مؤشرات انفراج في ملف الحكومة رغم حرب البيانات
اتصالاتٌ بدأت بين عواصم غربية وعربية نجحت في تحريك المياه الراكدة وأبدت مؤشراتٍ بأن تشكيل الحكومة لم يعد مستحيلًا وفق ما كشف مرجعٌ معني مباشرة بالمفاوضات، لافتًا إلى أن التصعيد الحاصل على خط بعبدا – بيت الوسط ما هو إلا محاولات أخيرة لتحقيق مكاسب ورفع سقف التفاوض، وأن الخلاف المستجد جاء بعد استشعار الطرفين بأنّ ملف التأليف عاد إلى واجهة الاهتمام الخارجي مع تسلّم إدارة الرئيس جو بايدن السلطة في الولايات المتحدة والاتصالات الفرنسية الأميركية وتصاريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي اتصل بالرئيس ميشال عون وتداول معه في الأوضاع الراهنة وخصوصًا في ما آل إليه مسار تشكيل الحكومة، مجددًا التأكيد على استمرار مساعي فرنسا في مختلف المجالات ولا سيما الملف الحكومي.
وفي حديثٍ سابقٍ لقناة “العربية”، كان ماكرون قد أعلن أنّه سيقوم بزيارةٍ ثالثةٍ إلى لبنان بعد التحقق من أمور أساسية، وسيفعل كل شيء لتشكيل الحكومة حتى لو كانت غير مكتملة المواصفات، موضحًا أن “النظام اللّبناني في مأزق بسبب الحلف الشيطاني بين الفساد والترهيب”، ومشددًا على أن “المبادرة الفرنسية هي الوحيدة التي تسمح بالتقدم نحو حل في لبنان”.
وتابع الرئيس الفرنسي بالقول إن “خارطة الطريق الفرنسية ما زالت على الطاولة ولا حلول غيرها”، مضيفًا: “عاطفتي تذهب نحو شعب لبنان، أما قادته فلا يستحقون بلدهم. لبنان نموذج تعدّدي في منطقة عصف بها الجنون. شعب لبنان رائع وقدّم في الخارج نجاحاتٍ فكريةً وثقافيةً غير مسبوقة”.
ماكرون الذي بات معنيًا بملف التشكيل منذ بداياته وضليعًا في خفايا وقطب النسيج اللّبناني، لن يغامر بالمجيء إلى لبنان مرةً ثالثةً في وقتٍ يواجه فيه عدّة أزماتٍ في بلده، إلّا إذا استشعر إمكانيةً لفتح ثغراتٍ في الجدار السميك بين بعبدا وبيت الوسط بناءً على تعهداتٍ أكيدةٍ مسبقة. هو لم يحدد موعد الزيارة بل ربط ذلك بتحقق أمورٍ أساسيةٍ، إلّا أنها تبدو قريبة في ظل الحديث عن خطوط اتصالات بين فرنسا، ربما عبر سفارتها في بيروت، والأفرقاء اللّبنانيين المعنيين بالتأليف والتي أُعلن منها اتصال ماكرون بعون، مع التسلّح بدعمٍ أميركيٍ مستمدٍّ من انتهاء ولاية رئيس العقوبات دونالد ترامب ومن أوّل اتصالٍ هاتفيٍّ بين الرئيسين ماكرون وبايدن الذي أكّدا فيه رغبتهما في العمل المشترك لإرساء السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، والأوضاع في لبنان ستكون من جملة القضايا التي ستشهد تعاونًا بين واشنطن وباريس عبر اتصالاتٍ وثيقةٍ خلال الأسابيع المقبلة.
أمّا عن تفاصيل التأليف، فيقول المصدر إن مسألة الخلاف على عدد الوزراء ليس عقدةً أساسيةً، فرئيس الجمهورية ميشال عون كان قد وافق سابقًا على طرح الـ 18 وزيرًا، وأغلبية الأطراف الداخلية أصبحت مقتنعةً بأن ظروف التشكيل حاليًا تختلف عن السابق، وبالتالي فإنّ حصول أي طرف من الأطراف على الثلث الضامن صعب أن يتحقق.
وفي آخر مستجدات حرب البيانات بين بعبدا وبيت الوسط، ردٌ للمكتب الإعلامي للرئيس المكلّف سعد الحريري على الكلام المنقول عن عون في جريدة الأخبار ببيانٍ جاء فيه: “لقد غاب عن فخامة الرئيس أنّه أودعني قائمة بمجموعة أسماء، اخترت منها وفقًا للأصول مجموعة من المشهود لهم بالكفاءة والاختصاص، كما غاب عن فخامته أنّ الحلّ الذي اعتمد لوزارة المال تمّ بالتوافق ولم يقع الاعتراض عليه من قصر بعبدا، بدليل أنّ الورقة التي سلّمني إيّاها لاحظت تخصيص وزارة المال للشيعة. أمّا الثلث المعطّل، فله كما يعلم شأن آخر يقودنا إلى ورقة توزيع الحقائب على الطوائف وممثلي القوى السياسية، وهي ورقة تشكّل خرقًا تامًا لمبدأ تشكيل حكومة من أهل الاختصاص، وتستدرج التشكيلة تلقائيًا إلى خانة الثلث المعطل”. وأضاف: “في المحصلة يستحسن العودة إلى التأكيد أنّنا نطالب بحكومةٍ من الاختصاصيين والقصر يريد حكومة من الحزبيين، والقطبة الخفية في هذا المجال لم تعد مخفية. وبالمختصر المفيد لن تكون هناك حكومة إلا من 18 وزيرًا … ونقطة على السطر “.
وفي ردٍّ على الرّد، أصدر مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية بيانًا أشار فيه إلى أنّ “الرئيس المكلّف من خلال ما جاء في ردّه، مصمّمٌ على التفرّد بتشكيل الحكومة رافضًا الأخذ بملاحظات رئيس الجمهورية التي تجسّد الشراكة في تأليف الحكومة. وبالمختصر المفيد، لن تكون هناك حكومة تناقض الشراكة والميثاقية والعيش المشترك الحقيقي، المبنيّ على التوازن الوطني وحماية مرتكزاته”.
في ختام جولة البيانات والتصريحات الأخيرة، عقّب المستشار الإعلامي للرئيس الحريري حسين الوجه على بيان بعبدا بتغريدةٍ اعتبر فيها أنّ رئيس الجمهورية مصمّمٌ على فرض معايير غير دستورية والعودة بالبلاد إلى ما قبل الطائف والعهد القوي يعاقب نفسه بنفسه.
وفي معرض التعليق على ما شهدته طرابلس من حرائق، أكّد رئيس مجلس النواب نبيه برّي أنّ المطلوب من المعنيين بتشكيل حكومة “إنقاذ ومهمّة” ومن معرقلي تشكيلها المبادرة والتحرّك سريعًا لإطفاء الحرائق السياسية والأمنية والمعيشية والإنمائية والصحية وتصفية الحسابات وصراع الأجندات الخارجية، مضيفًا: “المطلوب فورًا أن يقلع الجميع عن استخدام وجع الناس في أي استثمارٍ سياسيٍّ رخيصٍ لتحصيل مواقعَ وزاريةٍ أو إداريةٍ على حساب مصير الوطن”.
وفي هذا الإطار، كشف مرجع أمني أنّ الحريري كان مرحبًا في البداية بتحرّكات الشارع في عاصمة الشمال طرابلس آملًا أن يساهم ذلك في وضع المزيد من الضّغط على العهد في مسألة التشكيل، ليعود لاحقًا ويصعّد في وجه الجيش اللّبناني بعد استشعاره دخول شقيقه بهاء الحريري والوزير السابق أشرف ريفي ومجموعات محسوبة على اليسار والمجتمع المدني بين صفوف المحتجّين في ساحة النور بهدف تجيير التحرّكات لحسابات سياسية وتطويرها إلى أعمال شغب، رابطًا ذلك بمحاولةٍ من بهاء الحريري لإضفاء المزيد من العرقلة على ملف الحكومة.