منوعات

الجمعية العامة للأمم المتحدة… حروب شتّى وكلام وكورونا

أيلول شهر العالم في مدينة نيويورك موطن الحدث العالمي، حيث أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة رفيعة المستوى. المدينة ذات الهويات المتعددة شهدت هذا العام حضورًا كثيفًا للدول المشاركة بعد غياب عامين بسبب الوباء، الذي فرض قساوته على المدينة التي كانت ولا زالت تُعد نقطة تقاطع العالم جامعةً في مكوّناتها بين الدول الغنية والمتوسطة تلك الأشد فقرًا.

هي قمة للخطابة والبكاء وعرض القوة، لا فعالية لأنشطتها باعتراف أعضائها وأمينها العام أنطونيو غوتيريش، الذي أقرّ بالعجز، وقد أضحت هذه المؤسسة الدولية حارسًا للجهود الإنسانية وتقديم الدواء والغذاء دون أي دور للحسم والعزم السياسيين لفرض قراراتها على الدول بخاصةٍ الدول الكبرى لوقف الحروب وإقامة السلام العادل على الكرة الأرضية.

بسبب الجائحة والحرد السياسي واللاجدوى، حضر بعض القادة بشكل شخصي، ومنهم رؤساء أميركا جو بايدن، والبرازيل جايير بولسونارو، وتركيا رجب طيب أردوغان، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، وملك الأردن عبد الله الثاني، ورؤساء حكومات بريطانيا بوريس جونسون، والهند ناريندرا مودي، وكيان الاحتلال إسرائيل نفتالي بينت. وبعضهم الآخر أرسل وزراء خارجية وموفدين رفيعي المستوى، ومنهم من اختار التخاطب أمام الجمعية عن بعد ومن بينهم لبنان والسعودية والأردن ومصر.

الدورة السادسة والسبعين شهدت مناقشات بشأن التحديات المشتركة التي ينبغي للعالم مواجهتها تتمثل في الأزمات السياسية أو الأمنية، والتحديات العالمية على غرار مكافحة تغيّر المناخ، وحماية التنوع البيولوجي، والصحة، والدفاع عن حقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي والمساواة بين الجنسين، وكذلك الحصول على معلومات حرة ومتعددة المصادر وموثوقة.

واستُهل أسبوع الاجتماعات الرفيعة المستوى للدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 أيلول/ سبتمبر 2021 في مقر الأمم المتحدة في نيويورك. وبسبب جائحة كوفيد-19. خضعت الوفود الزائرة هذه السنة لإجراءات وضوابط تقييدية صارمة، فيما شهدت المنطقة المحيطة بالجادة الأولى في الشارع 42 إجراءات أمنية مشدّدة.

أمّا الموضوع العامّ للمناقشة العامّة فهو: “بناء القدرة على الصمود من خلال الأمل من أجل التعافي من كوفيد-19، وإعادة البناء على نحو مستدام، والاستجابة لاحتياجات الكوكب، واحترام حقوق الناس، وتنشيط الأمم المتحدة”.

التصدّي لتحديات العالم، يكمن عبر تعدديّة الأطراف ومبدأ العمل والتعاون في إطار التحالف من أجل تعددية الأطراف بما يشمل الدول الصغيرة والفقيرة، بحسب دبلوماسيين لكن مثل هذا التوجه لا يزال بعيد المنال بحسب ما أثبتته الوقائع في عالم أحادي السيطرة.

“أوكوس” النزاع الأميركي الفرنسي

الأزمة الدبلوماسية غير المسبوقة بين الولايات المتحدة وفرنسا بعد صفقة الغواصات مع أستراليا وولادة تجمّع قوى جديد “أوكوس AUKUS بين أميركا وأستراليا وبريطانيا، كانت نجم فعاليات الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة في وقت أعلنت واشنطن إعادة فتح حدودها مع الاتحاد الأوروبي. ولم يسجّل في أنشطة الجمعية العامة الموازية أي لقاء بين وزيري خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن وفرنسا جان-إيف لودريان وعلى ما يبدو ليس من المقرر عقد أي لقاء ثنائي من أجل طي صفحة الخلاف.

كان الاعلان في 15 أيلول/ سبتمبر عن تحالف أمني أبرم بين الولايات المتحدة واستراليا وبريطانيا للتصدي للصين، وراء الأزمة لأنه جاء بدون علم الفرنسيين الذين خسروا عقدًا ضخمًا لبيع غواصات طلبتها كانبيرا. وقد أدّت الأزمة المستجدة إلى إلغاء مشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بسبب “طعنة في الظهر” و”كذب” و”خيانة للثقة”، بحسب التوصيف الفرنسي.

 

فلسطين والعرب

في السابق كان العالم ينتظر خطب بعض الرؤساء العرب بعلاماتها الفارقة وحس الشعر والخطابة والسلوك المغاير والمثير للجدل، لكن هذا العام ومع غياب أغلب الرؤساء العرب عن المنبر لم يحضر شخصيًا سوى رئيس العراق وأمير قطر شخصيّا.

لبنان المحن والشجن، استنجد بالمجتمع الدولي عبر كلمة رئيس الجمهورية ميشال عون المسجّلة عبر الفيديو، معربًا عن تعويله على “المجتمع الدولي لتمويل مشاريع حيوية في القطاعين العام والخاص من أجل إعادة إنعاش الدورة الاقتصادية وخلق فرص عمل”، و”في مساعدتنا على استعادة الأموال المهربة والمتأتية من جرائم فساد”. وأشار عون إلى استمرار التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان، لافتاً إلى اتصال آخر مظاهرها بـ”السعي الإسرائيلي للتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة المتنازع عليها على الحدود البحرية”.

كلمة عون التي شملت كافة النقاط الهامة المتعلّقة بالوضع اللبناني كان يفترض أن توازيها حركة اتصالات دبلوماسية في أروقة الأمم المتحدة. ورأت مصادر سياسية أنه كان من الأجدى حضور وفد رسمي على رأسه وزير الخارجية الجديد عبد الله بو حبيب، للاستفادة من هذا التجمع الدبلوماسي العالمي الكبير وقيادة اتصالات مباشرة مع ممثلي الدول نظرًا لخبرته الطويلة والعميقة في دبلوماسية هذا العالم.

فلسطين، القضية المركزية للعرب حضرت بكلمة عبر الفيديو للرئيس الفلسطيني محمود عباس، شكلت خطابًا مستعادًا لا جديد فيه. وأعاد طرح كل من: أهمية استئناف المفاوضات على أساس حل الدولتين محذراً من تقويض هذا الحل وتداعياته، ضرورة عقد المؤتمر الدولي للسلام، عدم مواصلة الالتزام بالاتفاقات الموقع عليها والتلويح بسحب الاعتراف بإسرائيل، التوجه إلى مجلس الأمن والرباعية الدولية والمحاكم الدولية، وأهمية الاعتراف بالدولة الفلسطينية والحصول على العضوية الدائمة، طلب الحماية الدولية، أهمية استمرار الدعم الانساني والاقتصادي.

أما سوريا التي يمثلها الوفد الرسمي الدائم في الأمم المتحدة، فقد سُجل حضور وفدي ما يسمّى “الائتلاف الوطني السوري” المعارض، و”الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا” في اجتماعات على هامش الدورة في نيويورك وواشنطن.

الرئيس البرازيلي وكورونا

منذ عقود البرازيل هي أول المتحدثين في الجمعية العامة، وكشفت “صحيفة نيويورك تايمز” الأميركية سرّ “البرازيل دائماً أول المتحدثين”، أن مسؤولي البروتوكول بالأمم المتحدة، يقولون إنه ومنذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، بادرت البرازيل إلى أخذ الدور الأول في الكلام بعدما لم تتقدم أي دولة أخرى لتكون الأولى في قائمة المتحدثين. ومنذ ذلك الحين الأولى دائماً في لائحة المتدخلين في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتأتي بعد كلمة البرازيل عادةً كلمة رئيس الدولة المضيفة للاجتماعات وهي الولايات المتحدة غالباً.

الرئيس البرازيلي الذي شوهد مرات عدة من دون كمامة خلال الرحلة كان محط اهتمام الإعلام الأميركي، أثار الجدل لرفضه اللقاح المضاد لفيروس كورونا، مصرّا على أنه سيكون “آخر برازيلي” يقوم بذلك. ولسوء حظه ثبتت إصابة وزير الصحة البرازيلي مارسيلو كيروغا، بكورونا بعدما شارك الثلاثاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك التي افتتحها الرئيس جايير بولسونارو. وهذه ثاني إصابة في أوساط بولسونارو منذ وصوله إلى نيويورك. وكان كيروغا إلى جانب بولسونارو في عدة مناسبات من بينها لقاء الاثنين مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الأمر الذي سبّب الكثير من اللغط والحرج في أروقة مبنى الأمم المتحدة وملحقاته على الجادة الأولى من مدينة مانهاتن.

 

بايدن والحرب الباردة

الرئيس الأميركي جو بايدن وفي خطابه الأول كرئيس للولايات المتحدة جدّد أبديّة دعم بلاده لدولة إسرائيل اليهودية “القوي” و”غير القابل للمساومة”، ولكن إدارته تدعم أيضًا قيام دولة فلسطينية كالحل الوحيد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وفي خطابه الطويل والأول في الجمعية العامة رسم الخطوط العريضة لملامح حقبة جديدة من التنافس الشرس مع الصين ولكن بدون “حرب باردة” شبيهة بالحرب مع الاتحاد السوفياتي في القرن المنصرم. وتناول العديد من المشاكل التي تواجه العالم، من الصراعات الإقليمية، لمواجهة أزمة كوفيد-19، والتغير المناخي، وغيرها من القضايا العالمية. وأكد ساكن البيت الأبيض، المشتبه بإصابته بالعجز والخرف، أن “الولايات المتحدة لا تخوض حربًا”، معلنًا من على أكبر مسرح عالمي عن مهمة لاستعادة المصداقية والثقة في الولايات المتحدة كشريك عالمي موثوق به، بعد سلسلة من الأزمات المتباينة، التي شملت انسحاب الولايات المتحدة الفوضوي من أفغانستان، واتفاق الأسلحة النووية، والتحالف مع فرنسا، ولقاحات فيروس كورونا المستجد. وعرج على المفاوضات مع إيران مشددًا على العودة إلى الاتفاق النووي الذي يحول دون امتلاك طهران السلاح النووي. بالتزامن كان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، التقى نظرائه من ممثلي السعودية والكويت ومصر والأردن وقطر والاتحاد الأوروبي، على نيّة الاستقرار وحسن العلاقات مع الجوار والعالم.

الجمعية العامة للأمم المتحدة تطوي أعمالها لهذا العام بعد أيام، فيما العالم على أبواب حرب جديدة ضد تفشي الوباء وحروب أخرى لا تزال تجري على أراض اليمن والعراق وسوريا والصراع مستمر في فلسطين ضد المحتل والفقر والتردي الاقتصادي ينهش غالبية شعوب العالم في آسيا وأفريقيا وصراعات تَخفُت وأخرى تنشب دون حلول تجلب السلام إلى هذا العالم.

 

رانيا برو

 

 

 

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى