منوعات

جديد ملف تفجير المرفأ: القرار الظنّي خلال شهر إلّا إذا..

"الحريق" الفرضية المرجّحة.. هل مَن سَرَقَ حَرَقَ؟

في غمرة الإنشغال الداخلي والخارجي بالأزمة الديبلوماسية بين لبنان والسعودية، يمضي المحقّق العدلي في ملف تفجير مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، بتحقيقاته وتجميع المعطيات الكاملة لإصدار قراره الظني المُتوقّع بين أواخر الشهر المقبل وقبل نهاية العام الجاري على أبعد تقدير، بحسب ما تكشف مصادر مطّلعة على الملف لـ”أحوال”.

وحتى ذلك الحين، ستبقى الساحة الداخلية والقوى الدولية في حال ترقب لمضمون التقرير من الجانبين التقني والأمني والإهمال الوظيفي، فضلاً عن الجهات التي سيتوجّه إليها الإتهام، أكان بافتعال التفجير أم بالتقصير في معالجة هذه المواد الخطيرة التي كانت على متن الباخرة “روسوس” في الوقت المناسب قبل انفجارها.

ورغم الشكوك التي تحيط بعمل القاضي البيطار واتهام جهات له بالإستنسابية والإنحياز، ما فتح باب الإستثمار السياسي داخلياً وخارجياً، إلا أن المصادر تؤكد لـ”أحوال” أن “البيطار ينكبّ في الآونة الأخيرة على إعداد قراره الظنّي بعدما أنجز الكثير من التحقيقات وبات يملك تصوراً حول حيثيات التفجير من وقائع وأدلّة علمية وفنية وتقنية وشهادات في أكثر من مرحلة، منذ دخول باخرة نيترات الأمونيوم إلى المرفأ حتى تاريخ تفجيرها”.

وكشفت المصادر عن معلومة حاسمة وهامّة ستكون محور رواية البيطار وتسهّل كشف الحقيقة، انطلاقاً من “مقارنة ومقاطعة التقارير الفنية والأمنية لأكثر من جهاز أمني خارجي وداخلي، لا سيما تقارير المخابرات الفرنسية و”الـ أف بي آي”، مخابرات الجيش اللبناني وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي الذي يتحدّث عن رواية علمية كيميائية فيزيائية لحدوث التفجير”.

لكن تصريح الرئيس الروسي فلادمير بوتين منذ أيام بأن “كارثة المرفأ كانت مرتبطة برغبة البعض بتحقيق مكاسب مالية من خلال بيع الأسمدة بأسعار أفضل”، عزّزت صحة فرضية “السرقة” التي طرحتها أكثر من جهة أمنية وقضائية على أنّها الفرضية الأرجح في ظلّ عدم وجود أدلّة وقرائن حسّية على وجود تفجير بصاروخ جو – أرض أو بحر – بحر أو عمل إرهابي.

وفي هذا السياق، يستبعد خبير أمني في حديث لموقعنا فرضية الصاروخ، “كون الحريق الأول بدأ عند الساعة 5 ونصف وثلاث دقائق، فيما حصل الإنفجار عند السادسة وثمانية دقائق، ما يعزّز منطق الربط بين الحريق والتفجير”.

وبحسب المعلومات التي ظهرت خلال التدقيق في بعض الوثائق والمعاملات والتحقيقات مع الموظفين الموقوفين في المرفأ، تبيّن “أن باخرة النيترات وصلت في تشرين الأول 2013 إلى المرفأ وأُفرغت في آب العام 2014 وبقيت مدّة عشرة أشهر في البحر على السلسول وليس على الرصيف، أي في مكان الإنتظار، وتحوي هذه الباخرة على 2750 طن من نيترات الأمونيوم، وبعدما انشكف أمر رسوها في مكان غير مخصّص لها، تحرّك المرجع القضائي آنذاك وعيّن حارساً قضائياً على هذه الباخرة وكلّف مراقباً للذهاب إلى المرفأ والكشف على النيترات، ليتبيّن لاحقاً أن الكمية ناقصة، ما عزّز فرضية سرقة جزءاً من النيترات خلال وجود الباخرة على السلسول البحري ونقلها لبيعها في أماكن عدة”. وهذه المعلومة تتقاطع مع تقرير المخابرات الأميركية الذي أكّد أن “كمية النتيرات التي انفجرت أقل من الكمية الموجودة في الباخرة”.

وتتساءل المصادر عن سبب غرق الباخرة في العام 2018 أي بعد خمس سنوات من رسوها على البحر؟

وبناء على تحقيقات أحد الأجهزة الأمنية اللبنانية، تبيّن أن جدار العنبر 12 محطّم والبوابة الرئيسية “مخلوعة”، ما يدل على حصول سرقة لسنوات من العنبر12، وتكشف أيضاً أن “طول العنبر من 70 إلى 80 متراً وعرض 12 متراً يحوي كل المصادرات الثمنية غير نيترات الأمونيوم التي يصادرها جهاز الجمارك ولا يأتي أصحابها لاستردادها وتزن 6 طنًا، ومن ضمنها المفرقعات التي اشتعلت وسبّبت التفجير”، ما يطرح تساؤلات عدة: هل هناك من أشعل الحريق الأول لكي يغطي على فضيحة السرقة؟ سيما وأن بعض الجهات القضائية طلبت إجراء إحصاء لكل محتويات وموجودات العنبر، لا سيما النيترات قبل حصول التفجير بوقت ليس ببعيد؟ وهل مَن سَرَقَ حَرَقَ؟

إلا أن المعطى الجديد هو إعلان الرئيس الروسي استعداد بلاده تسليم صور الأقمار الصناعية للبنان، وبعد أيام بادر رئيس الجمهورية ميشال عون بعد لقائه السفير الروسي في لبنان للطلب رسمياً من السلطات الروسية تسليم لبنان هذه الصور، ما يدفع للتساؤل عن سبب تمنّع الأميركيين والفرنسيين ودول أوروبية أخرى عن تسليم صور أقمارهما الصناعية، طالما أنّهم يعلنون مراراً ضرورة كشف الحقيقة؟

وهذا ما دفع بجهات سياسية لعزو السبب لأمرين: الأول تريد واشنطن وحلفائها استثمار الملف باتجاه التصويب على “حزب الله” على غرار اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتسليم الصور الجوية قد تكشف معطيات معاكسة، والثاني انكشاف مسؤولية قوات “اليونيفيل” في السماح بإدخال الباخرة “روسوس” كونها مكلّفة بمنع دخول الأسلحة والمواد المتفجرة إلى لبنان؟ وتشير الجهات إلى أن “صور الأقمار الصناعية قد تُغير مسار التحقق وقد تؤخّر إصدار القرار الظني، فربّما تُناقض وتَنقض تقرير البيطار، وربما تتلاقى معه وتعزّز فرضياته”.

ووفق معلومات “أحوال”، فإن السلطات الروسية ستسلّم الصور الجوية الموجودة لديها مع التحليل التقني والأمني والجنائي لهذه الصور قبل التفجير وخلاله وبعده، ما يظهر حركة دخول وخروج الأشخاص والآليات وطبيعة عملهم قبل التفجير، وتكشف السبب المباشر له، وحركة المرفأ بعد التفجير وما إذا كان هناك مجموعة منظمة أشرفت على تنفيذ عمل إرهابي في مسرح التفجير أو في مكان ما في المحيط.

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى