سياسة

صراع الخطوط ينسف الجولة الخامسة من الترسيم ولبنان ثابت على حدوده

قُبيل يومين من موعد انعقاد جولة جديدة من مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان ودولة الاحتلال الإسرائيلي طارت الجلسة الخامسة في مهب التأجيل إلى أجلٍ غير محدّد، بعد تسجيل صراع بين خطوط الانطلاق من عملية الترسيم. ففي حين يتمسّك لبنان بحقوقه البرّية والبحرية تتنصل إسرائيل بـ”التشاطر” و”التذاكي” لقضم الحقّ اللّبناني. هذه التعقيدات التي لم تُعجب إسرائيل دفعت بالوسيط الأميركي إلى تأجيل الجلسة واستبدالها بجلسات جانبية بين الطرفين كل على حدة.

ترحيل المفاوضات جاء بعدما تبلّغ لبنان رسميًا من الجانب الأميركي تأجيل جولة التفاوض المرتقبة هذا الأسبوع مع إسرائيل بشأن ترسيم الحدود البحرية، وفق ما أفاد مصدر عسكري، في خطوة جاءت بعد سجالات خاضها وزير الطاقة الإسرائيلي وإعلام بلاده منفردًا زعم فيها أنَّ لبنان بدّل مواقفه بين جلسة وأخرى حول مساحة المنطقة المتنازع عليها، ما استدعى ردًا من رئيس الجمهورية ميشال عون أكّد فيه على موقف لبنان الثابت في تحصيل حقوقه البرّية والبحرية دون نُقصان.

وفي حين أفاد المصدر العسكري اللّبناني تبلّغ لبنان رسميًا تأجيل جلسة المفاوضات غير المباشرة، أشار إلى أنه “تمَّ استبدالها بجلسة خاصة مع الجانب اللّبناني”، من دون تحديد الأسباب، لافتًا إلى أنّ الجانب الأميركي هو من طلب التأجيل. فيما أكّدت مصادر متابعة أنّ الدبلوماسي الأميركي جون ديروشر، الذي يضطلع بدور الراعي في جلسات التفاوض، سيحضر إلى بيروت في موعد الجلسة، التي كانت مقرّرة الأربعاء في ضيافة قوّات الأمم المتّحدة الموقتة في جنوب لبنان في منطقة الناقورة. وأضاف “لاستكمال النقاشات ومحاولة إيجاد أرضية مشتركة للعودة إلى طاولة المفاوضات”.

 

حرب الخرائط

في خضم حرب الخرائط التي تصدّرت مشهد الجلسة الرابعة الأخيرة بين المفاوضين تبيّن أنّ هناك موقفين يتصارعان، الأوّل لبناني ويرتكز على الاتفاقيات الدّولية والقانون الدولي للبحار، وينطلق الخطّ من رأس الناقورة، في حين أنّ وفد العدو الإسرائيلي يتحايل من خلال تغيير نقطة الانطلاق البحرية من رأس الناقورة شمالًا، على بعد ثلاثين مترًا بهدف كسب مساحات إضافية في البحر.

وفي حين تقدَّم لبنان مطالبًا بحقوقه جنوب المنطقة البحرية، أراد مفاوض دولة الاحتلال الإسرائيلي أن يحصُر التفاوض ضمن خط “هوف” على مساحة 860 كم2 مع لحظ صخرة “تخليت”، التي توصّفها إسرائيل باعتبارها جزيرة بينما هي صخرة غير قابلة للسكن أو الحياة فيها ولا تنطبق عليها المادة 121 من اتفاقية البحار الصادرة عام 1982.

على خلفية خلافات بين الجانبين، لم يكن التأجيل مفاجئًا لبيروت بعدما وصلت المفاوضات إلى نقطة حساسة، في البحث حول المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان والتي تريد إسرائيل أخذ جزء منها في حقل “باريش” النفطي. ويرفض لبنان أن تفرض عليه إسرائيل شروطًا لا يريدها أو التنازل عن حقوقه تحت وطأة الأزمات التي يعيشها.

بات جليًا أنّ إسرائيل كانت تستعجل المفاوضات يقينًا منها أنّها ستحقق إنجازات أكبر في عهد الرئيس المغادر دونالد ترامب الذي كان بدوره يرغب في تسجيل إنجاز في منطقة الشرق الأوسط يضيفه إلى ملف حملته الانتخابية. وتهيّأ لإسرائيل أو شُبِّه لها أنّها ستتمكن من فرض شروطها على لبنان الذي يعاني من أزمات مالية واقتصادية قد تدفعه للسير “كيفما كان” لتسريع الاستفادة من العائدات النفطية وهو ما لم يحصل عليه بعد خسارته السباق إلى البيت الأبيض. وفي الفترة الانتقالية ما بين التسلّم والتسليم بين ترامب وخليفته جو بايدن ستبقى جولات المفاوضات منفردة بين الأميركيين واللّبنانيين وبين الأميركيين والإسرائيليين بحسب مصادر متابعة حتى تتبيّن معالم توجهات الإدارة الأميركية الجديدة.

سياسة البلطجة الإسرائيلية لم تنفع مع لبنان وهي لا تريد لهذا الملف أن يمتد لوقت طويل دون بتّه في حين تخشى في أي مواجهة مستقبلية مع لبنان أن تكون هذه المنطقة الغنية بالغاز هدفًا لضربات المقاومة اللّبنانية. وبالنسبة إلى لبنان سيبقى متمسّكًا بحقوقه وبالأسس التي باشر بناءً عليها عملية التفاوض دون نقصان.

 

“حقنا وحق ولادنا. ما حنفرط بحق شعبنا”

2290 كلم “هيدا حقنا”، هكذا اختصر الوفد اللّبناني موقف لبنان “إلى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، وفي فيديو نشره رئيس الوفد العميد الركن الطيّار بسام ياسين على صفحته الخاصة على منصة “فايسبوك” قبل أيام تضمن الثوابت اللّبنانية: “ترسيم مش يعني تنازل” “التفاوض سلاح”، “حقنا وحق ولادنا ما حنفرط فيه”، “رايحين وكل العالم معنا والقانون الدّولي معنا”، “بوحدتنا منسترجع ثروتنا”، ويستعرض الفيديو صور أعضاء الوفد اللّبناني إلى مفاوضات الترسيم غير المباشرة وخرائط خطوط الترسيم.

بالرغم من التشويش الإسرائيلي، فإنّ موقف لبنان ثابت فيما خص المفاوضات غير المباشرة في موضوع الترسيم البحري وفقًا للتوجيهات التي أعطاها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى الوفد اللّبناني المفاوض، لا سيّما لجهة ممارسة لبنان حقّه السيادي. ويستند لبنان خلال هذه المفاوضات على القانون الدّولي واتفاقية الهدنة ورسائل لبنان المتعلقة بهذا الشأن المودعة لدى الأمم المتحدة، ويقع ضمن هذه الخرائط التي يتمسك بها لبنان وتوجد فيها البلوكات النفطية 9 و8 إضافة إلى حقل “كاريش” الغازي الذي تعتزم إسرائيل التنقيب فيه ويقع على بعد أربعة كيلو مترات عن البلوك 8 وعن البلوك 9 ستة كيلو مترات فيما يبعد البئر التجريبي الذي حفرته 15 كيلو مترًا.

ويخوض لبنان مفاوضات تقنية وغير مباشرة مع العدو الإسرائيلي لترسيم الحدود البحرية جنوبًا، بدأت في 14 تشرين الأوّل الماضي، واستكملت في 28 و29، وعقدت الجولة الرابعة في 11 تشرين الثاني. وحتى موعد الجلسة المشتركة المقبلة فإنّ الوسيط الأميركي سيعمل وفق المصادر على وتيرة سريعة لفتح ثغرة في جدار الموقفين بخاصةِ التعنت الاسرائيلي الذي رفض عبر ممثله في المفاوضات ووزير الطاقة الحقوق والمطالب اللّبنانية التي حملها الوفد اللّبناني برئاسة العميد ياسين بتوجيهات من رئيس الجمهورية.

هل ستشهد مفاوضات ترسيم الحدود تأخيرًا لأسابيع أم شهور؟ هل إلى ما بعد العملية الانتقالية من إدارة ترامب إلى إدارة بايدن، أم هل سيكون هناك مزيد من التأخير إلى أجل غير معروف على وقع لحظة إقليمية جديدة؟ يمكن أن يكون هذا أيضًا تحولًا في التكتيكات الإسرائيلية والأميركية بعد اغتيال العالم الإيراني فخري زاده وتبعات هذه العملية العسكرية والأمنية في المنطقة.

 

رانيا برو

 

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى