سياسة

من نكبة فلسطين إلى نكبة إسرائيل… التاريخ يُكتب الآن

فلسطين معيار الإنسانية والأخلاق، لا سلام ولا اطمئنان للمنطقة والعالم ما لم تكن فلسطين بخير، تلك السردية التاريخية التي لا تنتهي منذ 73 عاماً… ما يحدث في فلسطين اليوم من كتابة ملحمة جديدة في سلسلة الملاحم التي أعقبت الهجرة الأولى، نَسَفَ كل هرولات التطبيع والسلام المزيّف من كامب ديفيد إلى أوسلو واتفاقية أبراهام وأسقَطَ حل الدولتين….

الدولة المسروقة التي قامت على أكبر سرقة في التاريخ تقع في الفخ مجدداً في كل معركة مع الفلسطينيين.

بعد 73 سنة على نكبة فلسطين بدأت نكبة الكيان الاسرائيلي المغتصب، الذي ظنّ بغباء مفرط أنه يستطيع سرقة حي آخر من الأحياء الفلسطينية، حي الشيخ جرّاح، هكذا وبفجور مطلق تراءى له وسط سكون السلاح والترويج لسلام مزيّف، لم يكن يُدرك أنه يُوقظ “التنين” ويلتهب بنيرانه ليس من الضفة وغزة فحسب بل من داخل مستعمراته الآمنة وفق ظنّه.

المواجهات التي دارت في مدن وبلدات الأرض المحتلة عام 1948، لم تكن في حسبان حكومة الاحتلال، إيقاعها ونوعيتها أربكها، وذهب بعض الإسرائيليين إلى الدعوة لإنهاء العدوان على غزة وضبط الأمن في الداخل، الذي فجرّته اعتداءات العدو ومستوطنيه في المسجد الأقصى، والقدس، والعدوان المتواصل على قطاع غزة.

بين القدس وغزة واللدّ وعسقلان وتلّ الربيع. ثمّة خريطة تستعيد شرايينها المتشابكة حرارة الدماء فيها وتعيدها للحياة. ويتجدد الخطاب المعادي لإسرائيل ألقه في العواصم العربية وأيضاً عواصم العالم.

التاريخ مُشَرّعٌ دائماً لهذا الشعب، بين نكبة 15 أيار 1948 ومواجهة 15 أيار 2021 المستمرة، السردية الفلسطينية لا تنتهي. لم تتراجع قدرته على المقاومة قيد أنملة، هي غريزة تتوارثها الأجيال.

هذه القضية العنيدة العصية على الانتهاء، تشتعل نيرانها لتوقد ما خلا للبعض أنه نام حتى إشعار آخر، استعادة الحق الفلسطيني وتقدم الصراع مع الكيان الغاصب على ما عداه من قضايا العرب.

لا لم تمت القضية الفلسطينية هي مفتاح توازن هذا العالم إن اهتزت اهتز وإن خابت يخيب العالم. لن يستوي العالم المثقل بتداعيات الوباء المفترس والاقتصادات المهتزة، ولن يستقيم حال الدول العربية المنهك بعضها بالحروب المفتعلة وتلك المثخنة بالأزمات المختلفة ما لم تستقيم فلسطين، هي البوصلة ليس شعار عاطفي بل فلسطين البوصلة هي واقع معاش ومتخم بالتفاصيل التي تمد شرايينها إلى المنطقة والعالم.

في السنوات القليلة الماضية علت الخيبة وطاف اليأس، كان المناخ قاتماً مع خمود البندقية ونوم الحجارة، عمقت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من مرارة الخيبة. دعمه المطلق لدولة الاحتلال وحماسه المفرط الذي يُطَعِّمُه به صهره الصهيوني جاريد كوشنر، لكل مشاريع التوسعة الإسرائيلية والاستيطان وزيادة المستعمرات، وتهافت دول عربية للالتحاق بمشاريع التطبيع السياسي والاقتصادي، زادت من فقدان الأمل بحدوث شيء ما على طريق التحرير الكبير.

والتسليم العربي بمشروع حل الدولتين المرفوع دولياً، الذي على افتقاره للعدالة ترفضه إسرائيل، والانقسام الفلسطيني الحاد حول القضية والمشروع وأدوات التحرير، من الأسباب التي أثقلت على فكرة تحرير فلسطين.

لكن في أسبوع واحد أعادت المقاومة، ما لم تستطع الأحزاب الفلسطينية تحقيقه منذ الانقسام الفلسطيني عام 2005، وهو توحيد الشعب على كامل الأراضي الفلسطينية. صدور مفتوحة على المواجهة وقبضات مرفوعة لنصرة الصواريخ والرصاص ورؤوس مرفوعة على وعد التحرير. كل فلسطين في الشوارع والأزقة حتى في مدن وأحياء الداخل والمختلطة وهذا ما أدار الدفة.

الدفة التي استلمتها غزة، الوسيط الاستراتيجي لمقاومة المقدسيين ودرع الأقصى والقدس الواقي من أطماع قطعان المغتصبين. تبدو أقوى يوماُ بعد يوم ضرباتها المسددة تهدم أسوار الثقة بجبروت الصهيونية. وتكشف وهن التكنولوجيا العسكرية للجيش الأعتى إجراماً في التاريخ.

السرعة التي أطلقت بها الصواريخ باتجاه المدينة لم تأتِ لتدعو إلى رفع اليد عن الأقصى وحي الشيخ جراح، بل لتدل على أنّ الفصائل هم صُنّاع القرار في المعركة بعد دخولهم على خط القدس، باستعمال الصواريخ الفعالة التي استطاعت تجاوز منظومة القبة الحديدية وأضحت مثار سخرية من الإسرائيليين أنفسهم، وأظهرت تطور المخزون التكنولوجي لدى المقاومة، وتزايد خبرات المقاومين الفلسطينيين ودقتهم في التصويب، ما شكل تحدياً كبيراً لـ”إسرائيل”، وأظهر عجزها الاستخباري عن منع تحوّل يومياتها إلى جحيم حقيقي.

قد تنتهي المعارك الدائرة بوساطة مصرية حسب التوقعات، وعبر اتصالات بدأتها الإدارة الأميركية التي أوفدت مندوبها هادي عمرو، الذي يتولى منصب نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي للشوؤن الفلسطينية الإسرائيلية الملحق بقسم الشرق الأدنى في الخارجية الأميركية.

“الوسطاء الرئيسيون في هذا الصراع والذين يتمتعون بنفوذ حقيقي لدى حماس وعلاقة وثيقة مع الإسرائيليين هم المصريون” يقول إيلان غولدنبرغ، الذي عمل في الشؤون الإسرائيلية الفلسطينية في إدارة الرئيس أوباما إلى جانب هادي عمرو,  وحسب ما كتب على “تويتر” فإنّه “في نهاية المطاف ستنتهي جولة العنف هذه على الأرجح باتفاق يعقد في القاهرة”.

القاهرة التي أرسلت وفداً مصرياً إلى حكومة الاحتلال لإجراء محادثات مع الجانب الإسرائيلي بعد أن التقى أولاً بمسؤولي حماس في غزة، لم تكشف حتى الآن عن تقدم ما في مبادرتها لوقف إطلاق النار.

الهدنة المؤقتة لا تُلغي فكرة أن مساراً جديداً يُرسم للقضية الفلسطينية وهي أن “إسرائيل” لم تعد هي التي تقود دفة الصراع وتفقد قدرتها على ارتكاب المزيد من الحماقات.

قد يأتي اتفاق وقف إطلاق النار، لكن لن تتوقف حتمية الصراع وسط التجييش العنصري الإسرائيلي. وبعدما كادت أن تنتزع يوميات القهر الوطني فلسطين من يوميات المواطن العربي، وكانت تعبر بخفر دون ضجيج في آلاف المواد الإخبارية التي تعبر أحزان العالم وهواجسه وأطماعه وحروبه، عادت لتتصدر المشهد وتُحيي شوارع العالم الساكنة اختباءً من وباء قاتل هاجم الكرة الأرضية. 

من لبنان إلى العراق واليمن والجزائر وسوريا وتونس والأردن بحنجرة واحدة وقلب واحد يلهج بفلسطين. وبمشاركة شعوب وعرقيات متنوعة عمت مظاهرات التضامن الشعبية مع الفلسطينيين العديد من الدول في مختلف قارات العالم. هتفت حناجرهم بشعارات منددة بالعدوان الإسرائيلي على القدس وقطاع غزة، وحملوا الأعلام الفلسطينية ولافتات تطالب بالحرية لفلسطين.

وفلسطين، التي يتحرك مناصرو العدالة في العالم لأجلها، لا تزال على وعدها أنها سيدة الأرض وتكتب التاريخ الآن وعلى طريق التحرير ثمة صولات وجولات لمعارك كثيرة وصواريخ تهدد اطمئنان عمق العدو.

 

رانيا برو

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى