منوعات

لهذه الأسباب لن يسقط لبنان

تتزايد معاناة اللّبنانيين جرّاء تمدّد الأزمات السياسية والاقتصادية، في وقت لم يرتقِ فيه السياسيون إلى مستوى الآمال الشعبية بفرض حلول مستدامة قائمة على أسس جوهرية: قانون انتخابات وطني موسّع، إصلاحات وطنية شاملة.

كان يعتقد اللّبنانيون أنّ عملية تأليف الحكومة لن تطول، إنطلاقًا من المسؤولية الوطنية التي تفترض وجود تنازلات سياسية شاملة ومتبادلة. لكن القوى السياسية خيّبت آمال الشعب اللّبناني مرّة جديدة. وكأنّ البلد يحتمل مزيدًا من التشنجات والنزاعات وممارسة الشروط المتبادلة.

بجميع الأحوال، لا تُظهر المعطيات أنّ هناك مخارج مُتاحة حتى الآن، لاستيلاد حكومة تضع حدًا للانهيار الحاصل. لكن هناك مؤشرات توحي بوجود بدائل واضحة تمنع سقوط لبنان. أوّلًا، يدخل إلى لبنان شهريًا مئات ملايين الدولارات، هي موزّعة على الشكل التالي: مال سياسي تتلقاه بعض الأحزاب والشخصيات، وتمويل السلطة الفلسطينية لموظفيها وحاجات اللّاجئين المنضوين تحت رايتها في لبنان، ودعم المنظّمات الدولية للجمعيات واللّاجئين السوريين. إضافة إلى تحويلات مالية تصل من المغتربين إلى ذويهم في لبنان. أهمية تلك الأموال أنها عملة “طازجة” من الدولار الأميركي تساهم جميعها في إبقاء الدورة الاقتصادية حيّة نسبيًا، وتمنع وصول اللّبنانيين إلى حافة الإفلاس. كما ساهم من جهة أولى الاستغناء عن العدد الأكبر من العمّال الأجانب في منع إخراج العملة “الصعبة” إلى خارج البلد، ومن جهة ثانية تقشّف اللّبنانيون في الاعتماد على عناصر استهلاكية أجنبية لم تعد متوافرة بشكلها السابق.

لكن مخاطر الاعتماد فقط على تلك العناصر تساهم في تحلّل مؤسسات الدولة التي يُفترض أن تُشكّل ركن النظام الاقتصادي، لتمرّ عبرها كل العمليات، لا أن تُصبح البدائل المُشار إليها هي سبُل النجاة من السقوط الاقتصادي والمعيشي.

أمّا الأسباب المهمّة التي تحقّق أيضًا استقرار المجتمع فهي تكمن في صلابة ووطنية وتضحيات القوى العسكرية والأمنية. وهنا يمكن الإشارة تحديدًا إلى مكانة قائد الجيش العماد جوزيف عون الذي استطاع أن يُبعد المؤسسة العسكرية عن التطاحن السياسي، وجنّب البلد مزيدًا من الأزمات القاتلة. فلنتخيّل لو كان قائد الجيش منحازًا إلى جانب فريق سياسي، أو هو دخل في إطار السباق الحاصل بين القوى السياسية. عندها لن يكون الجيش ضمانة للمواطنين الذين يجدون الطمأنينة الوطنية في المؤسسة العسكرية.

كما أنّ تصرّف القوى الأمنية إلى جانب الجيش في حماية المجتمع اللّبناني من المخاطر الإرهابية، ومنع انزلاق البلد إلى أتون المواجهة المفتوحة أبقى لبنان آمنًا حتّى الساعة. لذا، فإنّ المثل القائل: الأمن أفضل عيش، ينطبق على واقعنا اللّبناني، بينما المواطنون يتوقون كي يكون أيضًا: العدل أفضل جيش، لكنّ الأزمات السياسية طالت الجسم القضائي فهزّت العدل.

لم يبقَ للّبنانيين إلّا الأسباب المذكورة أعلاه ضمانة لعدم السقوط في الهاوية التي يتواجد لبنان على مشارفها. ومن هنا يجزم العالمون بأمور الأمن والاقتصاد، استنادًا إلى تلك العناصر الجوهرية، بأنّ لبنان سيكون عصيًّا على السقوط.

 

عباس ضاهر

عباس ضاهر

كاتب وصحافي لبناني. باحث متخصص بإدارة الأزمات والخطاب السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى