منوعات

مسؤولون شاركوا سلامة في إخفاء وثائق تحذّر من الكارثة.. والأخير يتوعّد

أربع عشرة صفحة ضمن تقريرٍ صادرٍ عام ٢٠١٦ يحذّر فيها صندوق النقد الدولي من كارثةٍ ستضرب بلبنان وتقلب أوضاعه الإقتصادية والمعيشية رأساً على عقب. لو عرف المسؤولون في لبنان ذلك في حينه، لكانوا اتّخذوا إجراءاتٍ إنقاذيةٍ توقف قطار الانهيار قبل أن يصل إلى حافة الهاوية. هكذا سيقول أيُّ عاقلٍ مسؤول قبل أن يتفاجأ بأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كان يعلم فعلاً بمضمون ما جاء في التقرير وفي صفحاتها الأربع عشرة.

كيف تصرّف سلامة حيال الأمر؟ هل أعلم المعنيين؟ هل دقّ ناقوس الخطر؟

ببساطة ارتأى حاكم المصرف المركزي أن يخفيَ الأمر، كما يخفي المجرم آثار جريمته، فقرر سعادته أن يشطب تلك الصفحات ويكتم صوت صفّارة التحذير، وفقاً لما أورده تقريرٌ نشرته صحيفة  Le Temps السويسرية.

وتضيف الصحيفة أنّ اجتماعاً عُقد بين فريق من صندوق النقد الدولي برئاسة ممثله في لبنان الفارو بيرس وحاكم البنك المركزي اللبناني رياض سلامة ومسؤولين في مصرف لبنان في 9 نيسان 2016 بحسب ما أكّدته وثيقةٌ حصلت عليها الصحيفة.

نيسان 2016، أي ما يسبق بدء ماراثون انهيار قيمة العملة اللبنانية مقابل الدولار وتردي الأوضاع المالية والاقتصادية وارتفاع الصرخة المعيشية بـ ٣ سنوات على الأقل. إن كان سلامة لم يدرك أو لم يُرد أن يدرك أو بالأحرى أراد أن يخفيَ أنّه يدرك خطورة ما أورده تقرير الصندوق، فإن ممثل صندوق النقد قالها له بالفم الملآن وفي افتتاحية حديثه معه: “أنتم على حافة الهاوية”.

برنامج تقييم القطاع المالي (FSAP) في صندوق النقد النتائج أورد في تقريره وثائق تثبت أن العجز الصافي للبنك المركزي فيه ثقب بـ 4.7 مليار دولار، أي ما يمثل 10% من الناتج المحلي الإجمالي وأن المصارف اللبنانية لا تملك من السيولة ما يكفي لمواجهة الأزمة.

وتشير الصحيفة إلى أن المعطيات التي أوردها التقرير كان من الممكن أن تمهّد لإجراءاتٍ تحدّ من خطر المأساة التي يعيشها لبنان، في إشارةٍ إلى أنّها الأسوأ منذ الحرب الأهلية بين العامين 1975 و1990. فمعدل الفقر ارتفع من 28% إلى 55% خلال عامٍ واحدٍ، ومنع 6 ملايين لبناني من الوصول إلى أموالهم المودعة في المصارف، فضلاً عن أزمة المشتقات النفطية والأدوية.

وتحمّل الصحيفة السويسرية صندوق النقد الدولي جزءاً من المسؤولية عن عدم نشر التقرير كاملاً. فالنسخة الأساسية هي عبارة عن تقريرٍ من 84 صفحة، أمّا ما نُشر في كانون الثاني 2017، فاقتصر على 70 صفحة بعد أن تمّ حذف التحذيرات من نقاط ضعفٍ، بطلبٍ أو بإصرارٍ (وفق ما جاء في الصحيفة)، من الجانب اللبناني. لكن ذلك لا يعفي صندوق النقد الدولي من المسؤولية، إذ كان خبراؤه على درايةٍ تامةٍ بأن البلاد كانت على وشك الانهيار، وهم أنفسهم أكدوا ذلك وأدرجوه في وثائق لم تُنشر، وفشلوا في دق ناقوس الخطر، وقدموا صورة مبتورة للوضع المالي للبلاد.

فصلٌ كاملٌ من سبع صفحاتٍ مخصصةٍ للملاءة المصرفية اختفى من التقرير، وكذلك البيانات التي تظهر أن 13 مصرفاً مكشوفاً خارج نطاق اللوائح، وأن البعض ليس لديهم خطابات ضمان من الشركات الأجنبية التابعة لهم، وفق الوثائق التي حصلت عليها صحيفة Le Temps، وهذه البيانات كانت ستنقذ آلاف المودعين الذين حُرموا من الوصول إلى أموالهم.

كما تواصلت الصحيفة السويسرية مع خبراء أكدوا أن نشر هذا الرقم (الثقب بـ4,7 مليار دولار) كان سيغير الوضع، ونقلت عن هنري شاوول المستشار المالي للحكومة اللبنانية في المحادثات مع صندوق النقد الدولي والذي استقال في حزيران ٢٠٢٠ قوله عن ما جاء في تقرير الصندوق: “هذه معلومة مهمة! حتى اليوم، لا توجد شفافية بشأن كمية العملات الأجنبية التي يمتلكها البنك المركزي، ولو تم نشره في ذلك الوقت، لكانت البنوك بالتأكيد تصرفت بشكل مختلف تماماً”، لافتاً إلى أن “البنك المركزي مسؤول عن الاستقرار الاقتصادي والسياسة النقدية للبلاد وفي ضوء العناصر التي تستحضر الآن، فإن هذا يعد فشلاً تاما”.

وفي رده على ما جاء في صحيفة Le Temps السويسرية ، اعتبر سلامة أن “المقالة وكل ما جاء فيها لا يمت للحقيقة بصلة” وان “هذه الاتهامات والتدخلات بعيدة كل البعد عن الواقع” وتأتي “ضمن حملة الاستهداف العدوانية المتواصلة على شخصه”.

وفي ما يخص سياق وضع التقرير الصادر عن صندوف النّقد، لفت البيان الصادر عن حكم مصرف لبنان إلى أن “من يقوم بوضع هكذا تقرير هو فريق عمل مؤلف من أشخاص عدة من صندوق النقد، يزورون لبنان ويناقشون المواضيع كافة، مع جميع الأطراف المعنية في الدولة اللبنانية، سيما رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير المالية والمجلس المركزي لمصرف لبنان. ولا يقتصر فقط على حاكم مصرف لبنان. يتجه بعدها فريق الصندوق النقد الدولي إلى واشنطن في الولايات المتحدة، حيث تتم كتابة التقرير النهائي ويرسل إلى الدولة اللبنانية، وليس فقط مصرف لبنان، لوضع ملاحظاتها عليه، التي يمكن أن يؤخذ أو لا يؤخذ بها. يتم بعدها مناقشة هذا التقرير والموافقة عليه من قبل مجلس إدارة صندوق النقد المؤلف من مدراء تنفيذيين يمثلون بلدان العالم كافة.” وعليه فإن سلامة يحاول أن يدرج من كانوا في المناصب المذكورة في ذلك الوقت ضمن خانة المتورّطين في حذف 14 صفحة من تقرير “هكذا مؤسسة عالمية ومحترمة كصندوق النقد الدولي” وفق تعبير البيان.

وعليه فإن سلامة لم ينفِ بشكل واضحٍ حذف الصفحات التي حذّر فيها الصندوق من الكارثة، بل ركّز على عدم تحمّله مسؤولية ذلك منفرداً، ولم يكتفِ بذلك، بل ذهب إلى حدّ اعتبار أن من يقف وراء هذا “المقال المدسوس” و”الحملات العدوانية على شخصه هم المتضررون من تعثر سداد اليوروبوندز مهدداً بـ “كشف من كانوا حملة الـCDS (Credit Default Swap) عند تعثر لبنان في سداد مستحقاته من اليورو بوندز”.

 

آلاء ترشيشي

 

 

آلاء ترشيشي

مذيعة ومقدمة برامج. محاضرة جامعية. حائزة على ماجستير في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى