سياسة

ألكسندر دوغين.. العقل الخطر للقيصر

يصعب إيجاد صفة واحدة لألكسندر دوغين “عقل بوتين” “الفيلسوف” الخبير الاستراتيجي” و”المنظر”، إلا أنه يمكن التأكيد أن الرجل بات هدفاً للاستخبارات المعادية لروسيا وقد يكون هو المقصود في عملية اغتيال ابنته.

عُرف دوغين، صاحب النظريات الجيوبوليتيكية، بمواقفه الجريئة وكتب ما يزيد عن 60 كتاباً، أبرزها “أسس الجيوبوليتيكا” الذي نظّر فيه كيف على روسيا التحرّك ضمن فضاء مناهض للزعامة الأميركية.

يحمل في عقله وروحه مزيجاً من القومية الروسية والعقيدة المسيحية الأرثوذكسية. وهو من أبرز منظّري التحالف بين روسيا الأوراسية وبين إيران الأصولية.

الإعلام الغربي طالما يحذّر من خطورة الرجل الذي رسّخ حضوره خلال أكثر من 20 عاماً، نتيجة قربه من مركز اتخاذ القرار في الدولة، مساراً جديداً أزعج الولايات المتحدة ولايزال.

ولا ينفك الإعلام الغربي وكبريات المؤسسات الصحافية الأميركية بتوصيفه بـ”العقل الخطر” و”اليميني” و”المتطرف” وأيضاً “العقل القاتل”.!

في منتصف التسعينيات، انتشرت أفكار دوغين -وهو ابن جنرال في جهاز الاستخبارات العسكرية- بين النخبة الروسية، وخاصة في الأوساط العسكرية وجهاز الاستخبارات. وهو من وصفه أحد كبار السياسيين الأوروبين بأن “دوغين بلحيته التي تجعله يشبه رجال الرهبنة الأرثوذكسية، أصبح شريكاً ايديولوجياً في الحكم، ولو خلف الأضواء”.

خلال سلسلة من الأحداث الفارقة في المنطقة أطل المفكر الروسي، على جملة أحداث حيث تعرف إليه الجمهور اللبناني والعربي.

وقبل أقل من شهر من انطلاق ثورة 17 تشرين الأول في لبنان، وتجدّد الثورة الشعبية في العراق، وقبل أشهر قليلة من اغتيال الجنرال قاسم سليماني قرب مطار بغداد.. وبعد تفوّق إيران وحلفائها في الصراع السوري، وحماوة حرب الاستنزاف داخل اليمن، وبعد أشهر من إسقاط الطائرة الأميركية دون طيار قرب مضيق هرمزّ، حيث شهدت بيروت في 23 أيلول 2019، مؤتمراً تحت عنوان “الوصول إلى الحقيقة والسلام، تحدّيات وفرص”، بتنظيم من منظمة “الأفق الجديد” الإيرانية “أفق نو” بحضور ألكسندر دوغين نفسه.

تحدث دوغين خلال المؤتمر فاعتبر أنّ “تقرير مصير العالم كله يجري في الشرق الأوسط، لأنه النقطة التي تجتمع فيها جميع التيارات، وهو مركز العالم الروحي”. وأضاف: “كلّ ما يحصل فيه مرتبط بالأماكن المقدّسة في المنطقة، من النجف إلى قم، فطهران، فمشهد، فبيروت، وبعد ذلك في بغداد. هذه هي الحرب المقدّسة التي يتهموننا خلالها أنّنا إرهابيون. هم الإرهابيون”.

وقال دوغين إن روسيا لا يمكن أن تكون مجرّد “الدولة – الأمة” كسائر الدول الأوروبية الحديثة، أي دولة قومية روسية بحدود واضحة. وذلك لأنه بحسب ادّعاء دوغين، تنزل الكوارث بروسيا كلما حاولت الانحشار في حدود ضيقة، ولأن الروسي هو إمبراطوري في طبعه، ويضحّي بأيّ شيء من أجل الحلم الروسي. وهذا الحلم هو الإمبراطورية في أقل تقدير.

وعن علاقة العالم الإسلامي بهذه الإمبراطورية الروسية المطلوب إنشاؤها، يقول دوغين إنّ الإمبراطورية الأوراسية تحتاج إلى قطب جنوبي، يمتدّ على حدودها وصولاً إلى أفريقيا الغربية فيما يسمى “الخلافة الجديدة”.

لكن بما أنّ العالم الإسلامي مشتّت، فالخيار هو التحالف مع إيران ومعها الدول العروبية، لا سيّما سوريا، لأنّها معادية للأطلسية الغربية، بدلاً من تركيا العلمانية والسعودية.

حول الصراع العربي-الإسرائيلي توقع دوغين في مقابلة مع وليد شرارة في جريدة “الأخبار”، أن “أيّ حرب كبرى ستؤدي إلى نهاية إسرائيل، مهما كانت نتائجها في الجبهة المقابلة، وإلى نهاية الوجود الأميركي في الإقليم”.

اللافت دور دوغين في السنوات الأخيرة في ترميم العلاقات الروسية التركية بعد أزمة 2015، وفي إبلاغ تركيا بالمحاولة الانقلابية عام 2016. هنا حصل خرق استراتيجي حقّقته براغماتية بوتين وأيديولوجية دوغين، في الحزام الجنوبي الذي كان يطوّق الاتحاد السوفياتي السابق أيام الحرب الباردة.

يجزم مستشار القيصر الروسي بأن مسار إخراج الولايات المتحدة من الإقليم يتسارع.

لدوغين عشرات المؤلفات، أبرزها: “نحو نظرية للعالم المتعدد الأقطاب”، “نداء أوراسيا”، و”من أجل كتلة تقليدية”.
اشتُهر دوغين في روسيا والعالم، بعد نشر كتابه المثير للاهتمام: “أسس الجيوبوليتيكا، مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي” عام 1999، وتُرجم إلى لغات عدة، ومنها اللغة العربية عام 2004، وصدر في بيروت عن دار الكتاب الجديد.

وهذا الكتاب الذي أضحى مادة دراسية في هيئة الأركان، شارك في إعداده ضباط كبار، ويعدّ الأيديولوجيا البديلة من الشيوعية البائدة، أي الأوراسيا الجديدة، وتعني المناطق الممتدة بين آسيا وأوروبا، وتشخّص روسيا الحالية.

يقر المفكر الروسي ألكسندر دوغين، الذي حلّ ضيفاّ على برنامج “المقابلة” على قناة “الجزيرة” منذ سنوات بأن له تأثيراً ونفوذاً قوياً على الرئيس فلاديمير بوتين.

وعن علاقته الشخصية بالرئيس، أوضح دوغين أن هناك تشابهاً بينهما “يقوم على الاهتمام المشترك بقدر روسيا وحضاراتها ومصيرها”. مضيفاً أن “ما لا يعرفه الغرب هو أن بوتين يوجد في موقع الملك أو الإمبراطور بالنسبة للروس، ليس لأنه يريد ذلك بل لأنه ملك بطبيعته، ونحن نريده أن يكون ضمن قائمة الزعماء العظام لروسيا، وقائداً للملكية الشعبية، وتجلياً قوياً لروح الدولة الروسية”.

وانتشرت أفكار “دوغين” بين النخبة الروسية في منتصف التسعينيات، لا سيّما في الأوساط العسكرية وجهاز الاستخبارات. حيث كتب ما يزيد على 60 كتاباً، أبرزها كتاب “أسس الجيوبوليتيكا”، الذي تحدث فيه عن أسس السياسة في العالم، وكيف يجب على روسيا أن تتحرك وتعمل ضمن فضاء مناهض للزعامة الأميركية، بما يؤدي الى إنهاء القطبية الواحدة لأميركا، واعتُمد كتابه كمقرر في مناهج الكليات العسكرية الروسية.

ويرى “دوغين” في آخر إطلالاته الإعلامية، أنه بعد انتصار روسيا (بعد العملية العسكرية في أوكرانيا)، ستنتهي الأحادية القطبية، وسيكون العالم أحسن مما كان عليه قبل الحرب، بحيث لن يكون هناك هيمنة أو ضغوط على الدول بعدها، من قبل النموذج الليبرالي.

 

المصادر: الأخبار، سي أن أن، الجزيرة، واشنطن بوست

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى