منوعات

مدٌّ وجزرٌ بين التيار الوطني الحر وحزب الله

الرئيس ميشال عون: إنه مشروع حرب أهلية ولن أسمح به

 

يحاول رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر من جهة وحزب الله من جهة أخرى “التعايش” بأقل الخسائر الممكنة مع ملف خلافي جديد “أنبت” في منطقة التمايز بين الجانبين، وهو الملف القضائي المتعلّق بسلوك المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار.

واذا كان رئيس التيار النائب جبران باسيل قد أوحى عبر خطابه الاخير بتلاقيه مع الحزب في الشكوى من وجود استنسابية في إجراءات البيطار إلّا أنّه يعتبر أنّ المطلوب تصويب اتجاهات القاضي لا تغييره، وبالتالي هو يرفض الذهاب إلى حدّ المطالبة بإقصائه كما يطالب “الثنائي”، بل أنّه ورئيس الجمهورية  رفضا أيضًا الاحتكام إلى الشارع للاعتراض على تسييس القضاء وسلوك البيطار.

يدرك عون وباسيل أنّ قضية المرفأ تنطوي على أهمية خاصة وحساسية مفرطة بالنسبة إلى البيئة المسيحية التي كانت الأكثر تضرّرًا من الانفجار، وهما يعلمان أيضًا أنّ خصومهما ضمن هذه البيئة وفي طليعتهم سمير جعجع يزايدون عليهما في الدفاع عن البيطار والدعوة إلى كشف الحقيقة لاستقطاب التأييد الشعبي. ومن هنا، يتصرف رئيسا الجمهورية والتيار على أساس مراعاة المزاج المسيحي العام وتفادي منح الخصوم هدايا مجانية، خصوصًا أنّ الانتخابات النيابية أصبحت قريبة وقضية انفجار المرفأ هي أحد الأسلحة الثقيلة التي سيسعى البعض في الداخل والخارج إلى استعمالها للضغط على العهد والتيار ومحاصرتهما، وصولًا إلى إلحاق الهزيمة بهما في الانتخابات، ولذلك يجب تفويت فرصة الاستثمار في هذه القضية على الطرف الآخر وليس تسهيل مهمته، كما يظن “البرتقاليون”.

يتفهم الحزب ضرورات الحليف البرتقالي وهواجسه، لكن له أيضًا اعتباراته وحساباته التي لا يستطيع القفز عنها، لاسيّما أنّه يستشعر أنّ هناك محاولة مريبة للدفع في اتجاه تلبيسه جريمة المرفأ، إلى جانب استهداف حلفائه الآخرين في حركة أمل وتيار المردة، وبالتالي هو لا يستطيع السكوت إزاء هذا المخطّط ولا بدّ برأيه من قطع الحبل قبل أن يلتفّ حول عنقه.

وما يزيد من ارتياب الحزب في تصرفات البيطار هو الدعم الواسع الذي يحظى به من واشنطن وقوى دولية أخرى، وكأنّ هذه الجهات الخارجية تفترض أنّ البيطار بات يشكل الوسيلة الوحيدة لخلخلة التركيبة السياسية الحاضنة للمقاومة بعدما أخفقت المحاولات الأخرى.

وعلى الرغم من أنّ خلاف الحزب والتيار حول طريقة التعامل مع البيطار ليس بسيطًا ولعلّه يشكّل واحدًا من الاختبارات الصعبة لعلاقتهما، غير أنّ كلاهما لا يزال مصرًّا على التمسك بتفاهم مار مخايل، خصوصًا بعدما بات الخيار بينه وبين نموذج كمين الطيونة، مع اعترافهما في الوقت نفسه بأنّ هذا التفاهم يحتاج إلى تحديث وتحصين لمواجهة التحدّيات المتفاقمة.

وتؤكد شخصية قريبة من رئيس الجمهورية لـ”أحوال” أنّ مصيبة جعجع جمعتنا بعد المجزرة التي وقعت في الطيونة، لكنّها تدعو من جهة أخرى حزب الله إلى التروّي ومعالجة شكواه على أداء البيطار ضمن المؤسسات لا خارجها، وعلى قاعدة بقائه لا تنحيته، مؤكدةً أنّ هناك أكثر من وصفة قانونية يمكن اعتمادها  لتبريد هواجس الحزب وإراحته.

وتشدّد الشخصية إيّاها على أنّ عون وباسيل لا يحتاجان إلى أيّ “فحص دم” سياسي ربطًا بموقفيهما الداعم لاستمرار البيطار في مهمّته، لافتةً إلى أنّ باسيل وضمنا العهد أصيبا بالعقوبات الأميركية.

وتروي هذه الشخصية كيف تعامل عون بحزم مع حادثة الطيونة لدى إبلاغه بها بعد انتهائه من أحد الاجتماعات في قصر بعبدا، مشيرةً إلى أنّه وبحسّه السياسي خاطب على الفور أحد مستشاريه بالقول: هذا مشروع  حرب أهلية وأنا لن أسمح بذلك..

وتكشف الشخصية اللّصيقة بعون أنّه بادر إلى الاتصال بمدير المخابرات في الجيش  مستفسرًا منه عمّا يحصل على الأرض فشرح له ما يجري وكيف أنّ عددًا من الضحايا سقطوا، فطلب منه رئيس الجمهورية إنهاء التوتر “لو شو ما كلفت” وأضاف: “ارسلوا قوًات خاصة إذا لزم الأمر، إصعدوا إلى السطوح ولاحقوا القنّاصين وحيّدوا المظاهرة”، ثم طلب الاتصال برئيس القوّات اللّبنانية سمير جعجع، بعد انقطاع طويل، حيث نبّهه إلى خطورة ما يحصل في الطيونة ومحيطه، سائلًا إيّاه: “شو عمتعمل يا حكيم؟” مؤكدًا له أنّ “الظروف تغيّرت ولا عودة إلى الوراء”.

 

عماد مرمل

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى