رفع الدولار الجمركي دعسة ناقصة من الحكومة
في كل مرّة يفكّر فيها جهابذة الدولة وكبار المستشارين بتحقيق إيرادات جديدة على خزينة الدولة، تشخص الأبصار إلى جيوب المواطنين، وتُغَضّ عن عشرات القطاعات التي يمكن أن تَدُرّ المليارات، في حال كان هناك نيّة لدى المعنيين بإدارتها بالشكل الصحيح، وهذه المرّة بدأ الحديث عن مورد جديد ألا وهو رفع التعرفة الجمركيّة، الأمر الذي خلق موجة تحذيرات من خبراء ومختصّين، لما لها من آثار خطرة على ما تبقى من معيشة المواطنين.
صندوق النقد يطالب بتوحيد أسعار الصرف وهذا جزء من الشروط التي يطلبها، لأنه لا يمكن أن يعطي الصندوق قروضًا إلا بالاستناد إلى خطّة إصلاحية، ومن ضمنها توحيد أسعار الصرف، وإقرار الموازنة للسنة التالية وترشيد الإنفاق، وتنشيط القطاع العام وزيادة الإيرادات، وفق ما أشار الخبير في الشؤون الماليّة الدكتور مروان قطب في حديثه لأحوال، لافتًا إلى أن رئيس الحكومة أعلن أنه خلال أول اجتماع حكومي يجب أن يُعدّل الدولار الجمركي، وعندما يتم الكلام عن تعديل الدولار الجمركي بحسب منصّة صيرفة والذي يبلغ اليوم على المنصة 18000 ليرة لبنانية، يعني الدولار الجمركي سيرتفع 12 ضعفًا وهذا الأمر سيؤدّي إلى ارتفاع الضريبة على القيمة المضافة، وبالتالي ارتفاع الأسعار بصورة كبيرة جدًّا، وفق ما أكّد قطب.
واستغرب قطب الحديث عن رفع الدولار الجمركي في هكذا ظرف استثنائي وصعب إذ إن الناس تعاني من وضع معيشي متردي، وفي الوقت عينه الدولة لم تقم بأي خطوة لمعالجة الوضع، لا ببطاقة تمويلية ولا بأي حل لرفع القدرة الشرائيّة للمواطنين، وهذا يعني أن الذي يحدث هو سحق للناس عبر زيادة نسبة الفقر.
عدد كبير من السلع الخاضعة للرسم الجمركي والضريبة على القيمة المضافة، يقدّر أنه سيرتفع سعرها من 15 إلى 20%، كالأدوات الكهربائية والسيارات وقطع غيارها والبطاريات والعدد الصناعية والمفروشات، وجزء كبير من ما هو مرتبط بالمعيشة سيرتفع سعرها، وحتّى السلع غير الخاضعة للرسم الجمركي والضريبة على القيمة المضافة سيرتفع سعرها أيضًا.
الحجة من رفع الدولار الجمركي هو تأمين إيرادات لخزينة الدولة من أجل زيادة الرواتب، يعني نعطي المواطن المساعدة باليد اليمنى ونسترجعها باليد اليسرى، هذه ليست حلولًا منطقية على الإطلاق، ونحن في أزمة مستفحلة فكيف يمكن أن نتكلّم عن إيرادات، والمزارع على سبيل المثال عاجز عن تصدير مزروعاته وكذلك الصناعيين، ولا ننسى توقف التأشيرات إلى الدول العربية التي كانت تؤمّن إيرادات كبيرة للدولة، فالضريبة بلا شكّ أهم مورد لخزينة الدولة، لكن يجب أن يُفسح المجال من أجل النمو الاقتصادي، إذ لا يمكن فرض ضريبة على اقتصاد ضامر وضعيف، وبهذا نكون زدنا الطين بلّة، وفق ما أكّد قطب.
رفع الدولار الجمركي لا شكّ أنه دعسة ناقصة من الحكومة، كما العديد من الدعسات التي أتت على كرامة ومعيشة اللبنانيين، إذ من المؤكّد أن أسعار السوق المتفلّت سترتفع ارتفاعًا جنونيًّا دون حسيب أو رقيب، والمسحوق الأول والأخير هو المواطن.