حقوق

هكذا تصدت القاضيتان شواح ورزق لـ”تهريبة” إبراء ذمة Touch

خطوة عملية في زمن المزايدات الكلامية عن إستعادة الأموال المنهوبة

شهدت ساعات صباح يوم الجمعة 30 تشرين الأول 2020 سباقاً قضائياً مع عقارب الساعة و”صياح ديك” الجمعية العمومية لشركة “موبايل انتريم كومباني2” MIC 2 المشغلة من قبل شركة Touch المقررة عند العاشرة صباحاً، جنّب الدولة اللبنانية الوقوع في فخّ إعطاء إبراء ذمة لأعضاء مجلس الإدارة والشركة المشغلة.

فخّ كان سيشكّل مخرجاً لـ Touch ويؤدي لإفلاتها من العقاب في الدعوى الجزائية المتعلقة بصفقات إستئجار مبنى لها في وسط بيروت وشرائه وشبهة هدر عشرات ملايين الدولارات من أموال الشركة التي هي عملياً أموال عامة. فمن شأن إعطاء إبراء الذمة – في ما لو ثبتت المخالفات المنسوبة للشركة بموجب تلك الشكوى – أن يلحق أضراراً بمصالح وأموال الدولة والشعب اللبناني وهما بأمسّ الحاجة الى أي قرش في ظل الأزمة المالية والنقدية القائمة. كما أن إعطاء أي إبراء ذمة قبل القيام بجردة الكاملة على الموجودات كي تتسلمها الدولة – والتي لم يتم انجازاها – يفتح الباب على إمكان خسارة الكثير من هذه الموجودات عبر تهريبها أو عدم تسليمها ما لم يتم ذكرها بالجردة.

فعند العاشرة والنصف من قبل ظهر، وبناء على الدعوة الموجّهة إلى المساهمين من قبل مجلس الإدارة، بناء على طلب المساهم الأكبر في الشركة بنك عودة للخدمات الخاصة ش.م.ل. (تملك الدولة اللبنانية أكثر من 99% من أسهم هذه الشركة المسجلة بموجب عقد إئتمان بإسم بنك عوده للخدمات الخاصة ش.م.ل.) وبحضور وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال المهندس طلال حواط، عقد المساهمون في شركة MIC 2 جمعية عمومية عادية أفضت الى عملية إسترداد إدارة هذه الشركة من شركة “زين تيلكوم لبنان” إلى وزارة الاتصالات – تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 5/5/2020 – وشهدت الجمعية العمومية إنتخاب مجلس إدارة جديد برئاسة السيدة حياة يوسف لولاية تمتد لمدة سنة بدءاً من 30/10/2020. هذا ما جاء في البيان الصادر عن وزارة الاتصالات بهذا الصدد، وقد أشار الى أنه “تم تعليق إبراء ذمة رئيس وأعضاء مجلس الإدارة مع الشركة التي تولت تشغيل الشبكة عملاً بالعقد رقم 618/1 /M تاريخ 31-1-2012.

إلا ان ساعات الصباح شهدت محاولات من MIC2 لربط خطوة تسليم الدولة للقطاع بمسألة الحصول على إبراء الذمة والتصدي للقرار المفصلي للقاضية المنفردة المدنية في بيروت، الناظرة في قضايا الأمور المستعجلة كارلا شواح القاضي بسحب البند رقم 3 المتعلق بإبراء الذمة رئيس مجلس الإدارة – المدير العام وأعضاء المجلس والشركة التي تولّت تشغيل شبكة الخليوي MIC2 من جدول أعمال الجمعية العمومية.

السباق مع الوقت قبل “صياح ديك” الجمعية العمومية

* في 13/8/2020:

تقدم أحد المساهمين في شركة MIC2 السيد وسيم منصور بدعوى حراسة قضائية على الشركة بفعل الفراغ الحاصل بالإدارة والمخالفات المتكررة فيها.
* في 26/10/2020:
تقدم منصور بدعوى جزائية أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت ضد كل من وزيري الاتصالات السابقين جمال الجراح ومحمد شقير وأشخاص آخرين مرتبطة بصفقتي إستئجار مبنى Touch وشرائه واللتين أزهقتا ما يقارب مئة مليون دولار لشراء المبنى بحسب الدعوى.
*في 27/10/2020:
تقدم منصور أمام قاضية الأمور المستعجلة في بيروت كارلا شواح بطلب أمر على عريضة لإتخاذ قرار موقت وإحتياطي بشطب المصادقة على حسابات سنوات 2017 و2018 و2019 وشطب بند إبراء الذمة من جدول أعمال الجمعية العمومية لشركة MIC2 المقّررة بتاريخ 30/10/2020 على خلفية وجود الدعوى الجزائية.
*في 28/10/2020:
أصدرت القاضية شواح قراراً بإبلاغ MIC2 الطلب مع إعطائها ثلاث ساعات للجواب.
* في 30/10/2020:
أ- تقدمت الدولة اللبنانية في الصباح الباكر ممثلة برئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل بلائحة جوابية موقعة من القاضية ندين رزق عن هذه الاخيرة في ملف الدعوى العالقة بشأن فرض حراسة قضائية على MIC2، أكدت فيها “ضرورة إنعقاد الجلسة لأجل إتمام عملية التسيلم والتسلم في القطاع الخليوي بين الدولة اللبنانية والشركة المشغلة، وتحفظت على بند إعطاء إبراء الذمة لهذه الشركة طالبةً شطبه من جدول الأعمال كونه قد يخفي مصالحة لا يجوز إجراؤها دون العودة إليها وفقاً لما تفرضه المادة 20 من قانون تنظيم وزارة العدل”، مؤكدة أنه “لا يجوز التذرّع برفض إعطاء إبراء الذمة لعدم إجراء عملية التسيلم والتسلم”، كما طلبت تعيين مراقب مالي للإشراف على تلك الجلسة والقيام بتدقيق مالي Financial Audit وتدقيق جنائي Forensic Audit “.
ب- عقب تقدم الدولة بهذه اللائحة وإبرازها من قبل منصور، أصدرت القاضية شواح قرارها بإسم الشعب اللبناني وقضى بإلزام MIC2 فوراً بسحب البند رقم -3- المتعلّق إبراء الذمة من جدول الأعمال بإنتظار البت بالدعوى القضائية التعلقة بالمبنى وتحت طائلة غرامة إكراهية عن كل مخالفة له بقيمة 50 مليون ليرة لبنانية، وكلفت كاتب المحكمة بالإنتقال إلى مركز الشركة المذكورة لإبلاغه.
د- بالتزامن وتحسباً لإمكان صدور قرار قضائي يتجاوب مع طلب منصور بعدم إعطاء إبراء ذمة، عقد إجتماع طارئ لأعضاء مجلس إدارة شركة MIC2 إستبق إنعقاد الجمعية العمومية وأطاح بها الى وقت يحدّد لاحقاً وتمّ تبليغ المساهمين بذلك، في محاولة للإبتزاز عبر ربط تسليم الدولة للقطاع بمنح الشركة إبراء الذمة.

الضغط على حواط على أكثر من جبهة

مصادر متابعة للملف أشارت لـ”أحوال” الى أن الوزير حواط الذي كان مصرّاً على عدم تأجيل إستلام الدولة للقطاع لأن الضغط كبير عليه للقيام بذلك تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 5/5/2020، لذا تصدى لقرار أعضاء مجلس إدارة شركة MIC2 بإلغاء الجمعية العمومية وطلب من بنك عوده حامل الأسهم نيابة عن الدولة عقد الجمعية العمومية لإقرار جدول الأعمال المحضّر سلفاً بعد شطب بند منح إبراء الذمة.

كما أشارت المصادر الى أن “الضغط على حواط أتى على أكثر من جبهة أكان المجتمع المدني والمجموعات التي تتحرك على الارض للمطالبة بذلك أو من جبهة الإعلام الذي عمد الى تسليط الضوء مراراً على الأمر أو من جبهة القضاء حيث كان من الصعوبة بمكان أن يتم التأجيل خصوصاً بعد قرار القاضية شواح بسحب بند إبراء الذمة المرتكز على موقف هيئة القضايا من جهة ومطالبة المساهم منصور من جهة أخرى واللذين أصرّا على ضرورة إنعقاد الجلسة لأجل إتمام عملية التسيلم والتسلم”.

وتابعت المصادر: “لكن يسجّل للقاضية شواح ولهيئة القضايا بشخص القاضية رزق دوراً أساسياً في التصدي لـ”تهريبة” إبراء الذمة، خصوصاً أن وزارة الاتصالات لم تقدم أي جواب بالملف حتى اللحظات الاخيرة. لقد كان جواب هيئة القضايا بناء على مسؤوليتها بحماية مصالح الدولة لا الوزير. وقد تقاطع هذا الموقف مع ما ورد في قرار القاضية شواح التي ذكرت: “الدولة اللبنانية، ممثلة برئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، هي من يمثل الصالح العام وتقوم بجميع الأعمال التي يتطلبها الدفاع عنه وليس وزير الإتصالات أو الشركة المشغّلة”.

وسألت المصادر: “مجلس إدارة MIC2 دعا منذ 2 تشرين الأول 2020 إلى إنعقاد الجمعية العمومية بتاريخ 30/10/2020 وفق جدول أعمال يتضمن إبراء الذمة، فلماذا لم يتحرك وزير الإتصالات؟”. ثم أردف: “يرجّح ان تخبط حواط يعود الى الإنقسام في صفوف مستشاريه بشأن إعطاء إبراء الذمة أو عدمه”.

في خضم الحديث عن ضرورة إستعادة الأموال المنهوبة ووقف الهدر والمزايدات الكلامية، خطوة عملية سجّلت في هذا الاطار أكان بقرار القاضية شواح أو بالموقف المسؤول والمتقدم لهيئة القضايا التي دعت الى القيام بتدقيق مالي وجنائي في ملف مبنى Touch. فهل يكسر القضاء القيود عبر أمثال هاتين القاضيتين الواعدتين وهل خطوة هيئة القضايا مقدمة للعب دورها بعيداً عن أي خوف أو تردد، فتكون ليس فقط وكيلة عن الدولة بل أيضاً عن الشعب الذي يئس من هذه الدولة؟

جورج العاقوري

صحافي ومعّد برامج سياسية ونشرات اخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى