سياسة

حكومة “شاهد ما شافش حاجة”!

مع ان خطة التعافي تنطوي على أهمية كبيرة وتختزن أبعادا استراتيجية، كونها ترسم مستقبل لبنان المالي والاقتصادي استنادا الى خيارات مفصلية طويلة الأمد، الا ان مجلس الوزراء او بالادق رئيسه نجيب ميقاتي لجأ الى تمربرها عبر “الخط العسكري” من خلال إقرارها على عجل، من دون اخضاعها الى اي نقاش حقيقي على طاولة الحكومة التي تحولت إلى “شاهد ما شافش حاجة.”
وقد ذهب بعض الوزراء إلى اتهام ميقاتي شخصيا بانه تعمد عن سابق تصور وتصميم تهريب الخطة على هذا النحو المريب في “الوقت القاتل”، اي في الجلسة الأخيرة للحكومة، قبل ان تتحول نحو تصريف الأعمال مع انتهاء ولاية مجلس النواب السابق واعتبارها مستقيلة حكما.
ويؤكد احد الوزراء ان ميقاتي لم يفسح المجال أمام مناقشة الخطة كما يجب، حتى لا يفتح الباب امام اي تعديلات جوهرية عليها، قد لا تتناسب مع وصفة صندوق النقد الدولي الذي كانت الحكومة قد أنجزت اتفاقا أوليا معه، تمهيدا لإبرام لاتفاق النهائي لاحقا بعدما ينفذ لبنان المطلوب منه لمنحه شهادة “حسن السلوك” التي من شأنها ان تفرج عن المساعدات الدولية له.
ويعتبر هذا الوزير ان همّ ميقاتي كان محصورا فقط في إرضاء صندوق النقد الذي يبدو أنه فرض معاييره واولوياته على الخطة، وبالتالي فإن ميقاتي حسب حسابا للصندوق فقط وليس لأعضاء حكومته، بحجة انه الممر الالزامي للخروج من النفق.
والأسوا من ذلك، وفق الوزير، ان خطة التعافي تحاول ترميم عافية الدولة لا الشعب، وليس هذا فقط، بل المطروح هو النهوض بالدولة على حساب المودعين الذين دفعوا ثمن الانهيار وبراد لهم ان يدفعوا ثمن الانقاذ، لافتا الى ان تأكيدات ميقاتي المتكررة بأن كل وديعة تصل إلى حدود المئة الف دولار ستعود الى صاحبها، ذهبت ادراج الرياح لان مصير الودائع مبهم في الخطة وليست هناك أي ضمانات واضحة بحمايتها.
ويشير الوزير “الغاضب” نتيجة تجاهل ملاحظاته على الخطة، الى ان الدولة هي المسؤولة الأولى عن إهدار أموال المودعين يليها مصرف لبنان والقطاع المصرفي وبالتالي عليها ان تتحمل العبء الأكبر من كلفة المعالجة عبر استثمار أصولها وليس بيعها او خصخصتها، الى جانب استعادة الأموال المهربة بعد 17 تشرين الأول 2019 واعادة هيكلة القطاع المصرفي وإعطاء جزء من المودعين اسهم في المصارف المتجددة او الجديدة، لكن خطة ميقاتي ذهبت في الاتجاه الاسهل، فقررت تحميل المودعين والمصارف النسبة الأكبر من الخسائر التي تسببت بها سياساتها المالية والاقتصادية بالدرجة الأولى، في مسعى مكشوف للهروب الى الامام ومعاقبة الضحية بدل إنصافها.
ويؤكد الوزير ان الأمور لن تتوقف عند هذا الحد، وخطة الأمر الواقع التي تم إقرارها خلسة لن تمر بهذه الصيغة المجحفة، وسنكون في انتظارها في مجلس النواب لتصويب وجهتها لان حقوق المودعين خط أحمر وليس مسموحا شطب أموالهم من أجل مليارات قليلة من الدولارات قد يمنحها الصندوق للبنان.

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى