85 صوتاً للثقة… فرصة للإنقاذ أم لدوام الانهيار؟
بعد صدور مراسيم تشكيلها، تأبطت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في يوم “اثنين الثقة” في المجلس النيابي، 85 صوتًا، لتبدأ مسار “معاً للإنقاذ” دون أن تمتلك أدواته السحرية لانتشال لبنان من “جهنّم” الاقتصاد والمال والمعيشة، محمّلة بشياطين سياسية في تركيبتها ودعائمها.
“نعم” الثقة الوازنة التي كسرتها كتلةُ نواب القوات اللبنانية وبعض النواب المستقلين، لا توحي بمناخ هادئ يحيط بالحكومة في مرحلة الاستحقاقات القادمة، رغم لغة التهدئة والتمرير والتغاضي عن الفوارق بين الفرق السياسية التي أنتجت حكومة ميقاتي الثالثة.
البوانتاج السياسي وتوزيعات الكتل التي أعطت ثقتها لـ”حكومة معاً للإنقاذ”، مبني على فوالق تهدد “الهدوء النسبي” على جبهات المتحاربين. وجاء على الشكل التالي: كتلة “المستقبل” وكتلة “الوفاء للمقاومة” وكتلة “التنمية والتحرير” وتكتل “لبنان القوي” وكتلة “اللقاء الديمقراطي”، وكتل الطاشناق وسليمان فرنجية وميقاتي واللقاء التشاوري الأصدقاء والأعدقاء الحلفاء وأخصامهم، صوتوا بـ”نعم”. فيما بقيت كتلة حزب القوات اللبنانية “الجمهورية القوية” على اعتزالها الحكم وعلى مقاعد المعارضة فحجبت الثقة وكذلك فعل النواب: أسامة سعد وجميل السيّد وشامل روكز وجهاد الصمد.
بين تمويه الخلافات وتظهير الشروط ولغة ترطيب الأجواء أخفت الجلسة البرلمانية، التناقضات التي اصطفت تحت سقف المحاصصة بطاقم وزاري غير حزبي، دون أن تحجب عمق الخلل في العلاقة بين المكوّنات السياسية التي قد تطفو على السطح في رحلة البحث عن سفينة النجاة التي تُجنّب اللبنانيين الارتطام الكبير.
ويتساءل مراقبون عن التوقيت الزمني الذي سيؤذن لانتهاء تاريخ صلاحية الثقة التي منحها فريق العهد للحكومة مقدّماً شروطه على الثقة الممنوحة. هذا الفريق من ضمنه طبعًا “التيّار الوطني الحرّ” الذي يقف على كوع أي خطوة حكومية ناقصة في ملفات المال والتعافي الاقتصادي وإصلاح قطاع الكهرباء (الذي كانت ظلمته نجمة الجلسة النيابية مع انقطاع التيار الكهربائي وتسببه بتأخير الجلسة النيابية) والتدقيق الجنائي والخطة التي سيفاوض على أساسها لبنان صندوق النقد الدولي ومرتكزاتها وإعادة هيكلة أو إصلاح القطاع المصرفي الذي كُلِّف مصرف لبنان لوضع خطته “لإصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلته حيث يلزم” وغيرها.
مناقشة البيان الوزاري خلال جلسة طويلة استغرقت 8 ساعات، أرادها رئيس مجلس النواب سريعة ومكثّفة لإنجاز استحقاق “الثقة” الدستوري، لم تخلُ من الخطب الانتخابية، الجميع يريد استعراض مهاراته و”براءة” فريق من الذنب العظيم في إيصال البلد إلى مرحلة الانهيار أمام ناخبيه، متفاخرين بتلمسّهم آلام الناس. وما سُجل في الجلسة تغيّب الرئيس سعد الحريري، الذي دعم وصول ميقاتي إلى السراي، عن الجلسة متعذّراً بوجوده خارج لبنان كما غاب زميله في نادي “رؤساء الحكومة السابقين” تمّام سلام، ما اعتُبِرَ رسالة بأن الحكومة لا تتوافق مع السقف الذي تم الاتفاق عليه في “نادي رؤساء الحكومة” وخرقه الميقاتي.
نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة بثقة الخصوم وعلى رأسهم التيّار الوطني الحر، الذي يتهم رئيس الحكومة بالعمل ضمن فريق يعمل على محاربة العهد. وربما هذا ما يعطيه، بحسب مصادر سياسية مراقبة، دفعًا أكبر من ذلك الذي ناله في حكومتيه السابقتين في 2005 و2011. وهو يتّكئ على دعم محلي واسع، ودعم فرنسي وأميركي.
بعد نيل الثقة، تدخل الحكومة مرحلة اختبار تنفيذ الوعود الاقتصادية لفرملة الأزمة المستحكمة بحياة السكان وصولًا إلى إجراء الانتخابات النيابية، وهي الاستحقاق الأساسي للحكومة الجديدة وباكورة طلبات المجتمع الدولي. فيما لم تستقم بعد أدوات استعادة العلاقات اللبنانية العربية وهي تحد أساسي تحدّث عنه ميقاتي بعد صدور مراسيم تأليف الحكومة. الانقطاع العربي عن لبنان لم يوصل باتصال تهنئة للحكومة الجديدة من أي دولة عربية ولا حتى عبر السفارات.
في ختام الجلسة، ردّ الرئيس نجيب ميقاتي على كلمات النواب، متعهدًا أن الحكومة ستعكف مباشرة على البدء بمعالجة الملفات المطروحة، في الكهرباء والصحة والتعليم، والإصلاحات. وأبدى استغرابه “أن يكون البعض فهم من بياننا أننا نميل إلى المصارف” وتابع “ليته بقيت هناك مصارف في لبنان لنساعدها!”. وتمنّى على المجلس النيابي “إنهاء موضوع الكابيتال كونترول كي تبدأ عملية المتابعة ومكافحة الفساد، والتهريب الذي هو بند أساسي يجب أن نتابعه، وهو من أساسياتي”. وفي ملف الكهرباء، أشار ميقاتي إلى وجوب “إعادة النظر بالتعرفة وساعات التغذية وزيادة الإنتاج”. وفي ما يخص ترسيم الحدود البحرية، قال ميقاتي إنه سيعمل جاهدًا لإعادة البحث فيه بـ”طريقة علمية، ومن دون تخوين” مشددًا على أنه “بهذه الطريقة يصبح متاحًا لنا التنقيب في المياه الاقليمية ونبدأ باستخراج الغاز، مما ينشط كل الاقتصاد”.
وعن التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، رأى ميقاتي أنه “يجب إعادة تأهيله بشفافية تامة، وضمن الأصول، إضافة إلى ضرورة التحقيق المحايد”.
عهود ووعود قد تطوى صفحاتها مع مرور الأيام الأولى من عمر آخر حكومات عهد الرئيس ميشال عون وقبل أشهر من موعد إجراء الانتخابات النيابية. والعبرة في المضي في الصمود لتأمين حلول ومخارج للأزمات المتراكمة ولوضع الامور في نصابها الصحيح ماليًا واقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا ووطنيًا وإلا يبقى البيان الوزاري للحكومة كسابقه حبرًا على ورق وشمعة مطفأة في هذا الظلام الدامس.
رانيا برو