عودة في عظة الفصح: يغامرون بالقليل المتبقي من البلد من أجل مصالحهم
نحن بحاجة إلى حكومة لا تسيطر عليها الأحزاب المتناحرة
عبّر متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس، المطران الياس عودة، عن حزنه لما وصل إليه لبنان، هذا البلد الذي تغنى به الشعراء وأنشده المغنون وحسده الجيران والأبعدون، معتبرًا أن هذه الأرض الصغيرة التي اعتنق أبناؤها الحرية والثقافة والإبداع، وكانت ملتقى الحضارات وتفاعل الأديان، باتت اليوم غابة مقفرة محاصرة معزولة عن العالم، يعشّش فيها الفساد ويحكمها اليأس وانسداد الأفق.
وفي عظة قداس عيد الفصح، في كاتدرائية القديس جاورجيوس، أكد عودة أن “حالتنا ليست ابنة يوم أو سنة، إنما تراكمت الأخطاء وتجذّرت السيئات حتى فقد لبنان مقومات بقائه، فانفجر الشعب في 17 تشرين وعبر عن الغضب الشديد المكتوم، ثم جاءت كارثة المرفأ لتزيد السواد سوادًا، فتدهورت الأوضاع بشكل جنوني ولم تعد المشكلة مالية اقتصادية وحسب، بل أصبحت وجودية لأن من يتولون أمور البلد يغامرون بالقليل المتبقي منه من أجل تأمين مصالحهم والحفاظ على مكتسباتهم والإستمرار في مواقعهم على جثة الوطن والمواطنين”.
وأردف عودة: “حتى الجراد جاء يأكل مزروعاتنا ويحرم منها من لم يعد بإمكانهم شراؤها؛ أما تلك المعدّة للتصدير، فأغلقت دونها الأسواق لأن البعض أرادوا لبنان بعيدًا من إخوته ومحيطه، فجعلوه معبرًا للممنوعات التي تفسد العقول وتجني على من يتعاطون بها”.
من هنا، رأى المطران عودة أن “رفض الأسواق العربية منتوجاتنا الزراعية يزيد الخناق علينا ويلحق الضرر بالمزارعين”، آملًا باتخاذ إجراءات فعلية حازمة تحول دون مقاطعة المنتجات اللبنانية، وأولها رقابة مشددة على المعابر الحدودية، ورفع الغطاء عن كل مروجي أو مهربي المخدرات، ومعاقبتهم مهما كان دينهم أو انتماؤهم.
وتابع: “في هذا اليوم الذي نصرخ فيه “المسيح قام”، نصلّي من أجل أن يقوم لبنان من تعثّره ويسترجع دوره ورسالته”، مشددًا على ضرورة تشكيل حكومة فاعلة تقوم بالإصلاحات الضرورية، وتعيد الحياة إلى مؤسسات الدولة وإداراتها، وتفعل أجهزة الرقابة، وتفرض هيبة الدولة والقانون وتكسب ثقة المجتمع الدولي.
وفي السياق، قال عودة: “نحن بحاجة إلى حكومة لا تسيطر عليها الأحزاب المتناحرة، بل يكون أعضاؤها من أصحاب الإختصاص الناجحين في أعمالهم، المجلين كل في حقل اختصاصه، غير طامعين بمكاسب ونفوذ، بل مريدين خدمة وطنهم ووقف انهياره وإصلاح إدارته. نحن بحاجة إلى حكومة تنتزع ثقة الشعب بإنجازاتها وأولها مصارحة الشعب بالحقيقة، حقيقة انفجار المرفأ، والحقيقة حول وضع البلد المالي، وما مصير ودائع المواطنين وجنى أعمارهم، ومن تسبب في اندثارها، والحقيقة حول تهريب المحروقات والمواد الغذائية المدعومة بمال الشعب، ووضع المعابر والجمارك والإنفلات على الحدود”.
وأضاف: “نحن بحاجة إلى حكومة تفرض القانون وتحاسب، تقتص من كل من يتطاول على هيبة الدولة وعلى المال العام، ومن يقوم بالاغتيالات، وكل من يشوه وجه لبنان بجعله مصدرا أو معبرا للممنوعات، وكل من يستغل مركزه أو نفوذه لتهريب ثروات اللبنانيين ومنتوجاتهم بطرق غير شرعية. نحن بحاجة إلى حكومة تكافح الفساد بالفعل لا بالشعارات، وتحفظ حقوق الناس، كل الناس، وكراماتهم، وتمنع أي تعد على المواطنين، كل المواطنين بلا تمييز، وبخاصة الإعلاميين، كل الإعلاميين، لأننا لا نميز بين خلائق الله المتساوية في الكرامة”.
وختم كلامه قائلًا: “نحن بحاجة إلى حكومة تنقلنا من الحضيض إلى حياة كريمة ينال فيها المواطن حقوقه بلا منة من أحد، ويقوم بواجباته بفرح وثقة بدولته العادلة المستقوية فقط بجيشها الساهر على أمنها، وبقضائها المستقل الذي يحكم بإسم الشعب، لا باسم فئة أو حزب أو طائفة”، متوجهًا إلى “الغيارى على مصالح الناس وأموالهم” بالقول: “إننا أكثر حرصا منكم عليها، ونحن لم نتوقف يومًا عن المطالبة بإعادة الحق إلى أصحابه، وبكشف كل مجرم بحق المواطنين، وكل سالب لأموالهم أو متعد على حقوقهم. وللوصول إلى هذا الحق نحن بحاجة إلى قضاء متحرر من السياسة ومن كل ارتباط، ليحكم بالحق والعدل والنزاهة وعدم التمييز”.