ميديا وفنون

“ما وراء الطبيعة” رعب “نتفليكس” على الطّريقة العربيّة… إبهار بصري فحسب

هو مسلسل يحتوي على كل شيء ولا يحتوي على شيء. “ما وراء الطّبيعة”، مسلسل يبدأ وينتهي لا تعرف كيف بدأ ولا كيف انتهى، كلّ ما تعرفه أنّه أحيط بدعاية ضخمة من قبل صنّاعه، رفعت سقوف الآمال، وكلّما ارتفع سقف الأمل يرتفع سقف الخيبة.

المسلسل عن قصة الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق من سلسلة روايات “ما وراء الطبيعة”، ست حلقات تقدّم روايات منفصلة، لا يجمع بينها أي سياق درامي، وتدور في متاهة، تفتقد العقدة وانتظار الحل، فالمشاهد لا ينتظر من المسلسل بعد الحلقة الأولى شيئاً، ليس ثمّة عقدة تنتظر حلاً، بل مجموعة عقد تبدأ من حيث لا تدري وتنتهي حيث لا تدري، يجمع بينها “بيت الخضراوي”، المحرّك الأساسي للأحداث.

تنطلق أحداث القصّة في عام ١٩٦٩، حين يدخل رفعت إسماعيل (أحمد أمين) طبيب أمراض الدم والأستاذ المحاضر في الجامعة في الأربعين من عمره. شخصيّة رفعت  أجاد أحمد أمين تجسيدها بكافّة تفاصيلها، هو رافعة العمل بل هو نقطة الجذب الأساسيّة يضاف إليها حوارات أحمد توفيق.

في عيده الأربعين، ينقلب عالمه رأساً على عقب بعد التشكيك بقناعاته العلمية الراسخة، يتعرّض لأحداث خارقة للطبيعة تؤثّر على أحبّائه والمقرّبين منه، وتصبح مهمّته وزميلته ماغي القادمة من اسكتلندا، إنقاذ الأحبّة من الخطر المحدّق بهم.

ما يحصل مع رفعت هو امتداد لحادث من الماضي، حين تعرّف إلى فتاة تدعى شيراز، في قصر مهجور، يشبه كل القصور المهجورة في أفلام الرعب حيث تدور القصص المتوقّعة، عن أشخاص غامضين، غير مرئيين، أشخاص قتلوا وينتظرون من يدفنهم لتنكسر سلسلة الشّر.

سلسلة أحداث غامضة تبدأ بالظّهور، يطلب من الطبيب تشريح مومياء فرعون يقال إنّه سبب وباء يعصف بالبشر، تظنّ أنّ العقدة هنا، وقبل أن تزول اللعنة، يصبح عليه أن ينقذ خطيبته بإحضار عشبة نادرة من كهف قديم في ليبيا حيث حارس الكهف الغامض، التنفيذ ضعيف، فجأة تصبح أمام مسلسل أطفال، وليس مسلسل رعب قائم على فلسفة أنّ “الطريق مستقيم وأنّ المتاهة هي عقلك إيّاك أن تسلّمه”.

في الصحراء حين يطالعلك الوحش الأسطوري على شكل غوريلا، تنقلب الأمور إلى كوميديّة، يفقد الإيقاع سيطرته، تتشعّب القصّة، يدخل د. رفعت في متاهة ويخرج من متاهة، في حبكة دراميّة مفكّكة.

بحسب صنّاع العمل، يتناول المسلسل 6 أساطير، أسطورة البيت، وأسطورة لعنة الفرعون، وأسطوة حارس الكهف، وأسطورة الندّاهة، وأسطورة الجاثوم وأسطوة العودة إلى البيت، يجمع بينها شخصية رفعت أما الأحداث فتائهة خصوصاً لمن لم يقرأ الرّواية، وجاء ليتعرّف إلى الأحداث عن طريق مسلسل، خرج من عباءة الأعمال العربيّة التقليديّة، ليقدّم إبهاراً بصرياً على طريقة أعمال نتفليكس العالميّة، صفّق المشاهد العربي فرحاً بعمل صنّف ضمن 250 عملاً الأكثر مشاهدةً على المنصّة، بعد أن تُرجم  إلى أكثر من ٣٢ لغة في ١٩٠ دولة حول العالم.

DSC08508.ARW

يُحسب للعمل الحوارات الغنيّة، والأداء العالي للممثّلين أحمد أمين بدور الدكتور رفعت ورزان جمّال بدور ماغي، كما يحسب له إخراجه الدراما العربيّة من إطار القصص المكرّرة، واقتباسها واحدة من أكثر القصص مبيعاً في العالم العربي، ويحسب عليه أنّ القصص جاءت مبتورة، والجمع بينها بدا هزيلاً، بانتظار موسمٍ جديد يستفيد صنّاعه من ثغرات الموسّم الأوّل الذي نجح جماهيرياً لأسبابٍ عدّة تبدأ في شغف المشاهد العربي في رؤية أعمالٍ ناطقة بالعربيّة بعيداً عن الأعمال التي استهلكتها شاشاتنا حدّ الخواء، وفي الشعبيّة التي تحظى بها روايات أحمد خالد توفيق لدى قرّائه، وفي أداء أحمد تامر الذي قدّم أداءً مبهراً راسماً شخصيّة دراميّة لن تمرّ مرور الكرام.

يحتاج تقييم المسلسل إلى أبعد من تقييم عاطفي قائم على فكرة أنّنا كعرب قادرون على مقارعة الغرب في عقر داره بإنتاجاتنا، فبعد إدراج موقع IMDb المسلسل ضمن أكثر الأعمال مشاهدة، عاد وحذف المسلسل من القائمة معتبراً أنّ التقييمات التي حصل عليها زائفة، وتحتاج إلى المزيد من الدقّة والوقت، وهو ما يؤشّر إلى تعديلات ستطال الموسم الثاني، لتخطّي الثغرات وتقديم عملٍ قائم على حبكة متماسكة أكثر مما هو قائم على الإبهار البصري فحسب.

إيمان إبراهيم

إيمان إبراهيم

صحافية لبنانية، خريجة كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. كتبت في شؤون السياسة والمجتمع والفن والثقافة. شاركت في إعداد برامج اجتماعية وفنية في اكثر من محطة تلفزيونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى