
في مشهد يعكس تحوّلات خفية في المزاج الديني والاجتماعي، رصدت عدسة “أحوال ميديا” مجموعة من الدعاة في دمشق وهم يتجولون في أحد شوارع العاصمة، حاملين منشورات دعوية تتضمن مقتطفات من تعاليم المرجع السلفي ابن تيمية المشهد، الذي بدا عادياً للبعض، أثار تساؤلات عميقة حول عودة الخطاب السلفي إلى الفضاء العام، بعد سنوات من التراجع أو الانكفاء.
الصور الحصرية التي حصلنا عليها تُظهر أربعة أفراد، بعضهم يرتدي زيًا تقليديًا أبيض مع كوفية حمراء، وهم يسيرون على الرصيف قرب عربات طعام ومبان سكنية. في أيديهم منشورات مطبوعة بعناية، تحمل عناوين مثل “الولاء والبراء”، “أحكام التوحيد”، و”الرد على أهل البدع”، وهي مفاهيم مركزية في فكر ابن تيمية، المرجع الأبرز للتيار السلفي.

من يقف وراء الحملة؟
لم تُعلن أي جهة رسمية أو دينية مسؤوليتها عن النشاط، لكن مصادر محلية تشير إلى أن المجموعة تنتمي إلى تيار دعوي غير حزبي، ينشط في المناطق التي تشهد فراغًا مؤسساتيًا، ويستغل المناسبات الدينية والاجتماعية لنشر رسائله.
ردود فعل متباينة
بعض السكان عبّروا عن ارتياحهم لعودة “الدعوة إلى الله” إلى الشارع، معتبرين أن ذلك يُعيد التوازن الأخلاقي للمجتمع.
في المقابل، ناشطون علمانيون حذّروا من أن هذه الأنشطة قد تُمهّد لعودة الخطاب الإقصائي، خاصة إذا ارتبطت بتفسيرات متشددة للدين.
مراقبون سياسيون رأوا في الحملة مؤشرًا على تساهل السلطات المحلية مع التيارات الدينية، في محاولة لكسب شرعية شعبية أو تهدئة المزاج العام.

لماذا ابن تيمية الآن؟
اختيار تعاليم ابن تيمية ليس عشوائياً ولم يأت من فراغ، فالرجل يُعد من أبرز منظّري الفكر السلفي، وتُستخدم كتاباته في بناء خطاب ديني يقوم على الفرز العقدي والتمسك بالنصوص. في سياق ما بعد الحرب، حيث يبحث المجتمع عن مرجعيات جديدة، يبدو أن بعض التيارات ترى في ابن تيمية بوصلة لإعادة تشكيل الهوية الدينية.
بين الدعوة والتأثير السياسي
رغم أن النشاط يبدو دعويًا بحتًا، إلا أن الفضاء العام في سوريا الجديدة لا يخلو من التداخل بين الدين والسياسة. فكل منشور، وكل زي، وكل كلمة، تُقرأ كرسالة ضمنية عن التوجهات القادمة. والسؤال الذي يطرحه كثيرون: هل نحن أمام عودة منظمة للخطاب السلفي، أم مجرد نشاط فردي لا يحمل دلالات أوسع؟



