
في تطور خطير يكرّس سياسة الإحلال الديني والإقصاء الممنهج، تعرض الشيخ الدكتور محمد خير الشعال – أحد علماء دمشق البارزين المنتسبين للمذهب الأشعري – لاعتداءٍ بالضرب والطرد من مسجد في بلدة قارة بريف دمشق، على يد مسلحين تابعين لما يعرف بـ “سلطة الأمر الواقع” التكفيرية.
الحادثة، التي تم توثيقها بفيديو مصور ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من الاعتداءات التي طالت عشرات الأئمة ومشايخ الصوفية وأتباع المذهب الأشعري في مختلف المحافظات السورية بعد سيطرة الجماعات المتشددة على السلطة في سوريا.
الفارق الوحيد أن أحداً لم يصور تلك الاعتداءات التي تجري غالباً في الخفاء، مرفقة بتهديدات بالتصفية الجسدية في حال حاول هؤلاء العلماء العودة إلى منابرهم.
مسجد يتحول إلى ساحة عنف
بحسب روايات شهود عيان، كان الشيخ الشعال قد بدأ محاضرة دينية في مسجد البلدة ، ليفاجأ بمجموعة مسلحة من “أتباع قرن الشيطان وشيوخ التكفير” – كما وصفهم الناشطون – تقتحم المكان “بصراخ وعياط وكلام بذيء وقليل أدب”.
وأجبر المسلحون الشيخ على إنهاء المحاضرة فوراً تحت تهديد السلاح، وسط فتنة عمدوا إلى إثباتها في بيت الله، مُنتهكين حرمته بدلاً من حمايتها.
هذا الاعتداء ليس سوى القمة الظاهرة لجبل الجليد
· استراتيجية إحلال : تكشف هذه الحوادث عن مخطط واضح لتفريغ المساجد من أئمتها التاريخيين، واستبدالهم بأتباع ينتسبون إلى الفكر السلفي المتشدد، ويخضعون لفتاوى ابن تيمة وتيارات التكفير.
· قمع التنوع الديني: يتم تنفيذ حملة منظمة لتكفير ووصم كل من يخالف هذا الخط الوهابي الضيق، حيث يُلصق بـ “الشيخ الشعال” وأمثاله تهم “الشبيح” و”الصوفي” و”الأشعري” لتبرير الاعتداء عليهم.
· ثقافة الإفلات من العقاب: تجري معظم هذه الانتهاكات في سرية، بعيداً عن أعين الكاميرات ، مما يخلق بيئة من الخوف والترهيب ، ويضمن استمرار هذه السياسات دون محاسبة.
ردود أفعال: استنكار وغربة
أثار الحادثة موجة استنكار واسعة، حيث استشهد الكثيرون بقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا}، مؤكدين أن منع العلماء والصالحين من الذكر هو صورة صريحة من صور المنع والخراب.
وكتب أحد الدمشقيين مغلّفاً مشاعر الغبن والسخط:
“وكم من عالم متفضل قد سبه من لا يساوي غرزة في نعله”
تعكس هذه الكلمات الإحلال العميق بـ “أصبحنا غرباء في بلادنا”، حيث يُطرد أهل البلاد الأصليون من دور عبادتهم، ويُستبدلون بمن يفرض عليهم فكراً دخيلاً بعنف السلاح.
تذكير بماضٍ دامٍ
يذكر أن هذا النهج ليس جديداً، فقد سبق أن تم قتل شيخ صوفي في حماة، واعتُدي على مريدين في مساجد أخرى بالعصي، في سلسلة من الأفعال التي تتناقض جذرياً مع سماحة الإسلام ووسطيته.
جرس إنذار من هيمنة هذا الفكر المتطرف
اعتداء قارة هو جرس إنذار يدق ناقوس الخطر من استمرار هيمنة هذا الفكر الإرهابي المتطرف ، الذي لا يعترف بالآخر، ويستبيح الدماء والأعراض والمقدسات.
إنه “فكر” لا يمكن أن يبني دولة، بل سيبقى عبئاً على المجتمع ، ومصدراً لا ينضب للفتن ما لم توضع له حدود، وتُستعاد السلطة من يد من اغتصبوها واستباحوا حرمة المساجد من أيدي من يعيثون في الأرض فساداً.



