوراق و الحبر اللازم” .

أمّا بتاريخ 2020/09/02، يضيف كردي لموقعنا، “فقد قام وزير المالية غازي وزني بالموافقة والتوقيع على المناقصة، بالإضافة إلى تأمين الاعتماد المطلوب في وزارة المالية، كما أرسلت الوزارة في 2020/09/14 ملف المناقصة الموافق عليها من الوزير إلى ديوان المحاسبة، الذي طلب بدوره، وتحديدًا في 2020/10/14، أي بعد شهر، توضيحات من وزارة المالية بالإضافة إلى طلبه من شركتنا تخفيض السعر، فردّت الشركة بكتاب مفصّل شرحت فيه أن السعر المعروض مدروس جدًا وارخص من الطابع المتداول حاليًا، ولكن سعر صرف الدولار اختلف”.

من هنا، يوضح كردي أن الشركة قدمت 5,000,000 طابع مجاني، وبذلك عندما تبيعها وزارة المالية تحقّق ربحًا يصل إلى 8,5 مليار ليرة، أي أكثر من كامل سعر المناقصة.

ويكشف عضو مجلس إدارة شركة “edit ink”، أنه في تاريخ 2020/10/26 رفض ديوان المحاسبة المناقصة بقرار صدر عن القاضية “نيلي أبي يونس”، لكن تبيّن في ما بعد أن رفضه كان مبنيًا على مغالطات عدّة، بحسب كردي، الذي فنّدها قائلًا: “أبرز تلك المغالطات كانت: أولًا، ذكر أنه طلب من المطابع اللبنانية في المناقصة أن تكون مسجّلة في نقابة المطابع، ولم يطلب من الشركة الوكيلة للخارج أن تقدّم وكالتها الحصرية، موضحًا أن هذا الأمر غير صحيح لأن المناقصة تنصّ، في المادة الثانية فقرة 12، على وجوب تقديم الوكالات الحصرية والمصدّقة حسب الأصول، وثانيًا، ذكر أن دفتر الشروط لم يتضمّن أحكامًا تتعلّق بكيفية محاسبة الملتزم، وهذا الأمر غير صحيح أيضًا لأن المناقصة تنصّ على ذلك في المادة العاشرة والحادية عشر”.

أما ثالثًا، يتابع كردي في حديثه لموقعنا، “فقد دعا الديوان الجيش لتقديم عرض للطباعة، فقدّم الأخير عرضين بمواصفات مختلفة تمامًا وأقل من تلك المطلوبة في المناقصة، وهو أمر مخالف للقانون بما أن الشركة سبق لها أن ربحت المناقصة”، لافتا إلى أنّ “ما حصل في الديوان سابقة لا مثيل لها، حيث بدل أن يقوم بعمله وهو التدقيق، قام بإجراء نوع من استدراج عروض من طرف واحد وهو “الجيش اللبناني،” غير المشارك بالمناقصة أصلًا، فأدخل عرضًا للجيش “للمنافسة”، ولكن بمواصفات لا علاقة لها بتلك المتعلقة بالمناقصة”.

وانطلاقًا مما ذُكر، يسأل كردي: “هل هذا من صلاحيات الديوان؟ هل ما حصل قانوني؟ هل رفض الديوان يعود إلى كون الشركة الفائزة ليست تابعة لأي حزب أو طرف سياسي؟ لماذا لم يطلب الديوان من الشركة الفائزة عرض أسعار لمواصفات مختلفة، إذا كان المطلوب هو التوفير على الخزينة؟”، لافتًا إلى أنه بالرغم من وجود مناقصة موافق عليها من قبل الوزير، وفازت بها شركة لبنانية، قام الديوان باستدراج عروض وتكليف مطبعة لبنانية بطباعة 1,000,000 طابع، وهذا مخالف للقانون بوجود فائز بالمناقصة، بالإضافة إلى توقيعه، في 2020/11/6، عقد اتفاق رضائي مع الجيش لطباعة 20 مليون طابع بمواصفات مختلفة جدًا عن المطلوب وبدائية وطبعًا بسعر أرخص من المناقصة، بشرط الدفع سلفًا.

ويختم كردي في حديثه لموقعنا: “في 2020/11/11، تقدمت الشركة الفائزة بالمناقصة بكتاب لمدعي عام الديوان، “فوزي خميس”، طالبة منه إعادة النظر بالملف إحقاقًا للحق ورفعًا للظلم، كما أوضحت في الكتاب نفسه أنها مستعدّة لطباعة نفس الطوابع المعروضة من قبل الجيش اللبناني، بأقل كلفة بنسبة 15% عنه، وبالتالي توفير إضافي للخزينة، وهي الأحق في التلزيم إذ سعرها هو الأرخص، ولكن لم يُعاد النظر بالملف وأخذ الجيش اللبناني المناقصة بعد أن طالب الوزارة بدفع نصف قيمة المناقصة، إلا أنه الجيش أوضح أنه لن يستطيع طباعة سوى 20 مليون طابع فقط، فلزمت الشركة المحتكرة للمناقصات مليون طابع باستدراج عروض، وقدّمتهم إلى الدولة”.

وعلى الضفة الموازية، تشير مصادر مطلعة على الملف في حديثها لـ”أحوال” إلى أنّ الجيش اللبناني يعاني من مشاكل في طباعة الطوابع، وسيعجز عن تسليم 20 مليون طابع في 20 كانون الاول، لأن الآلات لا تعمل ونوع الورق الذي يستخدمه سيّء، وبالتالي فإذا عجز الجيش عن التسليم في الموعد المطلوب، قد تلجأ الوزارة إلى مناقصة جديدةّ، في حين بدأت الطوابع تختفي من السوق، حيث شكا عدد من المخاتير والمواطنين من فقدان الطابع المالي من فئة الألف ليرة”.

بدورها، ترد مسؤولة العلاقات العامة في شركة Inkript ، غنى رمضان، على الاتهامات التي وُجّهت ضدّ الشركة، من احتكار للسوق وغيرها، موضحة في حديث لموقعنا أن Inkript هي شركة رائدة في مجال الطباعة الآمنة، تأسست في العام 1973 أي منذ ما يقارب الخمسة عقود، وقد قامت منذ ذلك الحين بتصنيع المنتجات وتنفيذ المشاريع في القطاعين العام والخاص بأفضل التقنيات، مع اعتماد أعلى معايير الجودة والنوعية في جميع المنتجات التي كانت ومازالت تصنعها في لبنان.

من هنا، تؤكد رمضان أن أول مناقصة طوابع شاركت فيها Inkript كانت عام 1998، لتشارك بعد ذلك، وتحديدًا بين عامي 1998 و2016، بعدّة مناقصات للطوابع اللبنانية، وتفوز بمعظمها على أساس أفضل عرض تقني ومالي، مشدّدة بالمقابل على أنه منذ العام 2016 لم تطرح الحكومة اللبنانية أي مناقصة جديدة تتعلق بالطوابع، في حين أن “المناقصة الأخيرة أصدرت بعدد من المواصفات، ولكن خسرت شركتنا بفارق 2% بين السعر المقدّم من قبلها والسعر المقدّم من قبل الشركة الفائزة، مع الإشارة الى إن الشركة الفائزة قد طلبت الدفع في الخارج”، بحسب رمضان.

أما عن كيفية حصول الشركة على تلزيم لمليون طابع، بعد أن خسرت المناقصة وتم تسليم مهمة طباعة الطوابع إلى الجيش، تقول رمضان: “قبل تسليم الجيش مهمّة الطباعة، كانت الحكومة اللبنانية قد أطلقت مناقصة لطباعة كمية محدّدة من الطوابع، وذلك بهدف إسعاف السوق وتأمين احتياجاته، في الوقت الذي كانت شركة Inkript تقوم بتصنيع الطوابع قبل تسليم المهمة للجيش عقب فوزه بالمناقصة”.

وفي سياق متصل، وفي ما يتعلّق بالعلاقة التي تربط صاحب شركة Inkript، السيد هشام عيتاني بالنائب نهاد المشنوق ونادر الحريري، تؤكد المسؤولة عن العلاقات العامة في الشركة أن “أي رابط شخصي قد يجمع “هشام عيتاني” وأي طرف آخر، ليس له أي تأثير أو علاقة بأعمال شركة Inkript ، مشدّدة بالتالي على أن “هشام عيتاني” وبصفته رجل أعمال، لا يتعاطى السياسة أو الشأن العام، وهو على مسافة واحدة من جميع الأطراف.

باولا عطية

باولا عطية

كاتبة وصحافية لبنانية. تحمل شهادة الماجستير في الإعلام الاقتصادي والتنموي والإجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية. والإجازة في الصحافة والتواصل من جامعة الروح القدس الكسليك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى