اقتصاد

التباس حول انتعاش اللّيرة وتراجع التداول بمنصة “صيرفة”

بخلاف التوقعات وسط المناخ السياسي المرتبك حيال تشكيل الحكومة، سجلت العملة الصعبة تراجعًا ولو طفيفًا، بعد أن حلّقت الأسبوع الماضي مع اعتذار الرئيس المكلّف سعد الحريري. لكن الدولار الذي بات يشكل مأساة اللبنانيين يبقى مرتفعًا بشكل يؤلم اللبنانيين ويلهو بأحوال السكان وحيواتهم على غاربه.

بعد تسجيل ارتفاعات جديدة يوم الجمعة بسعر الدولار الأميركي وصلت إلى 22.5 ألف ليرة، توالى الهبوط في فترة الظهيرة وبعدها، ليصل سعر الدولار قبيل السادسة مساء إلى نحو 20.8 ألف ليرة، مسجلًا تراجعًا وصل إلى 1700 ليرة خلال ساعات. وصباح السبت تتالى الانخفاض في السوق السوداء وتراوحت تسعيرة الدولار حتى الظهر بين 19750 و19850 ليرة لكل دولار بعد أن افتتحت السوق على تسعيرة 20150-20200 ليرة لكل دولار.

بحسب تقديرات الخبراء فإن هذا التلاعب يعود، إلى اللعب السياسي للمتحكمين بالسوق من صرافين ومصارف وتجّار “الشنطة” وخلفهم مصرف لبنان. وتقوم هذه السياسة على رفع سعر الدولار ثم خفضه، فيلجأ الجمهور إلى بيع دولاراته خشية تسجيل الخسائر، ليعود لاحقًا إلى الارتفاع.

وبمعزل عن هذه الآليات العشوائية المعتمدة على النبض السياسي تتسارع حركة البيع والشراء أو تتراجع وقد وصلت هذا الأسبوع المنصرم إلى حدّ الجمود.

هذا الجمود الملحوظ ظهر جليّاً في حركة المنصة العرجاء، التي ابتدعها حاكم مصرف لبنان، “صيرفة”. ففي بيان للأخير حول “حجم التداول من قبل المصارف ومؤسسات الصرافة المشاركة على منصة صيرفة- Sayrafa خلال يومي عمل هذا الأسبوع هو 3 ملايين دولار أميركي، بمعدّل 17500 ليرة للدولار الواحد، وفقاً لأسعار صرف العمليات التي جرت من قبل المصارف ومؤسسات الصرافة والمسجلة على المنصة.

هذا الرقم الهزيل في حركة الشراء يُظهر إحجام التجار على اللجوء للمنصة فيما يبرز تكرار الحاكم في بيانه أنه “على المصارف ومؤسسات الصرافة الاستمرار بتسجيل كافة عمليات البيع والشراء على منصة Sayrafa وفقاً للتعاميم الصادرة بهذا الخصوص”، مما يوحي أن ثمة عمليات تجري خارج نطاق المنصة.

“إن التعامل مع اقتصاد يقوم على الدولار أمر ليس سهلاً، حيث نسبة 73.5% من الأرصدة هي في العملة الأجنبية، والعجز في الميزانية عالٍ، وحماية العملة المحلّية معركة يومية” المقولة التي أدلى بها يومًا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة باتت مأزقًا يُنغص حياة اللبنانيين.

الانطباعات التي تشير إليها المبادلات النقدية عبر الأسواق الموازية في لبنان، سواء في صعود أو تراجع الدولار تبقى ملتبسة. والتحسن المفاجئ بسعر صرف الليرة، في عطلة الأسبوع يبدو مريباً على بعد يومين من الاستشارات النيابية لتكليف رئيس الحكومة المقبل المنتظر منذ أكثر من عشرة أشهر.

وفق المتعاملين في الأسواق، فإن الانكفاء عن طلب العملة الصعبة وميل مدخريها لعرض الدولارات النقدية المخزّنة في المنازل، استند، إلى تسريب مناخ تفاؤلي عن الاتفاق على تكليف شخصية لرئاسة الحكومة خلال إجراء الاستشارات النيابية المقررة يوم الاثنين المقبل.

وبمعزل عن صحة هذه الأجواء غير المحسومة، فإن أحوال النقد مرتبطة عضويًا بالعامل النفسي وترسيم حدود قاعدة العرض والطلب ينعكس حركة الصرافين المتجولين والمتعاملين معهم ومدخري الدولار في المنازل. تراكم الخسائر الاقتصادية جراء اللعب بالدولار بغياب شبه تام للسلطة التنفيذية منذ عام حتى اليوم، جعل سوق العملات خاضعاً للمزاج السياسي ولمآرب المتحكمين برؤوس الأموال.

وفي ظل هذا الفراغ استحكمت الرسائل النصية والإشعارات عبر التطبيقات الهاتفية التي أظهرت تحسنًا مطردًا يوم الجمعة حتى ظهر السبت في سعر الليرة. وساهم المناخ السياسي الشائع ونشر الأخبار والتعليقات على منصات التواصل الاجتماعي بتحسن سعر الصرف. لكن هذا التحسن يبقى محصوراً بالمبادلات الفورية وتأثير العوامل النفسية يبقى تحت بند ظرفي لا يمكن الركون إليه ربما لأيام وحتى لساعات بحسب ما يُشير مصرفي لـ”أحوال”.

هذه الحال الظرفية لها مخاطرها، بحسب المصرفي، وهي متّصلة بالمزايدات السياسية والخلافات التي إذا ما اشتدت ستقود إلى نقيض المشهد تماماً أي بمضاربات تُعيد صعود الدولار إلى مستويات عالية لا يمكن التنبؤ بسقوفها تؤجج الفوضى النقدية تماماً كما تُسعر النقمة الشعبية وتؤدي إلى اشتعال الشارع وإقفال الطرقات مجددًا.

أمّا منصة “صيرفة” التي روّج لها محاسب الجمهورية، واعدًا بتأمين الدولار للتجار بكلفة أقل من سعر السوق السوداء، مرفقًا وعده بعدم قدرته على تأمين الكمية المطلوبة ولا حتى وفق السعر الرسمي. هذه المنصة أخفقت في إحداث أي تغيير يُذكر في ضبط سعر الصرف من خلال الحد من الطلب على الدولار في السوق السوداء، كما فشلت في ضبط دولارها الذي يرتفع بالتوازي مع سعر السوق السوداء حتى بلغ 17500 بعد أن انطلق بسعر 12 ألف ليرة. 

وفي قراءة لهذا الفشل، يعزو أحد المصرفيين فقدان حماسة التجار التعامل مع المنصة، المقيّدة بشروط تتصل بطلبات الاستيراد وتلبية احتياجات مالية محددة وضرورية في الخارج، بسبب بروتوكولات الموافقة على تأمين الدولارات كما أن مسار العملية خاضع للمحسوبية والنفوذ كما كل شيء في لبنان، ما يدفع التجار إلى الإحجام عن اللجوء للمنصة ما دامت أسعار السلع في السوق تحددها تسعيرة السوق السوداء. 

هذه التحولات النقدية المتذبذبة لا يثبّتها سوى المعطيات السياسية المتصلة بالملف الحكومي، وحين تحقق الانفراج الداخلي وترجمته بتشكيل حكومة تُباشر فوراً بتنفيذ خطة إنقاذ شاملة محكومة بإرادة صندوق النقد الدولي ويستجيب لها المجتمع الدولي عبر تنفيذ وعود التمويل والدعم والمساعدة. وبخلاف ذلك فإن سيناريوهات التدهور السلبي الممتدة منذ 22 شهرًا وتفريخ الأزمات المتشعبة التي ضربت ركائز المال والاقتصاد ستبقى تتدحرج نحو المزيد من الانهيار، الذي يحتاج النهوض منه سنوات مديدة.

رانيا برو

 

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى