منوعات

حسان دياب في الإقامة الجبريّة

تجاوزت المدّة التي قضتها حكومة الرئيس حسان دياب في تصريف الأعمال تلك التي امضتها بالأصالة في السلطة، والحبل على الجرار مع استعصاء الازمة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على الحل.
لم يكن دياب يظن عند تقديم استقالة حكومته غداة انفجار المرفأ أنّ وجودها في “البرزخ السياسي” سيطول الى هذا الحد. وعلى الرغم من المحاولات التي بذلها لاختصار “إقامته الجبرية” في المرحلة الانتقالية، إلا أنّ الأقدار السياسيّة بدت أقوى منه، فلا مبادرته قبل فترة الى التوسّط بين الرئيس ميشال عون وسعد الحربري نجحت، ولا تهديده أخيراً بالاعتكاف نفع في التعجيل بتشكيل الحكومة كما كان يَفترض.
ثم أتى “اثنين الفراق” بين عون والحريري ليطوي كليا احتمال انهاء خدمات دياب في القريب العاجل، بل ان العكس هو الصحيح، إذ ان انهيار فرصة تشكيل الحكومة سريعا سيرتب عليه إجراء صيانة لمحركاته الوزارية واستعادة بعض من لياقته البدنية لاستكمال السباق مع التحديات الضخمة ومخاطر الانهيار الشامل.
وإزاء التطورات الدراماتيكية المستجدة على الصعيد الداخلي، أصبح اكيداً ان دياب طوى ورقة الاعتكاف التي كان قد لوح بها للضغط على المعنيين بالملف الحكومي، وبالتالي فهو سيستمر في تصريف الأعمال حتى الحدود القصوى التي يسمح بها الدستور، أما تفعيل الحكومة ككل ودعوتها الى الانعقاد مجددا فمسألة أخرى لها حساباتها وتعقيداتها.
ومن المفارقات ان قوى سياسية على خصومة مع دياب هي التي حضته و”حرضته” في الآونة الأخيرة على تفعيل دور حكومته في مواجهة الازمات المتكاثرة، بعيدا من “الحنبلية” في تفسير الدستور، لكن الرجل الناقم على الطبقة السياسية لا يزال يرفض “نجدتها” ويتجنب ان يبدو “موظفا” غب الطلب عندها، تستعين به عندما تكون في مأزق وتتخلى عنه حين تقتضي مصلحتها.
يشعر دياب بأن “المنظومة” استخدمته لتقطيع الوقت بعد حراك 17 تشرين ثم لفظته عندما تقاطعت مصالح مكوناتها عند التضحية به، كلٌ لحساباته واعتباراته، ولذلك فهو ليس مستعدا للتساهل معها او ليتحمل بالنيابة عنها تبعات المآزق التي صنعتها وادت الى وقوع الانهيار، لاسيما بعدما انكروه قبل صياح الديك!
لكن هناك من يلفت دياب إلى أن معالجة هموم المواطنين المتفاقمة هي التي تستدعي ضخ الحرارة مجددا في العروق اليابسة للحكومة، بعيدا من اي حسابات سياسية، اما الدستور الذي يتسلح به دياب لتبربر موقفه فهو وُضع اساسا ليخدم الناس لا ليخدموه هم.
ومع ذلك، تؤكد مصادر السرايا ل”أحوال” ان دياب ليس في وارد الدعوة حاليا الى عقد جلسة لحكومة تصريف الاعمال، “لكن الأكيد انه غض الطرف عن التهديد بالاعتكاف الذي كان المقصود منه اصلا حض المعنيين على تشكيل الحكومة وليس التعطيل.”
وتشير المصادر القريبة من دياب إلى أن العمل الوزاري مستمر في اطار الحدود التي يسمح بها تصريف الاعمال، “وكل وزير ينشط ضمن نطاق اختصاصه، ودياب يتحمل مسؤولياته في مواكبة الملفات ومعالجتها ضمن الهامش الممكن، ولا مانع بعد تفاقم الخلاف بين عون والحريري في مزيد من تفعيل للنشاط الوزاري.”
وتوضح المصادر انه يمكن ان تنعقد الحكومة في ظرف واحد فقط، وهو درس مشروع الموازنة واقراره بعد ان ينتهي وزير المال غازي وزني من تعديله وفقا للملاحظات التي وضعها الوزراء وتم ارسالها انها الى الوزير وزني.
وتشدد المصادر على أن هناك فارقا بين الحكومة ككيان لا يجوز تعويمه بعد الاستقالة وبين مسؤوليات الوزراء كأفراد يجب أن يواصلوا عملهم وهذا ما يحصل بإشراف دياب.
وتلفت المصادر إلى أنه يوجد طرح يعتبر ان الدعوة إلى عقد اجتماع لمجلس الوزراء هو خرق دستوري فادح بل خيانة دستورية عظمى، وهناك في المقابل رأي آخر يدعو الى تفعيل الحكومة ومعاودة اجتماعاتها ربطا بالظروف الإستثنائية التي يمر فيها لبنان على كل المستويات، “ولكن ليس دياب ولا احد آخر يمكنه ان يبت في صوابية هذه المقاربة او تلك بل وحده مجلس النواب صاحب الحق الحصري في تفسير الدستور ويستطيع ايجاد فتوى دستورية تسمح لمجلس الوزراء بالانعقاد اذا كان مقتنعا بذلك، ومن يطالب دياب بالتفعيل ليس عليه أن يتوجه اليه، بل الى مجلس النواب.
وتنفي المصادر ان يكون دياب في صدد توجيه رسالة إلى المجلس النيابي لاعادة تعويم حكومته، مؤكدة ان تفعيلها عبر تفسير دستوري يمكن أن يتم بمبادرة تلقائية من المجلس او بالضغط عليه من القوى المؤيدة لخيار التفعيل.
وتشير المصادر إلى أنه عندما “كانت الحكومة أصيلة وتحظى بتغطية سياسية، كانت تتعرض في الوقت نفسه لحملات وطعنات من داخلها وخارجها، فكيف وهي مستقيلة وبعض من فيها انقلب عليها، حيث لم تعد لديها حصانة سياسية تحميها؟” وتضيف: ان دياب غير مستعد لتلقي لكمات وضربات اضافية في الوقت الضائع، واي ترميم لحكومته يحتاج إلى توافق سياسي وغطاء دستوري.

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى