سياسة

كورونا ماكرون تضع الحكومة المرتقبة في الحجر

الحزب يعمل لتقريب وجهات النظر وبري مستسلم لليأس حيال خلاف عون والحريري

لم ينجّ الحراك الفرنسي المرتقب أن يُحرّك المياه الراكدة حكومياَ في لبنان من وباء كورونا الذي يفتك بجسد الكرة الأرضية، بعد أن نال الفيروس من سيّد الإليزيه وعطل زيارته المرتقبة إلى بيروت.

وينقضي أسبوع آخر على مشهد مكفهر لبنانياً تتلاءم مع الطقس العاصف والماطر، حكومياً الأبواب موصدة أمام أي حراك فعلي، ولا أجواء عن اتصالات على خط بعبدا بيت الوسط بالرغم من أن حدّة السجالات قد خفُتت بين الطرفين، وفيما كان من المنتظر أن تدفع زيارة ماكرون عجلة التأليف أطاحت الجائحة بأي آمال معقودة يمكن أن تُخرج الساسة اللبنانيين عن سكة السجالات والتجاذبات إلى سكة العمل الحكومي.

بكل الأحوال فإن وبمعزل عن إلغاء زيارة ماكرون فإن ثمّة استحالة تشكيل حكومة قبل الأعياد، وفق ما تقول مصادر مطّلعة “فلا نيّة لدى رئيس الجمهورية للتراجع عن رزمة المعايير التي يجد أنه من الواجب اتباعها لتشكيل الحكومة، ولا مؤشرات توحي بزيارة قريبة للحريري الى بعبدا لأخذ جواب مباشر لرأي عون حول التشكيلة الحكومية التي أودعه إياها الأسبوع الفائت، فيما دوائر بعبدا تُشيع أنها بانتظار رد الحريري على ما طرحه عون خلال اللقاء”.

في بعبدا انشغال لنفي ما تسرب عن لقاء رئيس الجمهورية بمجلس القضاء الأعلى، وقد نبّه عون إلى خطورة التسريبات والشائعات التي تزيد الشرخ بين المسؤولين اللبنانيين، وهو ما قاله صراحةً خلال لقائه رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، محذراً من “خطورة الشائعات التي تُبث عبرَ وسائل الإعلام، والتي يهدف البعض من خلالها الى افتعال المشاكل بين الرؤساء والسياسيين”، لافتاً إلى أن ما “جاء في وسائل الإعلام حول اجتماعه بمجلس القضاء الأعلى من ادّعاءات كاذبة خير دليل على ذلك”.

في هذا الوقت يُجري ساكن بيت الوسط ترتيبات داخل بيت “تيار المستقبل. وبعيداً عن جلبة التأليف، يستشرس الحريري في دفاعه عن موقع رئاسة الحكومة التي يصرّ على أن تكون محصّنة مثل الرئاستين الأولى والثانية. وتلفت مصادر “المستقبل” أنّ المعطيات لا تشير إلى توجه للتأليف أو زيارة مرتقبة للرئيس المكلف سعد الحريري لبعبدا” وتضيف “الطريق الوحيد لتشكيل الحكومة هو في تطبيق الدستور أي أن يؤلف الرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس الجمهورية، أمّا أن يقدم رئيس الجمهورية تشكيلة فهو خروج عن التقاليد والأعراف”. فيما يعوّل بيت الوسط على أهمية زيارة الحريري إلى بكركي في إطار “تصويب البوصلة وتبديد الهواجس التي أثارها التيار الوطني إثارتها في نفوس المسيحيين من خلال التحريض على الرئيس المكلف واتهامه بالاستئثار بالتسميات المسيحية في الحكومة”. وتتمنى المصادر أن تدخل بكركي على خط المساعي الحكومية ومحاولة إيجاد أرضية مشتركة بين رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية ميشال عون.

ومن بكركي إلى الإليزيه، ثمة تأكيد أن دخول ماكرون في الحجر الصحي لن يجمّد حركة مستشاره لشؤون الشرق الأدنى، باتريك دوريل، الذي يتولّى تقريب وجهات النظر بين عون والحريري وباسيل، وهو يردد ضرورة الإسراع في تأليف الحكومة وتنفيذ الإصلاحات، إلا أنه يلوّح بحسب مصادر مطلعة التهديد بفرض عقوبات أوروبية على الطبقة السياسية في حال الاستمرار بهذا التراخي.

إذاً تدخل الحكومة المرتقبة في الحجر مع الرئيس الفرنسي الذي ألغى جميع زياراته الخارجية، فيما على الجبهة اللبنانية ينشط حزب الله الذي ينأى بنفسه عن التجاذبات بين الرئاستين الأولى والثالثة، على خط تأليب الجدل السياسي بين الطرفين من التحلّق حول الفوارق والخصام إلى الاتفاق على نقاط التلاقي وهي” وجوب الخروج من الفراغ الحكومي إلى التأليف مهما كان صعباً وصولاً إلى إطلاق عجلة العمل لفرملة الانهيار المالي والاقتصادي الذي يُحيل حياة اللبنانيين “جهنماً” حقيقية. الحزب المشغول بأكثر من ملف محلي وإقليمي يرى أن المسعى الفرنسي لم يعد بنفس الحركة والزخم بعدما خفضت التجاذبات اللبنانية من فعاليته وأنه يجب معالجة العقد الداخلية التي تتقاطع مع الضغوط الخارجية وتزيد من حدة الانقسامات. وبناءً على ذلك ينوي الحزب تعزيز لقاءاته لبناء تفاهم أكبر بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف. وتّفيد مصادر مطلعة أن الحزب الذي لا يدعي الوساطة نجح على الأقل في هذين اليومين في إحداث هدنة على خط البيانات الهجومية بين الطرفين وتهدئة الهواجس “المسمومة” بأفكار غير جدية حول نيات لدى الطرفين بإلغاء الآخر. وهذا المناخ غير الصحي يدفع الحزب إلى الخروج عن موضع المراقب إلى موقع المحرّك للتلاقي على أن يتولى الرئيسان الحوار والتفاهم على الحكومة.

وحده رئيس المجلس النيابي نبيه بري كان مشككاً في امكانية تحقيق زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الغاية المتوخاة منها، خصوصاً لجهة تشكيل “حكومة مهمة” تنفذ الاصلاحات وتنهض بالبلاد.

بري سيد التسويات القادر على اجتراح الحلول حين تدخل الأزمات بين اللبنانيين عنق الزجاجة، رفع راية العجز في هذه المرحلة وبعد مرحلة من بث التفاؤل بات يُشيع اليأس من الحالة التي لا يُرثى لها على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. “الأفق مسدود بالكامل” يقول ساكن عين التينة لمحدّثيه، بعد أن استعصت المبادرات والضغوط الفرنسية لإخراج حكومة إلى اللبنانيين تنقذهم من جهنم الانهيار.

هذا التلبد في الوضع السياسي يُنذر بشتاءٍ قارس ومحموم حذّرت منه أطراف محلية وعربية ودولية، متخوفةّ من استمرار الاوضاع في لبنان على إيقاع التدهور المتدرج والسريع الى ما بعد رحيل الرئيس الاميركي دونالد ترامب عن البيت الابيض الذي يتشدد في إجراءاته وعقوباته على دول محور الممانعة ومنها بالطبع لبنان، وإلى ما بعد تسلم جو بايدن للرئاسة الأميركية في 20 كانون الثاني المقبل على الرغم من أن بايدن لديه من الملفات ما تبقيه منشغلاً في الداخل الأميركي.

في ظل هذه الأجواء الملبّدة بكثافة الانقسامات في السلطة، واستفحال الخلافات بين الأطراف السياسية، ما هي الآمال التي يُمكن أن يعلقها البؤساء اللبنانيون على العام الجديد؟

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى