سياسة

خطة التعافي والكابيتال كونترول تكتّم وبطء يُفاقم الأزمة

في بلد العجب والزغب ووسط صيحات حياتية بالجملة يستمر التراخي الحكومي والبطء في إقرار خطة التعافي المالي والاقتصادي ورفيقها الكابيتال كونترول للمزيد من التعديلات والدروس التي لا تنتهي من سلطة جاهلة لمعنى المسؤولية عن مقدرات البلد وسلامة وعافية مواطنيه المعيشية والاقتصادية والمالية.

من أسبوع الآلام في مسيرة الوجع اللبناني يبدو أن قيامة الحلول الجذرية لم يحن أوانها بعد في هذا النظام العجائبي. ومرّة أخرى يتم ترحيل إقرار خطة التعافي لأسبوع آخر من الدرس والتمحيص إلى موعد آخر على طاولة مجلس الوزراء الأربعاء المقبل بعد عيد الفصح المجيد.

يمر لبنان بثالث عام من الانهيار المالي الناجم عن عقود من الفساد والسياسات الخاطئة أفقدت العملة الوطنية أكثر من 90% من قيمتها،وحجبت البنوك معظم المدخرين من الوصول إلى حساباتهم بالعملات الصعبة. خلال السنوات الثلاث، أُهدرت احتياطات العملات 20 مليار دولار منذ بداية الأزمة فيما قدّرت مسودة خطة حكومية للإنقاذ المالي في وقت سابق هذا العام وجود فجوة بحوالي 70 مليار دولار في القطاع المالي.

لكن هذه الخسائر والسواد الذي يحيط باللبنانيين في فقدان الخبز والدواء والغلاء الحارق لم يُحرّك همّة الحكومة للإسراع في إقرار الخطط الإصلاحية التي طلبها صندوق النقد الدولي ومرّة جديدة مجلس الوزراء يستمهل رئيس الحكومة أسبوعًا لوضع الملاحظات على خطة التعافي.

هذه الخطّة السرّية التي لم يطّلع اللبنانيون على بنودها ولم يعرفوا بعد حجم الأكلاف الإضافية التي ستُلقيها على كاهلهم. لم يذكر مجلس الوزراء في بيانه سوى تنويه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “بالجهد الذي بذلته اللجنة برئاسة نائب رئيس الحكومة في موضوع التفاوض مع صندوق النقد الدولي”.

مصير خطة التعافي المتعثّر يسير على قدم عرجاء مثله كمثل مصير مشروع قانون الـ”كابيتال كونترول” فلم تنجح اللجان النيابية المشتركة في جلستها أمس بإقرار قانون الـ”كابيتال كونترول” على أن يتم عقد جلسة أخرى الأربعاء المقبل وتمّ إدخال تعديلات على المادة الأولى أكدت على حماية الودائع.

بين الشعبوية والخوف من انعكاس هذه المشاريع على شعبية النواب يتم التسويف بتدوير التعديلات والتدقيق في المشاريع المعروضة دون أن ترسو هذه الدراسات على برّ الإقرار. وفيما تؤكد مصادر نيابية لـ”أحوال”، أنه لا يمكن إقرار قانون الكابيتال كونترول دون إقرار الحكومة خطة التعافي المالي لتحديد حجم الخسائر وتوزيعها، تُشير إلى أن إدراك الجميع ضمنًا بأن خسارة الودائع هي حقيقة خلافًا لما يتم ترويجه علنًا بأن الهدف هو حماية الودائع، هو المعضلة الحقيقية أمام الوزراء والنواب التي تُعيق السير بالمشروعين.

التكتم والسريّة حول خطة التعافي بدلًا من عرضها بشفافية أمام الناس يشي بقطب مخفية تُلحق الضرر على الشعب وتُنقذ الطبقة الحاكمة التي نهبت خيرات البلد. وقد تبيّن أن العرض الأولي لخطة التعافي الاقتصادي أمام مجلس الوزراء، لحظ، بحسب مصادر مطّلعة، تساؤلات بين الوزراء، لأن ثمّة فصول تحتاج الى مناقشات معمّقة باعتبار أن الافرقاء المعنيين في الحكومة لم يطلعوا عليها تفصيليًا بعد.

وخطة التعافي ستكون، كما هو معروف، نواة البرنامج المزمع توقيعه مع صندوق النقد الدولي. وعليه، ستتضمن كل الإجراءات الاساسية المتفق عليها مع بعثة الصندوق والمدرجة في ورقة الاتفاق الأولي.

وتشكل مسألة توحيد سعر الصرف واعادة هيكلة القطاع المصرفي وتوزيع الخسائر المالية الحيّز الأهم فيها، نظرًا الى أن ما تقترحه الحكومة في خطتها سيكشف التوجهات الاقتصادية والمالية التي ستحكم البلاد في السنوات الأربع المقبلة، وهي مدة البرنامج كما ورد في الاتفاق، وسيحدد التوقعات الرسمية للنمو وتنشيط الاقتصاد واعادة التعافي.

التزام الحكومة الصمت حيال الخطة، كونها تتضمن ما توصّل إليه صندوق النقد الدولي حول الخسائر التي تقدّرها الحكومة بنحو 73 مليار دولار، معظمها أموال لأصحاب الودائع. وكانت توصية الصندوق معالجة هذه الخسائر مع التنويه بحماية صغار المودعين وعدم التوسع في استخدام الأصول العامة لإطفاء الخسائر.

هذا التنويه هو ما يفرمل القيادات السياسية في مجلسي الوزراء والنواب عن إقرار المشروعين

تجنبًا لمصارحة المودعين بأن معظم أموالهم قد تبخّر، وعليهم تحمّل جزء من الخسائر وخوفًا من إثارة عاصفة شعبية للمطالبة بالمحاسبة داخل المصارف والبنك المركزي حيث محمية الحاكم بأمر امال وشركاه من الألغارشية اللبنانية، التي تواطأت على حساب ودائع الناس والمال العام.

هذه الخلاصات مرفوضة من قبل الفريق الاقتصادي لرئيس الحكومة، الذي يقدّم تبريراته حول التكتم على خطة التعافي والامتناع عن تسريب أي معلومات كون المشروع يخضع لتعديلات وملاحظات مستقاة من المناقشات التي تجريها الحكومة مع الهيئات الاقتصادية والمالية.

الكلام الحكومي المنمّق لا يغيّر ثابتة أكيدة يعرفها كل من اطّلع على الخطة، وهي أن الخطة الحكومية المرتقبة ليست سوى تحديث لنسخة قديمة وضعتها حكومة الرئيس حسّان دياب مع إدخال بعض التعديلات على أرقام تلك الحكومة وتوقعاتها التي تغيّرت مع مرور الزمن.

على سبيل المثال، اعتمدت حكومة ميقاتي سعر صرف منصة صيرفة للدولار، فيما وردت في نسخة حكومة دياب وفق اعتماد سعر صرف على أساس ٣٥٠٠ ليرة للدولار. وتركز الخطة في شكل أساسي على إعادة هيكلة القطاع المالي والمصرفي وتوحيد سعر الصرف وتوزيع الخسائر المالية. علماً بأن بند منح ٥ تراخيص جديدة لمصارف تجارية قد ألغي.

الفارق الأكبر والأخطر بين مسودة حكومتي دياب وميقاتي هو حجم الخسائر الذي تضاعف في العامين الماضيين بسبب غياب الجدية في مواجهة الأزمة. وهذه الخسارات ستتفاقم مع مرور الأيام ما لم تجد الحكومة الشجاعة على مصارحة الرأي العام قبل الاستحقاق الانتخابي وترحيل الأزمات إلى البرلمان والحكومة الجديدين.

 

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى