منوعات
أخر الأخبار

“1982”… فيلم يعيد نادين لبكي إلى صفوف المدرسة

قصة حب بعيداً عن توصيف الحرب

في بداية شهر تشرين الأول ستشهد صالات لبنان عرضاً مميزاً لفيلم “1982” للمخرج وليد مونس، الذي حط رحاله في بيروت بعد جولة عربية وأجنبية، وعرض في مهرجانات عالمية وعربية، في تحدٍ لجمود الحركة الثقافية بسبب جائحة كورونا التي تجاوزت حدود الترابط، إلّا أنّ شركة أم سي بالتعاون مع VOX كسرت الحظر في عرض صحافي خاص وأكدت على التباعد في عرض إعلامي للفيلم.

فيلم “1982” يعيد إلى الذاكرة ألم الحرب والأزمات التي مرّت في تلك المرحلة، حيث كانت الحرب التي سمّيت بالأهلية آنذاك في أوجها، ومع هذا كان الناس يتقاربون ويجتازون الحواجز من أجل تجارة ما أو تعليم أو حتى معاينات.

نادين لبكي ووليد مونس

جمع المخرج وليد مونس في فيلم “1982” جزءًا من ذكرياته الشخصية خلال فترة الاجتياح الإسرائيلي للبنان، حيث كان تلميذاً على مقاعد الدراسة في مدرسة جمعت طلاباً من كل المناطق اللّبنانية، هو بارز في الحوار بين “الشرقية والغربية”.

واختار مونس تصوير أحداث فيلمه في المكان الحقيقي الذي بدأت فيه قصته، وهو مدرسته الأصلية التي تقع بمنطقة برمانة في لبنان، والتي لم تتغيّر إلى الآن. ولأنّ الشخصية الأساسية في الفيلم هي شخصية طفل في العاشرة من عمره وأسماه وسام، الذي تدور حوله الأحداث، واختار طفلاً رأى فيه تقارباً لحالة تشبه حالة طفولته.

في الفيلم سرد لرؤية عاطفية بين الطالب الصغير وسام والطالبة الصغيرة جوانا لا يعرف عنها سوى أنها تجتاز مع والدها خطوط التماس من الغربية إلى الشرقية وهو معجب فيها، يكتب لها الرسائل للبوح بحبّه من دون توقيع، راسماً قبلة على الورق وبسمة على ثغر حبيبته الصغيرة. وسام تلميذ صاحب خيال واسع، يبتكر لنفسه شخصية تفوق قوّة غرانديزر الذي سيأتي ليخلص لبنان من أتون الحرب الأهلية، يرسمه ويتخايله نجمة تلمع في السماء، تقترب كلّما اقترب الخطر، لكنّه يبقى رسمة على ورق إلى أن يحين وقتها.

نادين لبكي في لقطة من الفيلم
نادين لبكي في لقطة من الفيلم

ولا يخفي وليد مونس مروره على مشاعر ناضجة في قصة حب بين الأستاذة “نادين لبكي” والأستاذ “رودريغ سليمان” التي فيها تحدٍّ واضح لرفضهما الحرب التي تسعى لإبعادهما على رغم ترابطهما العاطفي، ولكن سياسة الحرب تؤثر على اقتراب العائلتين.

سردية فيلم “1982” لا تمثل أحداثاً متتالية بل تختصر الحدث الكبير في يومٍ واحد، حيث كان الطلاب يخضعون للامتحانات النهائية، ويتحضرون لعطلة صيفية مليئة باللّعب والفرح، قبل أن يعودوا إلى استكمال دراستهم.

وانطلاقاً من هذه النقطة حدّد المخرج موضوع فيلمه ليكون أوّل فيلم له تأثير شخصي مع أنه أثّر على عامة الشعب اللّبناني من جراء الاعتداء الغاشم على لبنان”، قدّم خلال الفيلم صورة من ذاكرته عن القصف الذي ألهب السماء، ولم ينسَ رغم مرور السنين هذا اليوم إلى الآن.

لقطة من الفيلم

تخرق أولى لحظات الاجتياح الإسرائيلي الغاشم على لبنان أجواء المدرسة خصوصاً أنّه يقترب من أسماع الطلاب والمدرسة الهادئة الساكنة بين شجر الصنوبر وغابات مليئة بالجمال وطيب النسائم، تنكسر صورة الجمال لتقتل سكينتهم باختراق طائرات العدو الإسرائيلي جدار الصوت، فينكسر الصمت، ويرسم نظرات رعب بين الطلاب والأساتذة، خصوصاً المدرّسين العاشقين، حيث يحاول الأستاذ طمأنة حبيبته بأن ما تسمعه ليس سوى جدار للصوت، يخترق صمت نظراتها المعاتبة له.

فعلاً تسير الأحداث في يوم بين الخلاف والعتاب والحوارات الطفولية، إلّا أنّ المؤثرات الصوتية تجعلنا نتذكر تلك الطائرات، بالصوت والقصف ومشاهد الآليات العسكرية التي تجتاح المناطق اللّبنانية استعداداً لحصار بيروت واجتياحها.

فقد عمل المخرج وفريق عمله على المؤثرات الصوتية والبصرية، وحتى الإضاءة التي نقلت الحالة النفسية سواء للطلاب أو الأساتذة وحتى الإداريين، مع أنّ الفيلم سار بوتيرة بطيئة ولكنّها ثوانٍ مليئة بالترقب لحدث ننتظره، الحالات العامة بين الطلاب المراقبين لأصوات القصف وهو يقترب، تذكّرنا بأحداث طفولتنا كجيل الحرب، ربما كنّا في عمر يقارب عمر الطلّاب لهذا قد نسمع ضربات قلوبهم المتصاعدة خوفاً.

لقطة من الفيلم

وفجأة تهزّ  أصوات القذائف صالة السينما حين يبدأ القصف في أحداث الفيلم، ويظهر المخرج وليد مونس تفاصيل الحالة التي كانت تحصل، فينقل أسراب الطيور التي كانت تعجّ بالسماء منطلقة من الغابة قرب المدرسة، إلى طيران يحلّق فينشر الرعب. وأصوات القصف وحالة الرعب والهلع التي تدور في أروقة المدرسة، والهواتف التي لا تتوقف عن الرنين وفجأة تقطع جميع الاتصالات، وزحمة الأهل ووسائل النقل التي عجّت أمام المدرسة لأهل سارعوا لاصطحاب أبنائهم.

والأكثر صدقاً في المشاعر هي براءة الأطفال من خلال أسئلتهم بعد مشاهدتهم لصراع طائرتين سورية وإسرائيلية فوق سماء لبنان فتنفجرإحداهما، وعندها يسأل الطفل أمّه، (نحن مع من؟) سؤال لم تجد الأم الرد عليه، سوى ببعض العبارات التي تنم عن رعب وخوف من الآتي.

في خضم النهاية المؤثرة ومشهدية دمار بيروت والنيران المشتعلة في شوارعها والتي كانت صورتها واضحة في منطقة برمانا حيث دارت أحداث الفيلم، يبرق في السماء نجم “صورة خيال رسمها الطفل لبطله” تقترب النجمة لتتجسد ذاك البطل الذي يرسم هالة حول بيروت ويوسعها ليطفئ النيران فيها ويبث في شوارعها ألوان الفرح. وهنا تختلف الصورة المتقنة والاحترافية، ليحافظ المخرج على شكل الرسمة الطفولية على رغم عدم دقتها، ربما ليبقي رسمة البراءة التي تحلم بالسلم والأمان.

ينتهي الفيلم بانتهاء مغادرة الطلاب المدرسة في رسالة للقاء وفراق بينهم، فالطفل وسام حرص على أن تكون حبيبته معه في الحافلة، لأنّه يحفظ توقيت مشوارها عند جدّتها ويصدف يوم الاجتياح، ويرتاح كونها عرفت حقيقة رسائله، وبين فراق الأستاذ لحبيبته كونها لم تصعد معه في رحلة العودة إلى منزلها، بل فضلت التوجه إلى بيروت للاطمئنان على والدها الراقد في المستشفى. مشهد مؤثر يروي الكثير من الأسى والألم.

يذكر أن فيلم “1982” روائي طويل وذات طابع محلّي، إلّا أن أحداثه ودقة التفاصيل جعلته في دائرة المنافسة في المهرجانات العالمية، فقد شارك فيلم “1982” في مهرجان الجونة السينمائي في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، كما عُرض في النسخة الأخيرة من مهرجان تورنتو، وحصل على جائزة أفضل فيلم آسيوي، كما رشحته وزارة الثقافة اللّبنانية ليمثل لبنان في مهرجان “أوسكار 2020” عن فئة الفيلم الأجنبي، التي تنظم من أكاديمية الفنون وعلوم الصور المتحركة في الولايات المتحدة الأميركية.

هناء حاج

هناء حاج

كاتبة وصحافية لبنانية، درست الصحافة في كلية الاعلام والعلوم السياسية في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية. عملت في الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة في العديد من المؤسسات اللبنانية والعربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى